أول سطر

كنوز الصحافة الورقية

طاهر قابيل
طاهر قابيل

فى الساعات القليلية التى تزحف بعمرعام إلى نهايته أجلس إلى نفسى أحاسبها عما قدمته طوال العام.. وأسأل نفسى هل أفدت واستفدت وأديت واجبى نحو وطنى ونفسى وأهلى واصدقائى؟ شريط طويل يتتابع أمام مخيلتى يعرض فصولا من حياة عام انقضى من عمر الدنيا ومن عمرى.. فهل أديت واجبى نحو الوطن؟ فحبه شعور نفسى واحساس وجدانى وليس سلعة تباع وتشترى.. فهو اشرف خلق للانسان وأحسن شيمة للفنان.. ومن لم يعمل فى وطنه فعدمه خير من حياته.

يقولون إنى صاحب "مدرسة" فهل استطعت كمعلم ان أفيد وأنقل صورتي إلى غيرى ام كنت بعيدا عن القلوب؟ فصاحب المدرسة او المعلم كالشمس تضئ لغيرها وهى مضيئة فى نفسها.. فهل قدمت وأفدت أم كنت كالقمر الذى يضئ ولا يدفئ؟.. يدور الشريط ليعرض المحطة الثانية عن حياتى كوني انسانا يعيش فى مجتمع..فهل كنت أمينا على صداقة الاخرين وموفقا فى اختيار صحبتهم ؟ فالانسان الوافر العقل الذى يطلب راحة البال لا يصادق الا من أجمع الناس على انه من أهل الخير والمحبة.. وكل من حولى أحبهم لأنهم يحبوننى ولأ احمل الحقد لأحد ولو كان الحقد يملأ قلبه مني.. وأسأل نفسي كوني رجلا وزوجا وأبا هل وفيت مسئوليتى نحو الزوجة والبيت والاولاد وأسعدت نفسى أم أسأت اليها ؟ أجدنى فى نهاية الشريط مرتاح الضمير لقد أديت الامانة.

دائما أتذكر القصة التى حدثت بعد عام 1948 وعودة بعض رجالنا بجراح الخيانة ودعيت لقضاء سهرة رأس السنة عند أحد "الكبراء".. وزارنى صديق عزيز فى منزلي وكنت استعد للذهاب وعلمت منه انه سيقضى سهرته مع الجرحي الذين ستقوم الجمعية بإقامة حفل للترفيه عنهم بمناسبة العام الجديد.. وكلفته بدعوتى الا انه أعتذر بالنيابة عنى لانه كان يعلم اننى مدعو لقضاء السهرة عند احد الكبراء.. وما كدت انتهى من ارتداء ملابسى حتى طلبت منه أن يصطحبني معه إلى مكان الحفل والسهر معهم واعتذرت للكبير واخبرته أننى سأقضى السهرة فى حفل جرحى الحرب.. ولم تكد تمر نصف ساعة حتى فوجئت بالكبير يدخل مكان الحفل ومعه مجموعة ضخمة من مدعويه جاؤوا جميعا يسهرون معنا.. وغنيت كما لم أغن من قبل وشاركنى الكثير من الزملاء الفنانين.. واستطعنا أن نزيل الكثير من ألم الحسرة فى نفوس هؤلاء الابطال.

 هذه ليست تجربتي ولكنه مقال مع تدخلات بسيطة من "كنوز الصحافة الورقية" كتبه الملحن الكبير صاحب الصوت العذب المرحوم الفنان محمد عبد الوهاب فى مجلة الكواكب فى عام 1959.. والتى تحرص محبوبتي جريدة "الاخبار" والزميل والصديق عاطف النمرعلى تقديمها للقارئ أسبوعيا كل خميس وهى لا تعد ولا تحصى.