المخدرات المستحدثة أشد فتكاً وتسبب العمى والشلل

«المخدرات المستحدثة».. «الأخبار» تكشف أوكارها وتعيش آثارها المدمرة على المدمنين

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

"المخدرات" المستحدثة آفة هذا الزمان، وأصبحت وباء أشد خطرا على صحة شبابنا من وباء فيروس كورونا.

وإذا كان الشباب أقل عرضة للإصابة بالفيروس، ويتعافون سريعا عند إصابتهم به، فإن المخدرات وخاصة المصنعة منها تحصد أرواحهم بلا رحمة وبدون مقدمات أو أعراض.

فبعد انتشار كافة انواع المخدرات وبيعها علنا بالشوارع بالقاهرة الكبرى وجميعها متاحة للجميع بدءا من الحشيش والهيروين مرورا بـ "البودر والفودو والاستروكس" وغيرها من المواد الفتاكة.

كلها أسماء لمخدرات شيطانية مصنعة كميائيا انتشرت فجأة وبدون سابق انذار بين الشباب ومجتمع "الحشاشين" كالنار فى الهشيم وتخفت فى صورة اعشاب طبيعية أو بخور يتم استنشاقه لتهدئة اﻷعصاب وتفوق تأثيرها على المدمن مئات المرات تأثير المخدرات المتعارف عليها المتداولة منذ زمن بعيد ( كالحشيش، والبانجو).

وازداد انتشاره فى الفترة الأخيرة بين الصبيه، وكلما زاد انتشاره بين الشباب زاد معدل الجريمة وتطورها.

«‬الاستروكس‮»‬‭ ‬مصنع‭ ‬من‭ ‬مبيدات‭ ‬حشرية‭ ‬وسم‭ ‬فئران

«خبراء»: ‬المخدرات‭ ‬تستهدف‭ ‬تدمير‭ ‬شبابنا

 "الأخبار" دقت ناقوس الخطر لمنع انتشار مثل هذه المخدرات المصنعة كميائيا.. وخاضت رحلة الكشف عن أماكن بيعه وشرائه.. وعاشت مع بعض متعاطى هذه اﻻنواع الجديدة وتأثيرها عليهم والحاله التى تنتابهم بعد تعاطيه.. وكشف اﻷطباء عن المواد الكميائية المستخدمة فيه ومدى تأثيرها على صحة اﻻنسان.

كما حدد خبراء الأمن كيفية الحد من انتشاره، مؤكدين ان هذا النوع من المخدرات يستهدف اسقاط الشعوب وتدمير شبابها. 

رحلة البحث عن الكيف

البداية كانت سهلة فى رحلة البحث عن المخدر الشيطانى "البودر واﻷستروكس والفودو"، فبائع الحشيش يقف جنبا الى جنب مع بائع هذه المخدرات او يحمل كوكتيل من المخدرات فى آن واحد.. فعن طريق احد اﻻصدقاء تعرفنا على بعض الأماكن للبيع مثل امبابة والوراق وبولاق الدكرور والهرم وكرداسة والمنيب وفيصل. وقد تجولنا فى هذه المناطق وشاهدنا عمليات البيع هنا وهناك كما قمنا بجولةمع متعاطى المخدرات المصنعه كميائيا، جالسناهم وصارحناهم اننا بصدد عمل تحقيق ميدانى لكشف مناطق بيع هذه اﻻنواع الجديدة للمخدرات فأبدو الموافقة بشرط عدم تصوير اى من المراحل بداية من مرحلة الشراء حتى التعاطى وظهور اﻻعراض عليهم، فبادلناهم الموافقة لتبدأ مرحلة الشراء.

استقلنا سيارة أحدهم حتى توقفت بنا السيارة بأحد الشوارع الفرعية بمنطقة إمبابة ويسمى شارع "الغيط" وماهى الا دقائق بعد ان اتصل الشاب الذى بصحبتنا بتاجر "الأستروكس" واخبره التاجر انه متواجد فى مكانه المخصص للبيع بنفس الشارع، وعندما ذهبنا اليه وجدنا شابا يمسك بيده جميع انواع المخدرات والاقراص المخدرة، ويلتف حوله مجموعة من الشباب المدمنين وكان بينهم من هم أقل من 15 سنة.

وبادره التاجر قائلا: "عاوز حشيش ولا بودر"، فرد من كان بصحبتنا عاوز بودر، واعطى للتاجر 100 جنيه مقابل كمية قليلة من مسحوق يابس ابيض اللون، وفى عجاله انصرف المدمن عن التاجر وتركنا، وفى طريق عودتنا استفسرنا منهم عن اماكن اخرى لبيع هذه المخدرات، فاصطحبنا المرافق الى عدة شوارع فرعية بمنطقة الوراق لنجد نفس المشهد بل اشد قسوة، ووجدنا سوقا لبيع هذه المخدرات المميته. 

وبعد انتهاء جولتنا بالجيزة ورصد العديد من أماكن بيع هذه المخدرات الشيطانية، كان لابد من التعرف على تأثير المخدرات الحديثة على مجتمعنا وشبابنا.

فتوجهنا الى منزل صاحب السيارة لتبدأ مرحلة التجهيز بين الشباب الثلاثة اعمارهم تتراوح من بداية العشرينيات واواخرها، افرغ احدهم محتوى الكيس فى طبق صغير واضاف عليه كمية كبيرة من تبغ السيجارة العادية واخد فى عملية "اللف" حتى انتهى من "لف" 4 سجائر صغيرة جدا وبدأوا فى مرحلة التعاطى، اشعل احدهم سيجارة رفيعة جدا لتنتشر رائحتها النفاذه بمجرد اشعالها وتناوب عليها الشباب الثلاثة وما ان فرغوا من تعاطى اول سيجارة حتى ذهب كل منهم فى وادى.

وبدأ تأثيرها فى الظهور الفورى عليهم، فالأول استلقى على ظهره فى حالة خمول شديدة واخذ يردد الشهادة، انتابنا الرعب عقب مشاهدتنا لهذا الموقف وظننا انه يحتضر، ولكن سرعان ما زال هذا الرعب عندما اخبرنا الثانى قائلا "ان دماغه خفيفه وبيعمل كده على طول"، بعدها.

وفور أن توقف الثانى عن الكلام دخل فى نوبة صمت طويله وضم ركبتيه الى صدره وواضعا رأسه على ركبتيه ويتنفس بصعوبة بالغة دون ان ينطق بكلمة واحده، بينما ظل الثالث يتمتم بكلمات غير مفهومة قبل ان ترتطتم رأسه بالحائط ويدخل فى غيبوبة تامة، وظننا وسط هذا الموقف اننا نجلس وسط اناس بين الحياة والموت

نصف ساعة تقريبا استغرقها الشباب الثلاثة حتى استفاقوا من تأثير اول سيجارة لمخدر "البودر" وكأن شيئا لم يكن، استفسرنا منهم عن شعورهم بعد تناول المخدر قال الأول :" شعرت وكأن روحى بتنسحب منى وهبوط حاد لم اقدر على تحمله لهذا كنت انطق بالشهاده وهذا هو شعورى فى كل مره اتعاطاه".

وعن شعور الثانى قال "جسمى كله نمل ولم اشعر به وشعرت ان الدنيا بتلف من حولى ولم استطع السيطرة على جسدى وكأن الدم الذى يسرى فى عروقى بينسحب قطره قطره" ولم يختلف شعور الثالث عن اقرانه من المدمنين.

القليوبية مرتع للمخدرات 

رغم الجهود الضخمة التى بذلتها الداخلية فى محافظة القليوبية وأمن القليوبية لتطهيره من اوكار المخدرات، وتكللت هذه الجهود بالقضاء على بعض المناطق التى اشتهرت ببيع المخدرات والسلاح وكان من اهمها منطقة الجعافرة وابو الغيط وكوم السمن والقشيش؛ الا ان المحافظة مازالت تعج بتجار الكيف والبيع علنا بالشوارع.

ففى جولة ميدانية بالقليوبية رصدنا وشاهدنا سوقا كبيرا لبيع المخدرات الحديثة والمصنعة كميائيا، وانتشرت مثل هذه الانواع المدمرة بعد ارتفاع أسعار الحشيش بشكل كبير. ورغم تعدد بلاغات الأهالى الا ان عملية البيع والشراء تسير على قدم وساق دون رادع لهؤلاء التجار. 

دليفرى بالقاهرة

لكونها العاصمة تسير عملية بيع المخدرات بها فى سرية تامة وعلنا فى الشوارع الفرعية البعيده عن اعين الشرطة، ولكن عملية جلب مثل هذه المخدرات أسهل مما يمكن، حيث تجد تجارة المخدرات بالاحياء مثل عين شمس والمطرية والمرج وعابدين وقصر النيل والطاهر والوايلى والزاوية الحمراء وشبرا والشرابية بالاضافةالى التجمعات.

والجمالية وتتركز أكثر عند الوايلية بالعباسية، فكل ما يمكنك فعله للحصول عليها اذا لم تكن من سكان المناطق الحضرية الراقية ولم تتعرف على "دهاليزها" ان تحصل على رقم تاجر وسيجلب لك المخدرات الذى تدمنه الى مكانك دليفرى.. وبينه تجد بعض المناطق الاخرى بمحافظة القاهرة تعمل بالدليفرى فقط وعن طريق التواصل مع التاجر عن طريق الهاتف فقط، فلا تجد من يقف فى الشوارع لبيع او تناول المخدرات عكس ما يحدث بمحافظتى الجيزة والقليوبية. لكن فى الأحياء الشعبية مثل عين شمس والمرج والوايلى ومدينة السلام والنهضة والعباسية والحدائق فكل أنواع المخدرات موجودة ومتوفرة فى اى وقت من الليل والنهار وبكل بجاحة يقف الناضورجية والمدمنون معاً. 

تسبب العمى والشلل

 أكد اللواء محمد بركات مساعد وزير الداخلية الأسبق لقطاع الهجرة غير الشرعية ومكافحة المخدرات ان المخدرات المستحدثة تعد مخططا يستهدف اضعاف الشعوب فهى تدخل فيما يسمى بالقوى الناعمة "سوفت باور" للتأثير على الدول بدون حروب باغراقها فى مشكلات داخلية وتسميم أفكار الشباب وتشتيته عن الاهتمام بقضايا وطنه الأساسية. 

وقال أنها تعمل على تدمير خلايا مخ الإنسان فالمواد العضوية التى تضاف إليها تحولها من مجرد مخدر بسيط إلى مادة قاتلة تفتك بصحة متعاطيها وفور تناولها تؤدى إلى الوفاة العاجلة أما أقل أضرارها الخطيرة فهى الإصابة بالعمى أو الشلل فيدفع المتعاطى فاتورة وقوعه فى ادمانها فى الحال.

وأوضح أن أنواع تلك المخدرات أبرزها الشادو والشابو والفودو الذى يدخل احيانا فى صناعة مخدر الاستروكس وهى مواد تخليقية فى الأساس يضاف إليها مواد عضوية وهى الطريقة التى تتبعها مصانع بير السلم لتلك المخدرات المستحدثة من أجل تغيير التركيبة الداخلية لها فتصبح أشد خطرا على صحة الإنسان.

تجفيف المنابع

ويرى اللواء فاروق المقرحى مساعد وزير الداخلية الأسبق أن المواد المخدرة بكافة أنواعها لها أضرار سلبية فى غاية الخطورة على ٣ أشياء هم الشخص المتعاطى، والمجتمع وأفراده واخيرا الاقتصاد الوطنى وأوضح قائلا أنها تتسبب فى إهدار كمية كبيرة من العملة الصعبة التى تذهب للخارج فى إطار صفقات المخدرات حتى يتم جلبها إلى أرض الوطن كما أن المخدرات تقلل من قدرة الفرد على العمل وتسلبه عقله وتفقده القدرة على التركيز والإنتاج وبالنسبة للمجتمع فهو يعانى من الأفراد المتعاطين فيتسببوا فى جرائم ليس لها حصر تفقد المجتمع الأمن والأمان.

وقال المقرحى أن اضرار المخدرات تقع على عاتق مدمنيها أولاً فهى تضر بمخ الإنسان وتفقده القدرة على التركيز فى العمل وعندما يصل إلى مرحلة الإدمان تؤدى إلى الوفاة حيث تتلف أعصابه وتفقده السيطرة على أفعاله وهو ما يفسر لنا أسباب كثرة المشاجرات التى يشهدها الشارع 

تدمير الجهاز العصبى

من جانبه أكد اللواء محمد نور الخبير الأمنى ان المخدرات الحديثة مدمرة للجهاز العصبى للإنسان وخير دليل على ذلك الفيديوهات المنتشرة على السوشيال ميديا لأشخاص تعاطوا الاستروكس يعتصرهم الألم على الأرض..

وأوضح أن عصابات تهريب المخدرات تستهدف الإيقاع بالشباب المصرى وتدمير العقول وتسميم الأفكار ليتحول إلى إنسان سلبى ضعيف لاقوة له فتلك المواد تفتك بالجهاز العصبى وتجعل متعاطيها فاقدا للوعى فيحارب أهله وتحدث جرائم القتل التى يشهدها المجتمع فى الفترة الأخيرة .. مشيرا أن وزارة الداخلية فى حرب حقيقية للحفاظ على صحة ذلك الشباب حتى لا يقع ما يشبه بالانفجار الداخلى بينهم فهم العتاد لأى دولة وبهم تحدث خطط التنمية المستهدفة.

حكاية المخدرات المصنعة

وعن كيفية تصنيع مثل هذه المخدرات، وآثارها على صحة المتعاطين.. أكد محمد إبراهيم أستاذ الطب الشرعى ان معظم المخدرات المصنعه كيميائيا والتى انتشرت حديثا تأثيرها يفوق مئات المرات تأثير المخدرات العادية المتعارف عليها.. وأشار ان هذه المخدرات مثل "الأستروكس والبودر والفودو" تحتوى على مواد كميائية فتاكة تتفاوت نسبتها من مخدر لأخر وهى مواد تسمى "الأتروبين، والهيوسين، والهيوسيامين" وهذه المواد تستخدم لتحضير سم الفئران والبيروسول وغيرها من المواد القاتلة،وهى مواد شديدة الخطورة على صحة الأنسان، وتصيب متعاطيها بإحتقان شديد فى البلعوم وإحمرار بالوجه وحشرجه فى الصوت واتساع فى حدقة العين، وعندما ينتهى تأثيرها على المتعاطى تنتابه وتتزايد الهلاوس السمعية والبصرية التى يشعر بها من آن لآخر.