رغم الصعاب| «مفيش مستحيل» بنات مصر..«قد المسؤولية»

صحفية تعمل بالرخام
صحفية تعمل بالرخام

طالبة تستكمل تعليمها من بيع المناديل.. ومهندسة على عربة فول.. وصحفية تنحت الرخام  

منة: لازم اشتغل علشان أصرف على دروسى الخصوصية

أية: نفسى ابقى أستاذة جامعية

منار: الصحافة لم تمنعنى عن تحقيق حلم والدى فى صناعة الرخام


كتب|هاجر زين العابدين

لم تستسلم كثير من البنات في سن الشباب للظروف الاقتصادية الصعبة، والظروف الاجتماعية كوفاة الوالد أو مرض الأم لتجد الفتاة نفسها مسئولة عن أسرة وتبدأ رحلة شاقة مع الحياة وهناك من تتحدى نفسها وتتفوق متمسكة بكلمات الراحل صلاح جاهين فى شعره» البنت زي الولد مهياش كمالة عدد» «الأخبار المسائي» ترصد قصص لنماذج تحدت ظروفها الاقتصادية الصعبة لتجعل منها ملحمة كفاح لتحقيق الأهداف غير عابئات بنظرة المجتمع لممارسة مهن اقتصرت على الرجال .

«تطبق أناملها الصغيرة ممسكة بقلمها لتدون ما تتذكره من معلومات الدرس الأخير، متخذة من الرصيف جانبا، لتجلس على قطعة من الورق المقوى، تساعدها على تحمل صلابة الأرض أسفلها، تضع أمامها صندوقاً من الكارتون حاملا كمامات طبية ومناديل لبيعها للمارة، تخفي ملامحها الصغيرة بارتدائها كاب وكمامة قطنية».

مشهد يعتاده المارة، البعض يظن أنها تجارة للتسول والبعض يتعامل مع المشهد بعين الشفقة، وما بين المشهدين اقتربنا من منة أحمد «اسم مستعار» لتنقل لنا حقيقة المشهد الذى نراه، تدرس «منة» بالصف الثالث من الثانوية العامة، ونظرا لتعثر حالة أسرتها المادية، اضطرت لبيع الكمامات الطبية والمناديل الورقية.

تأتي من حلوان لتفترش بضاعتها على أحد الأرصفة الواقعة بمنطقة وسط البلد، حتى لا يعلم أصدقاؤها وجيرانها بظروفها الصعبة.

«بشتغل عشان أصرف على تعليمي، بعد ما صاحب المصنع مشاني عشان أزمة كورونا»..  بهذه العبارات تتحدث لنا وسرعان ما انهمرت دموعها.

وتستكمل، منذ خمس سنوات توفى والدها الذي كان يعمل «نجار مسلح « فما كان من والدتها أن تتحمل المسؤولية لتعوضهم عن فقدان الأب الذي ترك لها أربعة أبناء، ولكن اعتلتها أزمة صحية لتكشف الفحوصات الطبية أنها مصابة بسرطان الثدي ما جعل الأم تلزم الفراش بعدما أنهكتها جرعات الكيماوي.

عملت هي وشقيقتها التي تسبقها بعامين في أحد المصانع للملابس الجاهزة، ولكن مع انتشار جائحة كورونا قرر صاحب العمل تقليل نسبة العمالة لتوفير النفقات الاقتصادية.

قالت: « كان لازم أشتغل أي حاجة عشان أصرف على دروس الثانوية العامة، خصوصا إنى مش عارفة أتعامل مع التابلت، ومعنديش نت في البيت».

تأتي يوميا عقب انتهاء دروسها من حلوان، قاصدة منطقة وسط البلد لبيع بضاعتها حاملة الكتب الدراسية التي تعينها على التحصيل .
 

من عربة الفول .. للهندسة الزراعية
ترتدي آية عرفة - البالغة 20 عاما - مريلة بيضاء ذات فتحتين «جيوب» أحدهما لحمل النقود الورقية والآخر للمعدنية، وبهمة ونشاط تلبي طلبات الزبائن، التي تزدحم أمام عربة الفول الخاصة بها بمنطقة العاشر من رمضان.                                                                       

تستيقظ «آية» في تمام الخامسة صباحا لإعداد عربة الفول، من طعمية وفول وبطاطس وبيض مسلوق وباذنجان مقلي، وسلطة خضراء، بمساعدة شقيقتها الصغرى ووالدتها.

«بجهز العربية وأقف أبيع للزباين، ولو عندث محاضرات فى الجامعة، بحضرها ولما تخلص برجع تانث أقف على العربية وأستلمها من والدتث»، تدرس «أية» بالفرقة الثانية من كلية الزراعة بجامعة عين شمس، فهي الابنة الكبرى لوالدها يليها ثلاثة أشقاء، ومنذ كان عمرها ثمانية سنوات كانت تعاون والدها في العمل، ولكن سرعان ما تبدل المشهد بحلول عام 2009، ليصبح والدها طريح الفراش وخضوعه لعملية جراحية بالقلب، وأوصاه الطبيب بعدم بذل أى مجهود.

أخذت الأم على عاتقها أن تقف مكان زوجها، ظناً منها أن ابنتها صغيرة على العمل ولكنها فوجئت بطفلتها التى تعلم الكثير من التجهيزات لـ«عربة الفول» فكانت تراقب والدها جيداً عند العمل معه وأصبحت هى من تدير عمل والدها ويلقبها الزبائن «بالباشمهندسة»، أبسط أحلامها هى أن تصبح أستاذة جامعية، وأن تحظى بمقابلة الرئيس عبدالفتاح السيسي   .

صحفية .. تنحت فى الرخام
رغم مشقة المهنة إلا أنها تعمل بجد وعزيمة  يكسو وجهها الرضا والأمل ، لا تبالى بعبارات السخرية من الجميع لممارسة مهنة أبيها لصناعة الرخام .

توضح منار شديد (29 عاماً ) «حاصلة على ليسانس آداب إعلام بجامعة عين شمس « تعمل بإحدى الصحف الخاصة أنها بدأت فى صناعة الرخام منذ ثلاث سنوات ، حين أصيب والدها بوعكة صحية أدت لوفاته ، ولم يمر عام حتى لحقت المنية بشقيقها ، فما كان منهم إلا أن يعتمدوا على أنفسهن لإدارة «ورشة الرخام « هى وشقيقتها ووالدتها .                                  
«بحكم إننا بنات كان والدى مبيرضاش يخلينا نشتغل معاه ، بس كتير كنا ممكن نبقى معاه وهو شغال، وكنا بناخد بالنا من كل حاجة بيعملها ، وقبل وفاته وصى إننا نحافظ على اسمه فى السوق « حيث يعد والدها أشهر صانع للرخام بمحافظة قليوب، يعمل بالمهنة منذ 40 عاماً .           

ونقوم بتقسيم مهام العمل بينهن ، لتذهب الأم لشراء خام الرخام من «شق الثعبان» وتتولى الشقيقتان مهام العمل عليه فأولاً تقوم «بجليه « وهى أول آلة يتم استخدامها لتلميع الرخام ، ثم يتم وضعه على « آلة القطع « يليه عملية التشطيب النهائى وهى استخدام آلة «الصاروخ.  

 رغم كونها تتحمل مشاق مهنة الصحافة من إعداد التقارير والتحقيقات الميدانية ، إلا إنها فور وصولها للمصنع ، تبدأ يومها الأخر المحمل بالعناء،  تسعى «منار « أن تحقق حلم أبيها بأن يظل اسمه خالداً فى المهنة ، بفتح أكبر سلسلة لمصانع الرخام ، تحمل اسم أبيها، وعلى مستوى مهنتها الإعلامية أن تصبح مذيعة مشهورة تقدم برنامج من نبض الشارع المصري.

تعددت رواياتهن إلا أنهن يجتمعن على هدف واحد وهو تحدي الصعاب، للوصول لأحلامهن المشروعة .