من باب العتب

تسقط حرية «التهريج»..!

محمود عطية
محمود عطية

لم أجد مبررا واحدا ولم استوعب ما قامت به ألمانيا وفرنسا.. فقد انتقدتا شبكتى فيسبوك وتويتر لإغلاقهما حسابات الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب، بعد يومين من اقتحام أنصاره مبنى الكونجرس الأيام الفائتة بدعوى انتهاك حرية التعبير..وكأن ما قام به ترامب من دعوة أنصاره لاقتحام مبنى الكابيتول لإزاحة الدولة العميقة −كما يتوهم ويصدقه أنصاره− هو عين حرية التعبير وليس حرية التهريج بالدعوة للعنف والتعصب ورفض نتيجة الانتخابات الديمقراطية التى طردته من البيت الأبيض!

وكأن ألمانيا لم تذق ويلات حرية التهريح على يد الهر هتلر.. ونسيت كيف خرج الشعب الالماني فى لحظة وراء هتلر مفتونا بما يرغى ويزبد به فى خطاباته ويلوح بيده بعصبية ويصفق وكأنه فى أحد أفلام شابلن العظيم.. ويهتف ويتوعد معظم بلدان أوربا بالويل والثبور مما تسبب فى مقتل الملايين من الشعوب الأوربية.. ولم تجد ألمانيا ولا العالم من يوقف هذا الهتلر عن تهريجه ونظرياته الخرافية التى ينشر فيها العنصرية التى تصيب العقول بالغيبوبة.

وهل نسيت فرنسا الأحداث المأساوية بسبب التعبيرات المهينة والرسومات غير المسئولة لإراقة الدماء تحت زعم حرية التعبير.. ولا أفهم كيف يمكن لحرية التعبير انتهاك ما يراه الآخرون قدسيا.. وما حدث فى فرنسا وتسبب فى مقتل البعض لم يكن نتيجة حرية التعبير لكنه جاء نتيجة حرية التهريج حين تعبث فى معتقدات الآخرين أيا كانت تلك المعتقدات.. أليس من أهم بنود حقوق الإنسان احترام عقائد الآخرين؟!

ورغم كل ذلك لم اندهش من مسايرة البعض لما بدر فى ألمانيا وفرنسا من تساؤل كيف يجرؤ تويتر وفيسبوك على خنق حرية تعبير الرئيس ترامب.. وكأن قرار المنع جاء فجأة وعلى غير توقع..وكأن المنع لم يتخذ بعدما شحن ترامب انصاره واتباعه ودفعهم لاقتحام الكونجرس لتعطيل التصديق على فوز الديمقراطى بادين والمناداة باستمرار ترامب رئيسا لأمريكا..وبعد تكراره أن الانتخابات الأمريكية مزورة دون تقديم أى دليل للمحاكم الأمريكية... وربما كان وصف الرئيس الأسبق جورج بوش الابن هو الأدق لما حدث من اقتحام الكونجرس حين قال: لقد أصبحنا إحدى جمهوريات الموز..!!

وبالفعل لبى انصار ترامب نداءه وزحفوا نحو الكابيتول بالأسلحة والملابس الغرائبية فى مشهد لم يحدث فى تاريخ أمريكا.. وتم الهجوم واقتحام المكاتب والبحث عن بعض أعضاء الحزب الديمقراطى لقتلهم وكادوا يحرقون البلاد..وتسببت نداءات ترامب المتكررة فى تقسيم البلاد..أكان يجب بعد كل ذلك ألا تغلق مواقع التواصل فى وجه النداءات الغوغائية الترامبية.. أى حرية تعبير هذه!

ثم ألم يعلم هؤلاء المتباكون على حرية التعبير التى حجبتها مواقع التواصل الاجتماعى فى وجه ترامب بأن بنودها الأساسية التى وافق عليها كل من يتعامل معها أن لها الحق فى منع النعرات العنصرية ودعوات العنف والتنمر..كما انها ليست جهات حكومية وتقدم خدماتها تحت شروط وضعتها وارتضاها كل من تعامل معها.

فكيف بعد كل ذلك يدعى البعض ان حرية التعبير تم انتهاكها..خطابات ترامب الشعبوية تجد عند البعض استجابات ووضعت الديمقراطية الأمريكية فى مأزق تاريخى..ووصل مؤيدو ترامب 75مليون أمريكى..لكن لا اعتقد بعد ما حدث من اقتحام للكابيتول وقتل البعض وإفلات آخرين من القتل.. أن مؤيدى ترامب سوف يؤيدون حجب حرية التهريج.