شىء من الأمل

اليوم الأخير فى حياتي !

عبدالقادر شهيب
عبدالقادر شهيب

منذ أن أصبت بمرض السرطان وأنا أعتبر كل يوم جديد يمنحه الله لى هو اليوم الأخير فى حياتى الذى يتعين أن أستمتع وأستفيد وأفيد به!.. فهذا المرض الصعب لا يتم الشفاء منه بسهولة رغم أنه لا يحتل المرتبة الأولى عالميا فى سبب موت البشر، بل تسبقه أمراض أخرى يأتى فى مقدمتها أمراض القلب.. لكنه مرض لعين لا يستسلم للعلاج بسهولة، ومن شفى منه يظل طوال حياته مهددا أن يعاوده هذا المرض مجددا، أو ما يسميه أطباء الأورام ارتجاع المرض، إما ليضرب فى ذات موضع الإصابة الأولى أو فى موضع آخر جديد تماما، وشركات أدوية السرطان والمؤسسات العلاجية تعتبر من يعيش لنحو خمسة أعوام بعد إصابته بالسرطان قد شفى منه حتى ولو توفاه الله بعد خمس سنوات بيوم واحد فقط.. لذلك لا تكشف الإحصاءات العالمية بدقة ظاهرة ارتجاع هذا المرض ولا حتى إعداد الوفيات التى سببها.. أما الإحصاءات المصرية فإنها تسجل أمراضا أخرى عديدة تسبقه كسبب للوفاة منها أمراض القلب والكبد والكلى وبعض الأمراض المزمنة الأخرى.

ومع ذلك فإننى اعتبر الموت بات أقرب من ذى قبل منى، وأى يوم جديد أحياه هو إضافة إلى عمرى يجب أن أستمتع بها وأستفيد وأفيد منها.. استمتع بها مع الأحباء والأصدقاء وكل الناس حتى وإن اختلفوا عنى أو اختلفوا معى فى الرؤى والأفكار لأننى شديد القناعة بأن الله خلقنا مختلفين واختلافنا نعمة يتعين أن نستفيد منها من خلال إعلاء قيم العيش المشترك التى تعلى قيمة المواطنة وقيمة التسامح وأيضاً قيمة احترام الآخر مهما كان هذا الآخر، دينيا أو عرقيا أو سياسيا أو اجتماعيا.. وساعدنى على هذا أننى عندما عرفت بأننى أصبت بالمرض الذى نصفه بالخبيث كنت قد أكملت السبعين من عمرى.. وعادة من يصل إلى هذا العمر تتغير كثيرا نظرته للحياة.. يشعر أكثر بالاستغناء والراحة ويتوقف عن العراك مع الحياة ويصير أكثر تسامحا وأكثر روية فى حكمه على الناس وتصرفاتهم، ويصير أكثر إنصافا، وإن كان ذلك بالطبع لا يعنى تغير قناعاته وأفكاره التى أنفق كل حياته دفاعا عنها.

وهكذا.. بدلا من القاعدة الشهيرة التى تقول اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا التى ننصح الناس بها، اخترت أن أقوم بتعديلها لتكون اعمل لدنياك كانك تموت غدا، وذلك حتى أستمتع بيومى هذا وأستفيد وأفيد به.. فالحياة رغم مصاعبها ومشاكلها تستحق أن نحياها ونستمتع بها.. وأكثر ما يمتعنى فى هذه الحياة هى الكتابة.. لذلك منذ أن علمت بإصابتى بالسرطان وأنا لا أكف عن الكتابة.. حتى عندما دخلت المستشفى لإجراء جراحة كبيرة كنت قد أعددت عددا من المقالات لتنشر فى الأيام الأولى بعد الجراحة، ثم استأنفت الكتابة بعدها وأنا مازلت فى المستشفى.. والحمدلله فقد أنجزت خلال عامين ثلاثة كتب، وأعكف الآن على إعداد كتاب عن أموال الإخوان.. استمتعوا بحياتكم فالحياة جميلة.