نقطة فوق حرف ساخن

الثــورة الحقيقيـة

عمرو الخياط
عمرو الخياط

يقول الراحل العظيم المستشار عوض المر رئيس المحكمة الدستورية الأسبق: "إذا لم توفق الثورة أوضاعها مع المفاهيم والقيم الدستورية وظل نشاطها ومنهاجها فى العمل تعبيرا عن توحشها من خلال السلطة التى تستبد بها، وبنقضها ما توقعه الشعب منها، فإن طاعتها لا تكون واجبة عليه، وإنما يكون له الحق فى التمرد عليها وعصيانها وإزاحتها عن مقاعد السلطة، لضمان حقوقه التى تكفلها النظم الديمقراطية، تلك هى الثورة على الثورة".

طارق الخولى

أميرة العادلى

يوسف الحسينى

محمد عبدالعزيز

محمود بدر

وكأن الرجل الذى رحل قبل ثورة ٣٠ يونيو قد تنبأ بها وبشر بحدوثها، وكأنه وصف ثورة ٢٥يناير وانحرافها عن مقاصدها بعد أن سلمت البلاد لتنظيم إرهابى متخابر عقيدته إسقاط الدولة الوطنية.

تذكر برلمان الإخوان الذى منع شباب الثورة بالكامل من الحصول على أى مقعد، فجاءت ثورة ٣٠ يونيو لتصحح لها انحرافها عن المقصد الوطنى.

فى كل لحظة تستطيع ثورة ٣٠ يونيو تجديد هويتها الوطنية النبيلة لتؤكد أنها بحق كانت لحظة إنقاذ وجودى سيذكرها التاريخ وهو يدون تفاصيل عظمة هذا الوطن.

تذكر الوجوه العابسة داخل برلمان الإخوان، عليها غبرة ترهقها قترة، بعد أن سيطر سواد قلوبها على قسمات وجوهها، بينما راح غلمان الإخوان المختطفين يرفعون شعار "الشرعية للبرلمان وليس للميدان"، إعمالاً للتكليف الإخوانى بإقصاء كل من لم ينحنِ ليقبل يد المرشد الآثمة.

إياك‭ ‬أن تنسى برلمان الإثم والعدوان الذى انتشرت تحت قبته خلايا الإخوان المسرطنة لتحتل السلطة التشريعية للبلاد من أجل أن تسخرها لخدمة مكتب الإرشاد المسكون بزعماء العصابة الإخوانية، أملا فى تحويل البرلمان العريق إلى مرفق تنظيمى لشرعنة جرائم التنظيم الإرهابى.

ومع قرب الذكرى العاشرة لثورة الخامس والعشرين من يناير نجد أنفسنا أمام برلمان الدولة المصرية النافذ أمرا بإرادة المصريين الحرة والمتحررة فى ٣٠ يونيو، نجد هذا البرلمان وقد ازدان بالرموز الشابة لثورة يناير فإذا بهم يحلفون اليمين الدستورية تحت قبة البرلمان الذى جرت انتخاباته وترتيباته وفقا لأحكام الدستور الذى أقرته دولة ٣٠ يونيو الوطنية العظيمة.

أمام‭ ‬جموع المصريين وقف شباب يناير المستبعدون من قبل بفعل الغدر الإخوانى، وقفوا فرحين بما أتتهم ثورة ٣٠ يونيو، وقف طارق الخولى ومحمود بدر ويوسف الحسينى وأميرة العادلى ومحمد عبدالعزيز، وقفوا جميعا محمولين على قاعدة الإرادة الشعبية التى سخرتها ٣٠ يونيو لخدمة الدولة الوطنية.

واقع الحال يقول إن عملية التمكين السياسى التى أفرزتها ثورة يناير قد انتهت باستيلاء تنظيم إرهابى متخابر على حكم البلاد، بينما أفرزت ثورة ٣٠ يونيو تمكينا سياسيا للمصريين، ليجد رموز ثورة يناير أنفسهم فى صدارة المشهد بقوة الفعل الثورى لدولة ٣٠ يونيو.

منذ اللحظة الأولى رفعت يناير شعار "الثورة مستمرة" فلم تعد تستطيع كبح جماح المد الثورى وصولا لسطوة مكتب الإرشاد على المشهد العام، بينما كان شعار ٣٠ يونيو "الدولة مستمرة"، فاختمرت الفكرة الثورية سريعا وخفضت جناح الذل من الرحمة لدولة المؤسسات، بعدما تموضعت سريعا فى صلب البنيان الدستورى للدولة الوطنية.

ثورة ٣٠ يونيو قيمة حقيقية وفكرة فلسفية عميقة بحجم تاريخ الدولة المصرية، بل هى النموذج العملى لمعنى "الثورة على الثورة" الذى جرى على لسان العظيم عوض المر.

٣٠ يونيو قاعدة ارتكاز لدولة المؤسسات وتصويب لانحراف ثورى حاد كاد أن يعصف بوجود الدولة القديمة قدم التاريخ والحضارة، ليس كمثلها ثورة.

٣٠ يونيو حالة تاريخية فريدة كشفت عن أسطورية قوة الجبهة المصرية الداخلية إذا ما توافرت عوامل تماسكها وتوحدت فى لحظة زحف وطنى لإنقاذ الدولة.

تحت قبة البرلمان وقف شباب ثورة يناير تداعب عقولهم أحلام ثورتهم التى بددتها ظلمات التنظيم الإخوانى، واليوم تجدهم فرحين بما آتتهم ٣٠ يونيو التى أشرقت شمسها فأضاءت وجه مصر.

إذا كانت ثورة يناير أحلاما مشروعة لاحت أطيافها على قلوب وعقول وضمائر شبابها، فإن ٣٠ يونيو قد حققت لهم تلك الأحلام واقعا ملموسا وقدمت لهم فرصة التحول من الحلم الثورى إلى الواقع الدستورى ومكنتهم من حمل الأمانة من أجل العمل على استكمال تحقيق أحلام رفقاء دربهم وشركاء حلمهم وثورتهم.

٣٠‬‭ ‬يونيو ثورة حقيقية هى ثورة الدولة، تدفقت من أجل إنقاذ هذه الدولة فلم تقص أحدا ولم تستعل على أحد، ولم تتورط فى حالة من أحلام اليقظة اللانهائية، ولم تقع فى براثن مد ثورى لا يعرف غايته ومنتهاه.

٣٠ يونيو هى ثورة الدولة قامت من أجل إنقاذها ثم خضعت لبنائها، هى بحق الثورة على الثورة.