حروف ثائرة

مؤسساتنا الصحفية وفزاعة الديون

محمد البهنساوي
محمد البهنساوي

حديث دار الأيام الماضية حول ديون المؤسسات الصحفية القومية.. وهل هى 22 مليار جنيه كما ذكر وزير الدولة للإعلام أسامة هيكل أمام البرلمان، أم أنها 13٫9 مليار كما جاء فى رد الهيئة الوطنية للصحافة مكذبة أرقام الوزير.. وحقيقة لم أتوقف عند أى من الرقمين رغم استغرابى من جدوى وسبب حديث الوزير فى تلك الجزئية أمام البرلمان.. وإذا كان هناك سبب لا نعرفه فكنت أتصور أن يتم شرح حقيقة تلك المديونيات وضرورة مراجعتها وحلها.. وأرى أن هناك لغطا كبيرا وحقائق يجب توضيحهما حول تلك المديونيات التى أصبحت تسيئ للجيل الحالى من العاملين بتلك المؤسسات دون ذنب اقترفوه.

بداية فإن تسمية تلك المستحقات بالديون يحتاج مراجعة.. فالديون ترتبط فى أذهان المصريين بالحصول على مبالغ وقروض والتقاعس عن سدادها.. وهو ما لا ينطبق بتلك الحالة.. فتلك الديون إن صح التعبير فى غالبيتها مستحقات للضرائب عن الإعلانات بالمؤسسات القومية لعقود مضت.. وليكون الشرح وافيا.. فمن قديم الأزل كانت هناك ضريبة 36% على أى إعلان يتم نشره بالصحف والمجلات.. وأسقطت الحكومات المتعاقبة هذا البند من حساباتها.. وكذلك المؤسسات القومية التى لم تكن تضيف هذه القيمة مطلقا على الإعلانات ولا تحصلها من العملاء.. إلى أن جاءت حكومة د.أحمد نظيف وفتحت هذا الملف وبالدفاتر والأرقام أصبحت مؤسساتنا ميدونة بعدة مليارات كان يستحيل سداده.. وبعد مناقشات وتوضيح قصة بند الـ 36% الذى ولد ميتا.. اقتنعت الحكومة ووزير ماليتها يوسف بطرس غالى برأى المؤسسات واعتبرت تلك المبالغ المستحقة فى حكم الديون المعدومة.. وتم الإتفاق وقتها أن المؤسسات لا علاقة لها بالضرائب وأن الدولة تحصل مباشرة من المعلن 15% من قيمة إعلانه.. وهو ما يسرى منذ هذا التاريخ، لكن للأسف ظل إعدام هذه الديون نظريا دون قرار لتصبح تلك الديون سيفا مصلتا لمن يريد استخدامه كفزاعة ضد الصحافة القومية.

وحتى بيان الهيئة الوطنية للصحافة أكد أن أصل الدين 6٫8 مليار جنيه والباقى فوائد!!..

وبداية يخطئ من يحصر دور الصحافة القومية بصحفها ومجلاتها ومواقعها.. لكن أياديها البيضاء تمتد منذ نشأتها لكل عناصر الإعلام وبناء الوجدان المصرى والعربى من الدراما والأفلام وحتى التدريس بالجامعات.. فما لا يعرفه الكثيرون أن الصحف الخاصة التى نمت وترعرعت بمصر قبل عقد من الزمان وقبلها بعقود الصحف الحزبية قامت بسواعد وأفكار أساتذة وزملاء من خيرة أبناء المؤسسات القومية.. ومثلهم بالتليفزيون المصرى منذ نشأته والقنوات الخاصة التى يقدم أهم برامجها حاليا زملاء بالمؤسسات القومية وكذلك الإدارة والإعداد... ناهيك عن دور أساتذتنا فى وضع الأساس القوى لكافة الصحف العربية.. والتدريس بالكليات المختلفة بجانب الدور التنويرى والتثقيفى والوطنى لتلك المؤسسات.. فهل يكون هذا جزاءها؟!

وبنظرة إلى الجيل الحالى الذى يتحمل إدارة شئون مؤسساتنا وتحديدا منذ أحداث 25 يناير فقد تحمل أخطاء لأجيال سابقة لم تتوقف عند الديون الوهمية لكن أكبر منها كثيرا.. ثم فيما يحصلون عليه من مقابل مخزٍ بكل أسف.. فهل يعلم الكثيرون أن القيادات السابقة لمؤسساتنا قبل يناير كانوا يحصلون على أكثر من 10 أضعاف ما يحصل عليه الزملاء حاليا؟.. وبحسبة فارق التكلفة والعملة والمعيشة يصبح الفارق خياليا.

كلمة أخيرة وإحقاقا للحق فإن المؤسسات الصحفية القومية حاليا تعيش ظروفا هى الأقسى فى تاريخها.. ورغم ذلك تبذل إداراتها جهدا مضنيا لتوفير الرواتب وأفكار مبتكرة لزيادة دخل المؤسسات واستثمار إمكانياتها.. وتبذل الهيئة الوطنية للصحافة برئاسة المهندس عبد الصادق الشوربجى جهدا كبيرا لمؤازرة المؤسسات للخروج من كبوتها ومحاولة الانطلاق.. فهل ندعم تلك الجهود بالإبقاء على السيف المصلت على رقابها.

يتملكنى الأمل فى حكومة الدكتورمصطفى مدبولى أن تنهى هذا الوضع وتجد مخرجا لإسقاط ديون يعرفون استحالة سدادها وأن تساند المؤسسات القومية باعتبارها أحد أهم أدوات الحفاظ على هويتنا وأمننا القومى ولتواصل دورها الوطنى التنويرى.