انتهازية الإخوان.. ضعف الأحزاب.. الإعلام المموّل

أسباب اختطاف ثورة يناير

ثورة يناير
ثورة يناير

أحمد جمال

عاماً تلو الآخر تتكشف أبعاد جديدة بشأن توصيف ما جرى فى 25 يناير 2011، ما يفتح الباب أمام الغوص فى تفاصيل ما حدث خلال الأيام الأولى من الثورة والتى كانت حاسمة فى توجيه مسار التظاهرات، والأسباب التى دفعت تنظيم الإخوان الإرهابى للانقضاض عليها، وتوجيهها لصالح تحقيق هدف واحد هو وصول الجماعة إلى السلطة، وكيفية إسهام عدة عوامل فى أن يحقق التنظيم مراده قبل أن يصحح المصريون المسار فى 30 يونيو 2013.

يمكن النظر إلى جملة العوامل التى ساعدت الإخوان على ارتكاب جريمتهم بحق الثوار والوطن، لعل أبرزها ما يرتبط بالجماعة ذاتها التى لعبت على جميع الحبال ودشنت تواصلها مع نظام الرئيس الأسبق مبارك، ومع القوى الشبابية التى نزلت إلى الشارع فى آنٍ واحد، وانخرطت بشكل أكبر فى تحالفات سياسية تضمن سيطرتها على أول برلمان بعد الثورة بما يُسهل طريقها نحو الوصول إلى رأس السلطة.
خلال الأيام الأولى للثورة مارس تنظيم الإخوان انتهازيته المعروفة، وأعطت قياداته تعليمات لأعضاء الجماعة بالنزول فرادى، والانتظار لما سيحققه الشباب الثائر سواء استطاعوا إملاء مطالب التغيير أو عادوا مجدداً إلى بيوتهم من دون أن يتحقق شيء، ما عكس تناقضات التنظيم التى بدت واضحة للجميع مع الأيام الأولى للثورة وظهرت فى البيانات الرسمية التى صدرت حينها ولم تتطرق إلى المشاركة أو عدم المشاركة فى أى تظاهرات وغلب عليها استخدام الكلمات الدبلوماسية مثل "نشارك دوما هموم الشعب وآماله".
ما جرى فى الأيام الأولى عُدّ مقدمة لعشرات الوقائع التى كان فيها التنظيم يبحث عن تسيير دفة الأحداث لصالح تحقيق أهدافه، بدءاً من "معركة الصناديق" الشهيرة  خلال أول استفتاء لتعديل الدستور عقب تنحى مبارك، مروراً بالعديد من المليونيات التى كان هدفها التواصل المستمر مع أكبر عدد من المتظاهرين والدخول معهم فى نقاشات تدعم رؤية التنظيم، فى مقابل تخليهم عن الميدان بعد أن تيقنوا أنهم قاب قوسين من السيطرة على البرلمان.
بحسب منير أديب، الخبير فى شئون الجماعات الإسلامية، فإن جماعة الإخوان الإرهابية تتفنن فى سرقة الأشياء بدءاً من النصوص الدينية التى أخرجوها من سياقها لخدمة أهوائهم السياسية، بجانب سرقة أحداث سياسية عديدة وتشويه أخرى بما يدعم وجهة نظرهم، وتشويه وقائع تاريخية مختلفة لصالح الترويج لفكرتهم، وتكرر الأمر مع ثورة يناير وحاولوا إيهام الناس بأنهم أصحاب تلك الثورة ومفجروها.
وأضاف أن ما ساعد تنظيم الإخوان وقتذاك أن أغلب المتظاهرين من الشباب وحتى القوى السياسية لم يرونهم على صورتهم الحقيقية وانخدعوا فى شعاراتهم الزائفة، وفى حين أوهموا المواطنين أنهم يأخذون بأيديهم للصعود على سلم الديمقراطية فإذا بهم ينزعون هذا السلم من تحت أقدامهم لتحقيق مصالحهم، وهو ما تكشف بعد ذلك حينما وصلوا إلى رأس السلطة.
يعتبر منير أن تصدير شعارات العدالة الاجتماعية والعيش والحرية استهدفت رسم صورة مثالية للتنظيم ليتجسد فى أذهان المواطنين أنه ظل يدافع عنها منذ نشأته فى عشرينيات القرن الماضي، بالتالى يُصبح أكثر إقناعاً للمواطنين بأنه هو من قاد تلك الثورة، واستهدفت الجماعة الوصول إلى الطبقات الفقيرة التى كانت تنظر إلى الثورة باعتبارها المخلص من أوضاعهم الصعبة.
فيما يذهب كريم العمدة، أستاذ الاقتصاد السياسي، للتأكيد على عامل آخر ساعد تنظيم الإخوان فى مهمة سرقة الثورة يتمثل فى استغلال الظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة فى ذلك الحين وتصدير شائعات مفادها أن ما ستجنيه الثورة من محاسبة رموز مبارك واستعادة أمواله من الخارج ستنتشلهم من أوضاعهم الصعبة، وجرى نشر شائعة ثروة عائلة مبارك التى قدرتها وسائل إعلام أجنبية ممولة من تنظيم الإخوان بأنها تبلغ 70 مليار دولار، قبل أن ينكشف زيف تلك التقارير لكن بعد أن تمكنت الجماعة من الانقضاض على الثورة وسرقتها.
وأوضح أن تنظيم الإخوان قدم للمتظاهرين خطاباً حمل التركيز على برنامجها الاقتصادي، وما قالت عنه فى ذلك الحين بأنه "مشروع النهضة" الذى اتضح أنه مشروع وهمي، وهو أمر كان له مردود سلبى على حالة الاقتصاد وتدهورت الأوضاع بشكل أكبر، وبدا أن هذا الخطاب يستهدف الوصول لقاعدة الجماهير فى القرى والمراكز الفقيرة التى تجاوبت مع ما يقدمه التنظيم من شعارات زائفة.
يقود العامل الاقتصادى الذى ارتكنت عليه الجماعة فى خطابها إلى الدور الذى لعبته وسائل الإعلام المحسوبة على التنظيم وفى القلب منها قناة "الجزيرة"، التى تعاملت مع الثورة المصرية باعتبارها فريسة انقضت عليها بجميع أدواتها التى تخطت الجوانب الإخبارية التقليدية إلى جوانب أخرى استخباراتية استهدفت إسقاط الإعلام الوطنى والتشكيك فى كل ما يبثه، وتكذيبه بما يدعم صورة "الجزيرة" لدى المواطنين فى كونها الوحيدة التى تنقل بحيادية ما يجرى على الأرض.
أكدت العميد الأسبق لكلية الإعلام جامعة القاهرة، الدكتورة ليلى عبدالمجيد، أن "الجزيرة" لعبت دوراً تحريضياً فى ثورة يناير ومنذ اللحظة الأولى عملت على تسخين الأحداث بشكل مبالغ فيه لدفع الأحداث نحو العنف والفوضى التى بحث عنها تنظيم الإخوان منذ أن قرر المشاركة بثقله فى الثورة، وظهر ذلك من خلال الانتشار الواسع لشبكة مراسليها وكاميراتها التى ثبتها بشكل مستمر على ميدان التحرير والمناطق المجاورة.
برأى الخبيرة الإعلامية، فإن أخطر ما مارسته قناة "الجزيرة" وصب مباشرة فى خدمة تنظيم الإخوان يتمثل فى التشكيك بكل ما تبثه وسائل الإعلام الوطنية من أخبار بشأن ما يجرى على الأرض وقلب الحقائق من خلال تغطية أحداث اقتحام السجون، ما مكنها من السيطرة على المشهد الإعلامى فى ذلك الحين.
وأوضحت، أن تنظيم الإخوان لكى يتمكن من سرقة الثورة إحتاج إلى أن يحظى بإعلام يدعم مخططاته الخبيثة من دون أن ينكشف أمام المتظاهرين، بالتالى كانت الضربات الموجهة للإعلام الوطنى قوية فى ذلك الحين ما دفع كثيرا من المعلنين إلى سحب إعلاناتهم من وسائل الإعلام المصرية وتعرض الإعلام لهزة عنيفة أثرت عليه لسنوات، وهو ما حدث أيضاً مع باقى أركان الدولة ممثلة فى الجيش والشرطة والقضاء.
يأتى على رأس العوامل التى ساعدت تنظيم الإخوان الخطاب السياسى والإعلامى المنفر للمزاج العام الذى قدمه شباب الثورة كما أنهم تحجّروا عند مرحلة الاحتجاج، ولم يتطوروا إلى ترجمة شعارات الثورة إلى برنامج يشاركون من خلاله فى الحياة السياسية، ونجح تنظيم الإخوان فى أن يضعهم فى دائرة الشك بالضغط عليهم مرات عديدة باعتبارهم قوى تسعى لاختطاف السلطة، ولم يكن لدى الشباب وكذلك الأحزاب خبرات كافية للتعامل مع اتهامات العمالة وبيع الثورة.
يذهب البعض للتأكيد على أن الثورة مرت بفترة قصيرة شهدت تحولات شديدة السرعة عاشتها البلاد خلال 18 يوماً حتى سقوط النظام، ما سهَّل مهمة التنظيم، إذ إن الثورة بدأت ليبرالية ثم دخلت عليها الشعوبية قبل أن يرمى تنظيم الإخوان بثقله، فيما حاول المجلس العسكرى أن يحدث اتزاناً بين الأطراف المختلفة.
واعتبر ياسر الهضيبي، عضو مجلس الشيوخ، نائب رئيس حزب الوفد، أن عدم وجود أحزاب قوية فاعلة فى أثناء حكم مبارك وسيطرة الحزب الواحد (الحزب الوطنى المنحل) على كل مخالب السلطة أفرز أحزاباً ضعيفة لم تتمكن من وضع رؤية واضحة للتعامل مع حركة الشارع السريعة.
وأضاف أن شباب الثورة إلى جانب الأحزاب تعرضوا لخيانات خارجية قادها الإخوان وقوى خارجية دفعت باتجاه تحويل مسار الثورة لصالح تمكين تنظيم الإخوان إلى أن قام بإقصاء كل القوى التى شاركت فى الثورة، ما دفع الأحزاب المدنيّة وفى القلب منها حزب الوفد لإعادة لملمة أوراقها مجدداً من خلال "جبهة الإنقاذ" التى كانت بمثابة ثورة استعادة الوعى لدى القوى السياسية والشباب مجدداً والإمساك بزمام المبادرة مجدداً لحين إطاحة التنظيم من على رأس السلطة فى 30 يونيو 2013 عبر أكبر ثورة شعبية فى تاريخ مصر.