يوميات الأخبار

وحيد حامد: باق فى مصر بإبداعاته

يوسف القعيد
يوسف القعيد

لا إيران ولا تركيا يمكن أن تلعبا دور قائد المنطقة كما كانت مصر تلعبه وتؤديه

رغم أن الموت يشكل نهاية كل إنسان فى الحياة مهما طال مشواره. إلا أن رحيل وحيد حامد كان موجعاً لى ولكثير من عشاقه ومحبيه. الذين كانوا لا يتصورون الاستمرار فى الحياة دون مشاهدة ما يقدمه من أفلام ومسلسلات وعروض مسرحية.

عاصرت كثيراً من المبدعين. لدرجة أن القلب لم يعد فيه مكان للحزن. إلا أن لوعة المصريين على رحيل وحيد حامد فاقت لوعاتنا على فقد من عاصرتهم. وحزن الناس ولوعتهم − حتى الذين لم يعرفوه − ليست آتية من فراغ.

كان وحيد غزير الإنتاج. لم يعرف له عملاً سوى الكتابة. وعندما كان يجلس فى المكان الذى تعوَّد على الجلوس فيه فى أحد الفنادق الكبرى المطلة على النيل. إن شاء لك حظك أن تراه لا بد أن تكون معه أقلامه وأوراقه وكأنهما جواز سفره الداخلى. وإن خلى المكان من الذين يريدون السلام عليه والتقاط الصور معه. لا بد أن يلجأ للعمل الإبداعى الذى خلقه الله لكى يقوم به.

ترك لنا وحيد حامد الكثير من الأعمال الفنية. أكثر من 50 فيلماً سينمائياً. كتب لها القصة والسيناريو والحوار. و20 مسلسلاً تليفزيونياً. و15 عملاً إذاعياً. و5 مسرحيات. ونص روائى واحد كتبه فى بداية حياته. ولكنه لم ينشره.

كان العمل الأول الذى حدثنا عنه وحيد حامد فى بداياتنا الأولى فى ستينيات القرن الماضى مجموعته القصصية الأولى: القمر يقتل عاشقه. ولا أعتقد أنه طبعها. ولا أعرف مصيرها الآن. ولكنه خلال عمليات اكتشاف الذات وقدراتها وإمكاناتها قد يحدث تحول من شكل أدبى لإطار فنى آخر.

لا بد أن نقول الآن وهو يسكن دار الحق أن محصول الغزارة فى الكتابة تقف وراءها موهبة كبيرة. عبَّر عن نفسه من خلالها من عمل لآخر. ومهما تنوعت الأشكال الفنية أو اختلفت الأطر الأدبية ظل الكاتب هو هو. المرتبط بوطنه والواعى بهمومه وأوجاعه الذى حاول التعبير عما رآه. ويستحق التوقف أمامه من عمل لآخر. قد يختلف الشكل الفنى. ولكن الهم العام الذى حركه للكتابة كان واحداً.

ذُكِر اسمه على أنه سيناريست. مع أنه كان أكبر من الاسم. وربما كان من أفضل من كتبوا الفيلم السينمائى والمسلسل التليفزيونى. وأنا أعتقد أنه مثقف كبير حاول توظيف موهبته فى مطاردة القبح بكل ما يمكن أن يهدد حياة الناس سواء من خلال فيلم سينمائى أو مسلسل إذاعى أو تليفزيونى أو عمل مسرحى أو نص روائى.

لقد رحل وحيد حامد فى عز عطائه. ولكنه ترك لنا أمانة فى أعناقنا جميعاً. ألا وهو مسلسل: الجماعة. كتب جزأين منه، ونُفِّذا فى حياته. وحققا أعلى نسبة مشاهدة. هناك جزء ثالث لسنا متأكدين إن كان كتبه أم لا. أسرته فقط هى التى تعرف.

السيدة زينب سويدان، رفيقة عمره ودربه والمسئولة السابقة عن التليفزيون المصري. وابنه المخرج مروان حامد، صاحب الأفلام التى تُعد علامات فى تاريخ الإخراج السينمائى المصرى. هما فقط يعرفان إذا كان قد شرع فى كتابة الجزء الثالث. وإن كان قد أكمله أو لم يكمله. بسبب إحباطات الإنتاج السينمائى والدرامى التى نعرفها جميعاً. إلا أن استكمال هذا العمل مطلوب الآن. أولاً كتتويج للجهد الذى قام به وحيد حامد فى حياته. وثانياً لأن خطر الأمس ما زال هو خطر اليوم. وأخشى أن يكون خطر المستقبل. وأتمنى أن يكون الأمر خشية فقط وليس أكثر من هذا.

يقولون أن من يكتب لم يمت. ووحيد لن يموت أبداً. لقد ترك لنا هذا الإرث العظيم الذى ربما كان يحتاج إلى كتيبة من المؤلفين لكى يتموا إنجازه بهذه الصورة التى تقترب من الكمال الإنسانى. مع أن الكمال لله وحده.

صوت من السماء

الملف الذى نشرته مجلة المصور عن الشيخ عبد الباسط عبد الصمد، استمتعت جداً بقراءته. رغم أننى عاصرته وأجريت معه حواراً صحفياً هو والشيخ مصطفى إسماعيل، والشيخ محمود خليل الحصرى. لكن كان هناك جديد فى الملف. أسعدنى بلا حدود. رغم أن القراءة التى تسعد الإنسان أصبحت نادرة.

يقول عبد الباسط عبد الصمد، لزميلتنا سكينة السادات سنة 1956:

− إننى رجل صعيدى. وقد زوجنى والدى وأنا فى الحادية والعشرين من ابنة عمى. وعندى منها خمسة أولاد. ثلاث بنات وتوءم من الذكور. أحدهما سميته جمال عبد الناصر تيمُناً بالرئيس. والثانى محمد تيمُناً بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم.

أذكر أن أكبر أجر تقاضيته كان 300 جنيه مقابل قراءة فى إحدى ليالى رمضان بالقطر الشقيق لبنان. نجله طارق عبد الباسط عبد الصمد، قارئ القرآن الكريم قال لصلاح البيلى أن الأسرة أهدت الإذاعة المصرية المصحف المرتل. وأن والده ولد فى بيت قرآنى. ينتمى لعائلة قرآنية من ناحية أبيه وجده. فكان من حفظة القرآن الكريم. أما جده لأمه فهو الولى الصالح أبو داوود، ومقامه فى أرمنت.

كان الشيخ عبد الباسط بجانب حلاوة صوته، جميل الوجه، ونقى السريرة، وجميل الثياب، متواضعاً، وسيماً، ومن شدة وسامته أطلق البعض عليه الشيخ براندو، وطلبت منه هند رستم مشاركتها التمثيل فرفض.

يكتب الدكتور رمضان الحضرى تحت عنوان كروان التلاوة:

− فى اليوم السادس والعشرين من شهر يناير سنة 1963، اجتمع عدد كبير غير مسبوق من أهل القدس، ومن حولها من البلاد الطاهرة فى فلسطين. فهذا أول يوم من شهر رمضان المعظم. وامتلأ المسجد الأقصى بصحنه وملحقاته. وأكثر من 50 ألفاً خارجه. وعندما فرغ الناس من صلاة العصر أعلنت ميكروفونات المسجد الأقصى − الذى بارك الله حوله − عن حضور القارئ الشيخ عبد الباسط محمد عبد الصمد من مصر. لإحياء شهر رمضان فى المسجد الأقصى. ليقرأ فيه بصوته الندى: المسجد الأقصى الذى باركنا حوله. وتنهمر الدموع ويعلو الصراخ وتظهر لوعة القلوب فينفجر اللسان بالتكبير والتسبيح. ليفيض نحو السماء.

يكتب عنه:

− عندما كانت تصله دعوة من بلاد المسجد الأقصى كان يُغْرِقْ الدمع عيونه والخدود. وكان يرد على جميع الدول التى دعته. ولكن على فلسطين يوافق على الفور أن يذهب للمسجد الأقصى. كما ذهب من عقد تقريباً إلى المسجد الحرام 1952. وقرأ فيه القرآن. وذهب إلى المسجد النبوى ورتل فى روضة المصطفى وما يدريك ما روضة المصطفى.

وهكذا تتجلى مسئولية الإنسان تجاه وطنه ومعتقده وأهله وجيرانه ومجتمعه وفكره وثقافته. فيترك الشيخ المال الذى ينهال عليه لأجل أن يقرأ فى المجلس الأقصى مقابل سحوره وإفطاره. ويترك وجاهة الدول الكبرى ليذهب لدولة محتلة ليعلن فيها أن حرية الدين من حرية الأوطان.

شكراً لأحمد أيوب رئيس تحرير المصور على هذا الملف الذى أنعش الروح وأدفأ القلب وهز الوجدان.

مذكرات عمرو موسى

هذا هو الجزء الثانى من مذكرات عمرو موسى، وزير خارجية مصر. وأمين جامعة الدول العربية الأسبق. يهديها المؤلف إلى المواطن العربى والمواطنة العربية أبناء وبنات الأمس واليوم والغد، أهدى هذا الكتاب. وكان الجزء الأول من هذا الكتاب الذى صدر سنة 2017 ما زلنا نقرأ عن أصدائه حتى الآن. وهذا هو الجزء الثانى.

أما الثالث فبمجرد أن ينتهى منه المؤلف سنقرأه. وكما هو مدون فى الجزء الثانى، فإن الجزء الثالث من المذكرات الذى لم يصدر بعد سيتناول ثورة 25 يناير 2011 فى مصر وما بعدها. ومن المؤكد أن الجزأين الأول والثانى تركا بداخل كل من قرأهما رغبة غير عادية فى أن يقرأ التالى. وربما كانت المرة الأولى التى نقرأ فى كتب المذكرات هذه اسم من قام بالتحرير والتوثيق. الكاتب الصحفى خالد أبو بكر.

وعنوان الكتاب مأخوذ من الآية: فأما من أوتى كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرأوا كتابىَّ (الحاقة 19). يقول ناشر الكتاب إبراهيم المعلم: والحقيقة أن الأمين العام كان على مستوى ما توقعه من عموم القراء. فجاء الجزء الثانى من كتابىَّ ليعزز استثنائية عمرو موسى فى كتابة سيرته الذاتية التى لم تعتمد على الذاكرة البشرية فقط. لكنه توسع فيما بدأه فى الجزء الأول عبر فتح الوثائق الرسمية السرية منها والعلنية.

عمرو موسى فى مقدمته للطبعة يعترف أنه انتهى من كتابتها فى مارس 2020، وأنه كان منتبهاً لما أصاب الجامعة العربية ومختلف منظمات العمل العربى المشترك منذ انطلاق الربيع العربى من ضربات مباشرة وغير مباشرة. مما أرهقها وعوقها. وللأسف فإن بعض هذه الضربات الموجعة إنما جاء من جهات عربية قبل أن تأتى من جهات أجنبية وصفت بالعداء للعرب.

أعجبنى فى الكتاب الحرص على أنه لا إيران ولا تركيا يمكن أن تلعبا دور قائد المنطقة كما كانت مصر تلعبه وتؤديه. أيضاً فإنه يكتب عن الدول العربية المقبلة على − المضطرة − التطبيع والاعتراف بإسرائيل. وأنا كنت أتمنى أن يكتب العدو الإسرائيلى. فهو أحد مؤسسى العمل العربى فى مصر فى القرن العشرين.

مشاهير الظل

كتاب عادل السنهورى نجوم الدرجة الثالثة فى سينما الأبيض والأسود جميل ويأخذك من زمانك ليعود بك إلى أيام ولَّت ولن تعود. وهو كتاب منصف لأنه لا يتحدث عن الأبطال. يكفيهم أن أسماءهم تصدرت الجميع على أفيشات الأفلام. إنه يكتب عن النجوم المجهولين. الذين لولاهم ما كان للسينما وجود فى حياتنا. مع العلم أنهم روح ووجدان العمل الفنى.

إن الكتاب يرصد عددا كبيرا جداً من أفلام الأبيض والأسود فى الأربعينيات والخمسينيات والستينيات. وفى عدد قليل من أفلام الألوان. ويتوقف أمام هذه الوجوه التى لولاها ما كان للفيلم طعم. المشكلة أنهم كانوا يسعدوننا. ومع هذا لا نعرفهم. لأنهم مشاهير الظل وممثلو الصف الثالث، ملح الأفلام ومذاقها الخاص المميز.

لو قرأت الكتاب الذى يقع فى أكثر من 250 صفحة، ويتناول 102 من نجوم الظل أولهم عبد المنعم إسماعيل، وآخرهم الخواجة بيجو. الكتاب كتب له مقدمة ناصر عراق عنوانها: ملح السينما.

- تكلم حتى أراك.
طه حسين عندما كان يصافح إنساناً لا يعرفه لأول مرة.