كتب فى «العلب».. ظاهرة غريبة على عالم النشر

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

لم يألف عالم الكتب مثل هذه الظاهرة الجديدة عليه، ولم تعرف دنيا النشر مثيلا لها، فعلى غرار الأفلام حبيسة العلب التى تنتظر دار عرض سينمائية، ليحظى الفيلم بالمشاهدة، عرفت صناعة النشر بسبب تفشى وباء "كورونا"، ظاهرة الكتب المؤجلة، القابعة فى أدراج الناشرين، كمشروعات معطلة تنتظر تعافى الأسواق حتى ترى النور، وعلى الرغم من أن مؤلفيها قد وقعوا عقود إصدارها مع الناشرين إلا أن الأجواء غير المواتية والأسواق غير المشجعة، حالت دون إتمام الأمر، وتعطلت مشروعات الكتب حتى تحدث انفراجة فى الأجواء، وتتعافى الأسواق مجددا من الآثار الناجمة عن الوباء، فكيف يرى المفكرون والخبراء والنقاد هذه الظاهرة الغريبة على عالم النشر، وما سبل الحد منها وفق آرائهم، السطور التالية تشرح لنا ذلك.

فى البداية يقول سعيد عبده رئيس اتحاد الناشرين المصريين: الكتب المؤجلة هى جزء من المشكلات التى صنعها وباء كورونا، حيث توقفت المعارض الدولية للكتاب، وجعل التسويق وعمليات البيع شبه متوقفة، والناشر لا يحصد ثمار ما طبعه، فكيف سيسدد التزاماته من شراء الورق ودفع باقى مطالب المطبعة، ودفع مستحقات المؤلف، وصار الناشر ينفذ برنامجه فى النشر ببطء الشديد حتى تنتهى المشكلة وتعود الأمور إلى طبيعتها.

أما د. شريف شاهين استاذ المكتبات والمعلومات وعميد آداب القاهرة فيقول: هذه الظاهرة ليست وليدة الجائحة فحسب فقد تتجلى لأسباب كثيرة منها على سبيل المثال لا الحصر النقص فى المواد الخام وتجهيزات المطابع من أحبار وأوراق وغيرها، عدم توافر ميزانيات تكفى للنشر، وهنا تبرز مجموعة من النماذج الاقتصادية المختلفة لنشر الكتب التى لا تعتمد مطلقا على الناشر فقط، وإنما يتشارك فيها كل من المؤلف والقارئ أيضا، ولكن ماذا عن الكتب المتوقفة او المعطلة والمؤجل نشرها لدى دور النشر الحكومية والخاصة فى هذا التوقيت وهذه الفترة على وجه الخصوص، الأمر برمته يعود إلى فكر وجاهزية وتخطيط ورؤية الناشر، ومن وجهة نظرى ان الناشر الذكى يستغل هذا التوقف لمعظم مناشط الحياة ليتحرك بقوة عبر الوسائل التقنية للاتصال والتواصل "الألكتروني" ويستثمرها لصالح بناء جسور للتسويق والبيع وإيصال الكتب إلى المنازل او لأى مكان يرغب فيه القارئ، بمعنى ان "صناعة النشر" لم تعد مقصورة على الأوراق والطباعة، بل انتقلت إلى قنوات ومسارات أكثر مرونة لا تعرف القيود والعقبات وهى النشر "الإلكتروني"، لكن خبرات معظم دور النشر فى الوطن العربى محدودة جدا فى هذا المجال، ما العمل؟ استثمار منصات التسويق "الإلكتروني" وايصال الخدمات والمنتجات المادية الملموسة للمستفيدين أو المستخدمين أو العملاء إينما ووقتما يشاؤون...

وهنا تتحرك المطابع ويتم إنتاج الكتب المطبوعة ويتم تسويقها "إلكترونيا"، فما الذى يمنع من التحرك قدما فى هذا الاتجاه؟ وللأسف ثقافة القائمين على التوزيع والتسويق لا تزال حبيسة الأسواق والمعارض المادية والتعامل المباشر، وهى ممارسات تقليدية لم تواكب هذا العصر بمقوماته ومتغيراته وتطوراته التقنية، نحتاج إلى إعادة النظر فى ثقافة العاملين والقائمين على صناعة النشر من أجل تدريبهم وتنمية مهاراتهم على منجزات العصر من أجل فتح أسواق عالمية لا تعرف للجائحة وغيرها قيودا أو إحباطات أو كتبا مؤجلة.

تسليم الكتب عن بعد

فى حين يقول الأديب د.زين عبد الهادى أستاذ علم المكتبات: تعانى تقريبا كل دور النشر فى العالم من مشكلات متعلقة بالطبع والتوزيع خاصة، وأنها سلعة جماهيرية، هذه المعاناة ربما تخف لدى الموزعين الذين يمكنهم التسويق والبيع عبر "الانترنت"، وربما كان ذلك أيضا سببا فى اتجاه كثير من دور النشر الأجنبية إلى التحول بشكل "إلكتروني" بالكامل، بحيث تحول البيع إلى الكتب التى فى شكل إلكترونى أو رقمي، المشكلة فى الدول التى ليس هناك طلب عال فيها على الكتب الرقمية، التى توقفت مطابعها عن العمل، ولم تقدم أى تعوضات إلى هؤلاء عن تلك الفترة الصعبة التى يحاول العالم كله تجاوزها، الأمر الذى حدا بكثير من دور النشر إلى إلغاء عقود النشر أو على أقل تقدير تأجيلها لفترة أطول، وهو ماسبب حالة من الكساد فى سوق النشر نظرا لقلة المعروض من العناوين الجديدة، وربما الأمر أسوأ فى صناعة الإعلام والاتصال ككل كما نرى فى صناعة السينما والمسرح، ولابد من آليات جديدة للتعامل مع الأمر، فإما التوجه لتسليم الكتب عن بعد، أو التحول بشكل رقمى بالكامل إلى أن ينتهى الوباء أو إلى حين إمكانية التعامل معه، مع دعم الدولة لهذه الصناعة وهو ماحدث فى أغلب الدول الأوروبية.

ويقول الناشر شريف بكر: المشكلة أنه لا توجد سيولة مالية حتى تطبع تلك الكتب المؤجلة، حيث أن المعارض الدولية متوقفة، وهى تعتبر عنصرا رئيسيا فى أرباح دور النشر، وهناك خوف كبير أن يغامر الناشر بإصدار كتاب جديد فى ذلك الوقت، فلا يشعر أحد بصدوره، وللأسف آليات ترويج الكتاب غير موجودة بسبب أزمة "كورونا" كحفلات التوقيع مثلا، وربما يكون بيع الكتب عبر التوصيل إلى المنازل فكرة ناجحة، والمؤلفون الأكثر مبيعا هم مفاتيح النجاح لأى دور نشر حاليا، أو انتظار العودة إلى الحياة الطبيعية

عقد مشروط!

وتعرض الأديبة والناقدة د.غراء مهنا تجربتها فى هذا الصدد قائلة : انتهيت منذ أيام من كتاب يضم دراسات نقدية عن الشعر، ونصحنى أكثر من ناشر بالتأجيل وقد تطول الفترة، وفى نفس الوقت طلبت منى دار نشر مغربية التعاون معها، ولكن على أن تكون كتبى الأربعة القادمة من نشرها ويشترط ذلك فى العقد، وترددت كثيرا ولكن الظروف الحالية جعلتنى أوافق.

وفى الختام يقول الناشر محمد البعلى: الحل أن تعود الحياة إلى طبيعتها حيث حاولنا بأكثر من طريقة أن نواجه الأزمة عبر فكرة شراء الكتب من المواقع الألكترونية "الانترنت"، أو استخدام بيع الكتب الرقمية، أو إصدار الطبعات المحدودة، وكل هذه المحاولات عجزت عن أن تحقق دخلا ماليا جيدا للناشر حتى يسدد التزاماته، وأعحبت بفكرة قد نفذتها إحدى وزارات الثقافة فى أوربا لتواجه الأزمة وباء كورونا حتى لا ينهار سوق النشر، حيث قررت أن توزع بطاقات على المواطنين يستطيعون عبرها شراء كتب بمبلغ 200 يورو شهريا.