ورقة وقلم

جبل الجليد الغاطس.. فى المحيط المصرى

ياسر رزق
ياسر رزق

بعض خبايا  الإنجازات على أرض مصر، 4 خطوط للقطار فائق السرعة من أقصى مصر لأقصاها، و4 ملايين فدان يجرى استصلاحها

ما يحدث على أرض مصر، كجبل الجليد العائم، قمته فقط هى ما يراه الناس، أما بدن الجبل الغائص فى قلب المحيط، فلا يظهر للعيان..!
أكثر من ذلك أن بعض المسئولين لا يعرفون بحق -فى غير اختصاصهم حقيقة ما يجرى، لأن ايقاع الحركة اسرع من القدرة على الرصد والحصر..!
أمر آخر يخفى على البعض، ويسىء البعض الآخر النظر إليه بإنصاف، هو أن قرار إنشاء مشروع أو الولوج فى تنفيذ صرح، أو إنفاق مليم من المال العام على مشروعات قومية أو كبرى أو صغرى، لا يتم اعتباطاً ولا عفو الخاطر، ولا بأسلوب التجربة والخطأ الذى هو أس البلاء الذى عشناه على مدار عقود فى غيبة التخطيط السليم والإدارة الرشيدة والمتابعة التى لا تعرف الكلل.
معظم الإنجازات التى تحققت ويجرى تنفيذها على أرض مصر، كانت بين دفتى مجلد من 3 أجزاء، أعده الرئيس عبدالفتاح السيسى حينما كان مرشحاً للرئاسة، ووضع فيه أحلامه ورؤاه وتطلعاته لبلده وبنى وطنه التى تراكمت على مدار عقود طويلة، واستعان فى دراستها وتصنيفها وترتيب أولوياتها وتحديد جداولها الزمنية وسبل تمويلها، بنخبة من أهم وأكفأ أصحاب المعرفة والخبرة فى شتى التخصصات.
ثمة إنجازات أخرى كبرى، أضيفت إلى مجلد "الحلم المصرى"، أو مشروع السيسى لبناء الدولة المصرية الحديثة، كانت حبيسة الأدراج، فى دواليب مغلقة بمفاتيح صدئة، ألقيت فى غياهب جُب البيروقراطية المصرية، التى تقدر على خنق أى فكرة أو دراسة، ووأدها فى رمال النسيان..!

الذى فعله السيسى، أنه احتفظ بجرأة الحلم، وجسارة الإرادة على تحويله إلى حقائق، وأقدم بعزمه على نفض الغبار عن ملفات الدراسات التى عكفت على إعدادها عقول العلماء والخبراء.. والأهم أنه انطلق بتصميم لا يلين على رسم خريطة جديدة لمصر، تستهدف نشر العمران بحلول عام ٢٠٥٢ على مساحة ٢٢٪ من أرض مصر، بدلاً من ارتهانها فى نطاق شديد الضيق بالدلتا والوادى وبعض النقاط المتناثرة شمالاً وشرقاً لا تتعدى نسبة 8٪ من مساحة البلاد.
امتلك السيسى الرؤية المسلحة بالعلم والدراسة وسلامة التخطيط وحسن التدبير للتمويل، وقبلها الإرادة السياسية على بناء مصر جديدة، لا يكتفى أبناؤها بالتغنى بأمجاد ماض عريق، فكانت الإنجازات الهائلة من سيناء إلى منطقة قناة السويس إلى العاصمة الإدارية ومعها 19 مدينة جديدة، إلى محطات الكهرباء والمحطة النووية، إلى المزارع الكبرى، وغيرها وغيرها.
لست بصدد حصر ما تحقق ويراه ويلمسه الناس، والذى اعتبره قمة جبل الجليد العائم الظاهرة للعيان، وإنما سأكتفى فى هذه السطور بمحاولة أن ننظر معاً ب"البيروسكوب" إلى جزء يسير من جبل الإنجازات الغاطس.
تحديداً، أتحدث عن مشروع القطار الكهربائى فائق السرعة، ومشروع استصلاح مليون ونصف المليون فدان، الذى وعد به الرئيس السيسى، بينما ما يجرى فعلاً ولا يدركه الناس هو استصلاح 4 ملايين فدان بهمة ونشاط ودأب ودون جلبة، وهو ما يقترب من نصف المساحة المزروعة على أرض مصر وتراكمت منذ قديم الأزل..!

يدرك السيسى من واقع إطلاعه على تاريخ الأمم أن الطرق والسكك الحديدية، هما أداة العمران والاتصال بين أرجاء أى بلدة، وهما أساس التنمية الحقيقية لأى أمة.
وظنى أن إقامة السيسى فى الولايات المتحدة أثناء دراسته بكلية الحرب العليا هناك، أتاحت له الفرصة لدراسة كيفية تحقيق المعجزة الأمريكية، ومنها أهمية إقامة شبكة حديثة من الطرق والسكك الحديدية، ولعله سأل نفسه، مثلما اعتاد أن يتساءل: متى نستطيع أن نفعل ذلك؟.. وها قد حان الوقت لأن يشرع ويبادر وينجز..!
لم يكتف السيسى بالبرنامج الطموح لإصلاح السكك الحديدية، من خطوط ومزلقانات وإشارات حديثة وميكنة، فضلا عن شراء ٢٥٠ جراراً جديداً، ورفع كفاءة 122 جراراً، وشراء 1300 عربة قطار روسية وصل منها 280 عربة، و6 قطارات إسبانية، وكذلك تدشين شركة وطنية مشتركة مع القطاع الخاص لإنشاء مصنع لانتاج الوحدات المتحركة للسكك الحديدية والمترو فى شرق بورسعيد.
يوم الأربعاء الماضى، اجتمع السيسى بحضور الدكتور مصطفى مدبولى رئيس مجلس الوزراء والفريق كامل الوزير وزير النقل، مع جو كايسر رئيس شركة "سيمنس" الألمانية والدكتور رولاند بوش نائب الرئيس التنفيذى، وجرى خلال الاجتماع استعراض الاتفاق النهائى لقيام شركة "سيمنس" بإنشاء منظومة متكاملة لقطار كهربائى فائق السرعة بإجمالى أطوال حوالى ألف كيلومتر على مستوى الجمهورية وبتكلفة إجمالية 360 مليار جنيه، تبدأ بإنشاء خط يربط العين السخنة بمدينة العلمين الجديدة، أى يربط البحرين الأحمر والمتوسط، مرورا بالعاصمة الإدارية الجديدة ومدينة 6 أكتوبر وبرج العرب.
مدة تنفيذ هذا المشروع الهائل وتوريد القطار وتشغيل الخط عامان فقط..!

ليست هذه هى المرة الأولى التى يتعامل فيها الهر كايسر رئيس شركة "سيمنس" مع الرئيس السيسى. لذا لم يفاجأ بالجدول الزمنى شديد الضغط الذى طلبه الرئيس لتحقيق الإنجاز خلال 24 شهراً لا غير، ولا بأسلوب السيسى فى التفاوض وخفض السعر إلى أدنى حد مستطاع.
مشروع محطات الكهرباء العملاقة الثلاث فى العاصمة الإدارية والبرلس وبنى سويف، كان المحك الأول فى علاقة الرئيس برئيس شركة "سيمنس".
أذكر أثناء زيارة الرئيس السيسى لبرلين فى أعقاب توقيع اتفاق تنفيذ ذلك المشروع، أن الهر كايسر قال للحضور: أحب أن أهنئ المصريين بأن لهم هذا الرئيس الرائع، رغم أننى وجدته مفاوضاً شديد المراس..!
ويوم الخميس الماضى.. شهد الدكتور مصطفى مدبولى، مراسم توقيع مذكرة التفاهم بين وزارة النقل ممثلة فى الهيئة القومية للأنفاق، وشركة "سيمنس" لتنفيذ هذه المنظومة من خطوط القطار الكهربائى فائق السرعة، الذى تبلغ سرعته التصميمية 250 كيلومتراً فى الساعة.

فى أعقاب الإعلان عن توقيع مذكرة التفاهم، سألت الفريق كامل الوزير: البعض يتساءل أليس مبلغ 360 مليار جنيه ضخماً للغاية على مشروع قطار كهربائى بين العين السخنة والعلمين، حتى ولو كان فائق السرعة؟.. ثم ما المقصود بمنظومة القطارات الكهربائية؟
بأسلوبه المعهود.. أجاب الفريق كامل متسائلاً: من الذى قال؟
ثم أضاف: أن التكلفة الإجمالية لإنشاء الخط وتوريد القطار وتشغيله، هى 8 مليارات دولار "أى 120 مليار جنيه تقريباً".
أما الباقى فهو لخطوط أخرى بالتحديد 3 خطوط أخرى ضمن المرحلة الأولى لمنظومة القطارات الكهربائية.
وأوضح الفريق كامل الوزير قائلاً:
- الخط الأول بين العين السخنة والعلمين يبلغ طوله 460 كيلومتراً.
- الخط الثانى يربط مدينة 6 أكتوبر بالأقصر، وفيما بعد يمتد إلى أسوان، بطول 800 كيلومتر، ويجرى إكمال الدراسات الخاصة به.
- الخط الثالث يربط الغردقة بسفاجا بقنا بالأقصر بطول 285 كيلومتراً والدراسات الخاصة به مكتملة.
- الخط الرابع يربط العلمين بمرسى مطروح بطول 200 كيلومتر ودراساته تحت الإعداد.
وسألت الفريق الوزير: من أين سيأتى التمويل؟
أجاب: "بقروض ميسرة من مجموعة بنوك عالمية بضمان الحكومة الألمانية، وكذلك بتمويل من الموازنة العامة للدولة".
.. لعل السيسى هو الرئيس الوحيد الذى يسأل عندما ينجز المشروعات، من أين جئت بالأموال.. بينما غيره كان لا يسأل: أين ذهبت أموال الدولة!

مثال آخر، على خبايا جبل الجليد العائم، هو طريق الضبعة، الذى ما يزال البعض يتساءل: ما جدواه، برغم وجود طريق وادى النطرون العلمين!
ثمة من رآه إنفاقا على غير أولوية، وثمة من أخذ يدلل به على غيبة التخطيط السليم!
الحق أنه برهان ساطع على أن مشروعات هذا البلد فى عهد السيسى، يسبقها دراسات متأنية تتوخى المستقبل، ونظرة استراتيجية تربط كافة عناصر التنمية المستدامة.
يوم الجمعة قبل الماضى، تفقد الرئيس السيسى مشروعاً ضخماً للإنتاج الزراعى تقيمه القوات الجوية لاستصلاح 500 ألف فدان باسم مشروع "مستقبل مصر"، على امتداد محور الضبعة، وقد انتهى بالفعل استصلاح نحو 200 ألف فدان فى هذا المشروع المتكامل للإنتاج والتصنيع الزراعى.
إذن كانت هناك رؤية لإنشاء طريق الضبعة لتخطى الربط بين العاصمة وهذه المنطقة فى الساحل الشمالى الغربى.

سألت المحاسب السيد القصير وزير الزراعة: هل مساحة مشروع "مستقبل مصر" هى ضمن مشروع استصلاح المليون ونصف المليون فدان؟!
قال: لا.. هذا مشروع منفصل.
ثم فاجأنى قائلاً: أزف إليك خبرا آخر؟!.. نحن نجرى الآن دراسات لاستصلاح نصف مليون فدان أخرى جنوب محور الضبعة. والنتائج المبدئية مبشرة وواعدة.
وأضاف: نحن نجرى دراساتنا فى وزارة الزراعة مع جامعتى القاهرة والإسكندرية، والبعض يتصور أنك إذا أردت زراعة أرض تلقى فيها بحبات أو بذور فتثمر!.. لابد أولاً من إجراء دراسات استكشافية للأرض، وحصر تصنيفى للتربة وتحديد درجة ملوحتها، لبيان صلاحيتها والزراعات المناسبة لها، وتحديد مصدر المياه الجوفية وصلاحيتها أو توصيل مياه رى لها، ثم إنشاء البنية الأساسية من طرق وكهرباء وغير ذلك.
وقال: الدراسات جارية والنتائج المبدئية -كما ذكرت- مبشرة.
قلت للوزير: ما هى المشروعات التى تقوم وزارة الزراعة باستصلاحها ضمن المليون ونصف المليون فدان؟
أجاب: المليون ونصف المليون فدان تتولاها شركة الريف المصرى، أما الوزارة فتقوم حاليا باستصلاح 400 ألف فدان فى شمال ووسط سيناء بخلاف 128 ألف فدان مزروعة بالفعل، بجانب دراسة استصلاح مناطق فى منخفض توشكى والوادى الجديد، و50 ألف فدان فى المحسمة، ومن المقرر أن ينتهى العمل فى منتصف هذا العام فى انشاء محطة معالجة مياه الصرف الزراعى بمصرف بحر البقر، وهى أكبر محطة معالجة من نوعها فى العالم.
وقال: "هذه المساحات، ومعها مشروع مستقبل مصر لاستصلاح نصف مليون فدان، والمشروع تحت الدراسة لاستصلاح نصف مليون فدان أخرى بمحور الضبعة، وكذلك مشروع إنشاء مائة ألف صوبة زراعية، كلها لا تدخل ضمن مشروع المليون ونصف المليون فدان".
.. إذن مشروعات الاستصلاح التى تقام تقترب مساحتها من 4 ملايين فدان.

حوار طويل جمعنى تليفونيا باللواء عمرو عبدالوهاب رئيس مجلس إدارة شركة الريف المصرى المسئولة عن مشروع المليون ونصف المليون فدان عن جوانب المشروع.
الرجل تولى منصبه منذ 4 شهور فقط، ومنذ شهرين عرض على الرئيس السيسى موقف المشروع وخطته المستقبلية، وتلقى توجيهات الرئيس التى تركزت على ضرورة الانتهاء بأسرع وقت من البنية الأساسية من طرق وشبكات كهرباء ليتسنى الانطلاق بعمليات الاستصلاح، وتقديم تيسيرات لصغار المزارعين والمستثمرين.
شركة الريف المصرى ليست مالكا للأراضى، وانما هى مطور يستهدف إقامة مجتمعات عمرانية زراعية صناعية، تعتمد على الزراعة والتصنيع الزراعى وتنمية الثروة الحيوانية والداجنة والسمكية، ويبلغ رأسمال الشركة 80 مليار جنيه، منها 8 مليارات رأسمال مدفوع، والمساهمون فيها هم وزاراة الزراعة بحصة عينية من الأراضى وهيئة المجتمعات العمرانية بحصة نقدية ووزارة المالية.
إجمالى المتعاملين مع الشركة -حسبما يقول اللواء عمرو عبدالوهاب- 13 ألفا، منهم 9 آلاف من صغار المزارعين، الذين تخصص لكل مجموعة منهم يتراوح عددها ما بين 10 إلى 23 فرداً، مساحة 230 فدانا، من خلال شركة يكونونها لأن كل بئر منشأة تخدم هذه المساحة، وقد انتهى توزيع 80٪ من مساحة 285 ألف فدان على صغار المزارعين والشباب فى منطقة المغرة بمحور الضبعة.
من بين المتعاملين نحو 350 شركة لصغار المستثمرين بمساحة نحو 500 فدان لكل شركة، و15 شركة خاصة لكبار المستثمرين يستصلح كل منها ما بين ألفين إلى 10 آلاف فدان.
سألت اللواء عمرو عبدالوهاب عن الموقف الحالى للمشروع.
قال: نحن نركز الآن على استصلاح 850 ألف فدان، وسوف ننتهى بحلول شهر يونيو المقبل من استصلاح أكثر من نصف هذه المساحة، ونأمل أن نجذب مستثمرين جدداً من مصر وخارجها فى الفترة المقبلة، ونتعشم أن نكون قد انتهينا من تخصيص ما يقرب من 90٪ من هذه المساحة فى يونيو، لنتمكن فى عام 2023/2024 من زراعة 60٪ من المساحة الكلية للمشروع، واستغلال الباقى فى مشروعات التصنيع الزراعى وتربية الماشية والدواجن والاستزراع السمكى.
أما باكورة الإنتاج الزراعى لأراضى المشروع فسوف تظهر -بإذن الله- بحلول العروة الصيفية المقبلة.
ويوضح اللواء عبدالوهاب أن أراضى المشروع تقع فى المغرة على مساحة 285 ألف فدان، وغرب غرب المنيا 160 ألفا وامتداد غرب المنيا 165 ألفا وسيوة 60 ألفا والطور 25 ألفا وتوشكى 89 ألفا والفرافرة 150 ألفا.
ويؤكد على أن الشركة تضع نماذج للالتزام بها فى تصميم وتنفيذ المنازل وغيرها وتطبيق نظم الرى الحديثة وإجراء دراسات بالتعاون مع أكاديمية البحث العلمى لتحديد التركيب المحصولى الأنسب لكل منطقة.
سألت رئيس الشركة عن خطط المستقبل.. أجاب قائلاً: هدفنا هو زيادة مساحة المليون ونصف المليون فدان بنسبة 10٪ على الأقل، وقد انتهينا من تجهيز 170 ألف فدان، سنعرض أمر تخصيصها على القيادة السياسية وهناك 11 مستثمراً تقدموا للحصول على قطع أراض منهم مستثمر عربى كبير طلب تخصيص 120 ألف فدان لإقامة مشروع زراعى رائد متكامل.

تلك كانت إطلالة سريعة على جانب من صورة مصر الجديدة، التى تحتاج إلى تسليط الأضواء لإبراز ما يجرى على أرضها.
نعم.. الإعلام عليه دور، لكن الدور الأول والأكبر يقع على كاهل المسئولين، من أجل إظهار الإنجازات الخبيئة وما أكثرها. فنحن لا نروج لأوهام ولا نعدو وراء سراب فى صحراء قاحلة..!