خواطر الإمام الشعراوي : «الاختلاف بين الناس»

 الشيخ الشعراوى
الشيخ الشعراوى

إن لم يسيطر الخير على أمور البشر فلا أقل من أن يظل عنصر الخير موجوداً يأتى واحد ليجد عنصر الخير لينميه.

‎ولو كان الحق سبحانه وتعالى يريد الكون بلا معارك بين حق وباطل لجعل الحق مسيطراً سيطرة تسخير. لكن الله تعالى أعطانا تمكيناً، وأعطانا اختباراً؛ لذلك نجد من ينشأ مؤمناً، ومن ينشأ كافراً، نجد الطائع، ونجد العاصي، هذا فريق، وهذا فريق. وإياك أن تفهم أن وجود الكافرين فى الأرض، أو وجود العصاة فى الكون دليل على أنهم غير داخلين فى حوزة الله، لا. بل إن الله تعالى هو الذى أعطاهم هذا الاختيار، ولو شاء الله أن يجعل الناس أمة واحدة لما استطاع إنسان أن يخرج على مراد الله.

‎وفى الآية التى نحن بصددها جاء الحق بأولى العزم من الرسل: سيدنا موسى عليه السلام، ورسول الله صلى الله عليه وسلم، وسيدنا عيسى عليه السلام وبعد ذلك يقول سبحانه: وَلَوْ شَآءَ الله مَا اقتتل الذين مِن بَعْدِهِم مِّن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ البينات ولكن اختلفوا فَمِنْهُمْ مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَّن كَفَرَ وَلَوْ شَآءَ الله مَا اقتتلوا ولكن الله يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ البقرة: 253.

‎إذن ما الذى جعل الناس تقتتل فيما بينها؟ إنه الاختلاف بين الناس، لقد اختلفوا فاقتتلوا. لكن ألا يمكن أن يكونوا قد اختلفوا ولم يقتتلوا؟ إن ذلك لو حدث لكان إجماعاً على الفساد. والحق سبحانه لا يريد أن يحدث الإجماع على الفساد، فإن لم يسيطر الخير على أمور البشر فلا أقل من أن يظل عنصر الخير موجوداً، ويأتى واحد ليجد عنصر الخير وينميه.

‎إن الحق سبحانه لا يمحو فى أزمنة الباطل معالم الخير والأفعال الحسنة، بل يستبقى سبحانه معالم الخير والأفعال الحسنة ليذهب إليها أى إنسان يريد الخير، وقد يكون الخير ضعيفاً، ولكن الله لا يمحوه؛ لأنه يعطى به دفعة جديدة لمؤمنين جدد يرفعون راية الحق، وإن بدأوا ضعفاء. ولذلك نجد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يقول: "لولا عباد لله ركع وصبية رُضّع وبهائم رتّع لصب عليكم العذاب صبا".

‎إن الرسول صلى الله عليه وسلم ينبهنا ألا ننظر إلى الضعفاء على أنهم عالة وأننا أقوياء لمجرد أنهم يعيشون فى أكنافنا. بل قد يكونون سياج لطف ورحمة كما فى الحديث السابق.