الفنان عزت العلايلى فى حوار بين الفن والسياسة،،

عزت العلايلي: الإيجابية الوحيدة لثورة يناير أنها قادت لحكم السيسى

عزت العلايلي
عزت العلايلي

18 عاما تفصل بين لقائى الأول بالفنان الكبير عزت العلايلي، وبين اللقاء الذى تم قبل أيام فى إطار سلسلة حوارات "أسطوات الفن"، لتترك هذه السنوات علاماتها، ليس فقط على الشكل، بل وأيضا على الآراء والمواقف، وربما كان الشيء الوحيد الذى لم تنل منه، هى روحه المرحة..

كان اللقاء الأول بعد أدائه لرياضة التنس فى أحد أندية القاهرة، وكان وقتها فى سن الـ68 عاما، غير أنه ظل محتفظا حينها ببعض من بقايا شخصية "عبد الهادى" فى فيلم "الأرض" شكلا ومضمونا، ممثلا فى وجه لم تغزه التجاعيد، وشعر كان لا يزال محتفظا ببعض من خصلاته المائلة للبني، وآراء جاءت حينها مفعمة بالجرأة فى تشريح الوضع الفنى والسياسي..

توقعت أثناء الإعداد للحوار الجديد، أن الرجل الذى كان متفاعلا مع كافة التغيرات السياسية والفنية التى شهدتها مصر خلال السنوات التسع الماضية بآراء جريئة، سيظل محتفظا بنفس القدر من الجرأة، ولكنى وجدت أن الرجل الذى اختار الابتعاد عن ضجيج وسط القاهرة فى مسكنه القديم، مفضلا الإقامة حاليا بأحد الأحياء السكنية الهادئة فى مدينة السادس من أكتوبر، لم ينل الزمن من ملامحه فقط، ولكنه نال أيضا من مواقفه وآرائه التى أصبحت تميل إلى هدوء الحى السكنى الذى يقيم فيه..

ذهبت إليه وقد جمعت كل آرائه فى الشخصيات الفنية والسياسية التى مرت بتاريخ مصر، وكانت أغلبها "جريئة"، وبدت لى فى بعض الأحيان متناقضة، وبينما كنت أسعى إلى تفسير هذا التناقض، فاجأنى برأى ثالث يفض الاشتباك، ليظهر وكأنه يحاول التصالح مع كل الشخصيات، حتى وإن كان معظمها قد فارق الحياة، وكان الرأى الوحيد الذى ظل محتفظا بجرأة، ربما تصل إلى درجة الحدة، هو رأيه فى بعض الفنانين الذين أبدوا مؤخرا امتعاضا بسبب عدم إسناد أعمال إليهم..

وعلى عكس ما هو معروف عنه من قدرته على الحديث باستفاضة، متسلحا بزاد معرفى وثقافى من الكتب التى تملأ رفوف مكتبته، وتاريخ فنى عريض تشهد به الجوائز المتناثرة فى كل مكان فى غرفة استقبال الضيوف بمنزله، كانت إجاباته مقتضبة جدا، اللهم إلا عندما تطرقنا إلى الحديث عن حرب أكتوبر، حيث تشعر حينها برغبته فى الحديث باستفاضه عن المشاعر التى انتابته قبل الحرب وبعدها.. وإلى نص الحوار.

شكوى‭ ‬كبار‭ ‬الفنانين‭ ‬من‭ ‬البطالة‭ ‬‮«‬كلام‭ ‬رخيص‮»‬‭.. ‬و‮«‬مش‭ ‬هناخد‭ ‬زمن‭ ‬غيرنا‮»‬

ينقصنى‭ ‬عمل‭ ‬عن‭ ‬حرب‭ ‬أكتوبر ولا‭ ‬أنسى‭ ‬صلاتى‭ ‬بسيناء

سألناه‭ ‬لماذا‭ ‬لا‭ ‬تصبغ‭ ‬شعرك‭ ‬فقال‭: ‬‮«‬مبحبش‭ ‬أكون‭ ‬مزيف‮»‬

- سأبدأ من تصريح تصدر عناوين حوار لك مع مجلة الكواكب فى 9 أغسطس من عام 2003، قلت فيه إنه ليس لك مكان فى سينما اليوم، فهل لا يزال هذا الوضع قائما بعد مرور 18 عاما؟

لم ينتظر استكمال السؤال وقال ممتعضا: مش ممكن يخرج عنى هذا الكلام، هذا "كلام عبيط"، فأنا لم أعتزل السينما.

- وإذا أردنا تصويب هذا التصريح، فماذا نقول؟

يختفى الامتعاض ليفسح الطريق لمشاعر متحمسة يكتسى بها وجهه قبل أن يقول: الرباط الذى يربطنى بالسينما لم ولن ينقطع، وأقرأ الآن ثلاث سيناريوهات جديدة.

- هل يمكن أن تعطينا ملخصا عنها؟

يومئ بالرفض قبل أن يقول: عذرا، فأنا لا أتحدث عن أعمال سأشارك بها إلا بعد أن انتهى من القراءة وأتفق على كل شيء، وهذا لم يحدث بعد.

- وماذا عن الدراما.. هل هناك جديد بعد آخر أعمالك "قيد عائلي" فى مارس 2019؟

لم أبتعد كثيرا.. وعندما يكون هناك موضوع مناسب سأشارك بدون تردد.

- أفهم من ذلك، أنه يعرض عليك أعمال، لكنك تجدها غير مناسبة؟

عرضت علىّ أعمال كثيرة، ورفضتها لأنها ليست مناسبة لي.

كلام ساذج

- هل الثقة التى اكتسبتها من عرض بعض الأعمال عليك، هو الذى يجعلك تتحفظ على تصريحات بعض الفنانين الكبار الذين اشتكوا من تجاهل الأجيال الجديدة من الممثلين والمخرجين والمنتجين لهم؟

يحمر وجهه وتخرج الكلمات من فمة كالطلقات: هذه التصريحات كلام ساذج، وما يصحش حد يقول الكلام ده.

- ربما أصحاب هذا الكلام لم يشبعوا فنيا، فهل تشعر أنت بالشبع الفنى الذى جعلك تعتذر عن المشاركة فى أعمال تعرض عليك؟

يواصل حديثه المنفعل قائلا: شبعت فنيا ؟!.. لا يوجد ممثل يشبع فنيا، بالعكس أنا أحب العمل مع الأجيال الجديدة، والدخول فى مناقشات فنية معهم، والتعرف على إمكاناتهم عن قرب، فهم مثل أولادى.

- ولماذا يعرض عليك أعمال، كما تقول، ولا يعرض على غيرك من الفنانين الذين تحفظت على تصريحاتهم؟

يرد بحسم: رجاء لا تقارنّى بأحد، أنا رجل لى مرتعى وملعبى وسجلى وتاريخي.

- يعنى لا توجد لديك مشكلة؟

يتساءل بنبرة حادة: وليه خليتها مشكلة؟.. أنا مليش فى الكلام الصغير ده وعيب يتقال.

- تقول هذا الكلام بالرغم من عدم وجودك المكثف فى الدراما خلال السنوات الأخيرة، وغيابك عن السينما منذ فترة طويلة جدا....

يرد منفعلا: لما باغيب، باغيب بمزاجي، بيعرض عليا أعمال كتير جدا وأرفض كثير منها، أنا معنديش أى مشكلة.

- وما الذى يميزك ويجعلك حاضرا فى ذهن المنتجين والمخرجين، على عكس غيرك؟

يبتسم لأول مره قائلا: أنت اللى تقول رأيك فيما يميزنى عن غيري، فليس من المفترض أن أقيّم نفسي.

كبرياء الفنان

- أشعر فى حديثك بالكبرياء...

يقول بكل حسم: الفنان لابد أن يتمتع بالكبرياء والثقة بالنفس، فأنا لا أقول ما يقوله غيرى.

- وهل تشعر بالغيرة الفنية من نجوم يتواجدون بكثافة فى السينما والدراما؟

يرد متعجبا: وأغير من حد ليه؟.. انا أسير فى طريقى ولا أشغل بالى بالآخرين.

- الغيرة التى تدفع الإنسان للأفضل أمر محمود، فهل حققت كل ما تريد، ولذلك لا تشعر بها؟

يصمت لوهلة يلتقط خلالها الأنفاس، قبل أن يقول: مفيش فنان يقول إنه حقق كل اللى عايزه، ولو كان فى العمر بقية، سأظل أبحث عن العمل الجيد، وعندما أجده لن أتردد فى العودة، أما حديث المقارنات والشكوى من عدم اسناد أعمال، فهذا ليس طريقي.

- من الواضح أنك مستفز جدا من هذه الشكوى.

طبعا ما يصحش، فالجيل الجديد مثل أولادنا، احنا زماننا قرب يخلص خلاص، فلو لينا أدوار مناسبة أهلا وسهلا، ولو مفيش لا يجب أن نشكو، ونتمنى للجيل الجديد الستر والنجاح، فكما عشنا بالطول والعرض فى الزمن الخاص بنا، فهذا زمانهم، ومحدش بياخد زمن غيره.

- وماذا تفعل لو لم يقدر نجوم هذا الزمن تاريخك، ووجدت أن اسمك سيوضع على "التتر" مثلا بشكل لا يتناسب مع تاريخك؟

يرد بثقة : ولماذا أوافق من البداية على عمل سيوضع عليه اسمى بشكل غير مناسب؟.. ولكن الكبار لا يحدث معهم هذا الكلام.

- عذرا على الإطالة فى هذا الموضوع، فلم أكن أتوقع أنه سيسبب لك كمّ الضيق الذى أشعر به الآن واضحا على وجهك؟

يطلق تنهيدة عميقة قبل أن يقول: طبعا كلام لازم يضايق، ده كلام "رخيص جدا"، فلا يوجد فنان يقول هذا الكلام، ويهبط بمستواه لهذا القدر من التدني.

- قبل أن أغادر هذه النقطة، أحب أن أسألك بما أنك من جيل الفنان الكبير عادل إمام، ما هو السر فى حضوره الدائم خلال السنوات الأخيرة على خلاف كثير من نجوم جيله؟

تخرج الكمات من فمه سريعة قائلا: ببساطة، لأنه شخص ناجح وله رصيد فى البيت المصرى والمجتمع.

- وهل الفنانون الذين يضجون بالشكوى غير ناجحين؟!

يبتسم قائلا: لا تنسب لى كلاما لم أقله، افهمها أنت بقى.

مشهد الساقية

- أنتقل معك لتصريحات تتعلق ببعض أعمالك، حيث لفت انتباهى تصريح لك، قلت فيه أنك قضيت 11 ساعة فى قاع الساقية لتصوير مشهد واحد فقط من فيلم الأرض.. أليست مده طويلة جدا ومبالغا فيها؟

يضحك قائلا وهو يشير إلى صورة لهذا المشهد تتصدر أحد حوائط غرفة الاستقبال: 11 ساعة لتصوير هذا المشهد ؟! ليه مفيش فى دورى بالفيلم غيره، أكيد أنا لم أقل ذلك، ممكن يكون المشهد احتاج ساعتين أو ثلاث بالكتير.

- ساعتين أو ثلاث ليس بالوقت القصير، وهذا يقودنى للسؤال: هل يوجد فى الجيل الحالى من يحرص على جودة المشهد حتى لو استغرق تصويره وقتا طويلا؟

هناك الكثير من نجوم الجيل الجديد مجتهدون ويحرصون على الاستفادة من خبرات من قبلهم ولا يستنكفون السؤال، وأنا شخصيا أتلقى كثير من استفسارتهم وأكون سعيد جدا بالتواصل معهم.

- ومن أكثر فنانى الجيل الجديد تواصلا معك؟

عذرا لن أستطيع الإجابة على هذا السؤال.

- بما أننا نتحدث عن فيلم الأرض، يهمنى معرفة رأيك فى قول بعض النقاد إن الفيلم محاولة لإبراز قيمة إنجازات عصر عبد الناصر؟

يتساءل متعجيا: وهل عبد الناصر يحتاج فيلما لإنصافه، فهذا الفيلم يلقى الضوء على الوضع السياسى والاجتماعى فى مصر إبان حقبة الثلاثينيات من خلال حياة الفلاح المصرى.

- من رأى أنه أسقاط على انجازات عصر عبد الناصر، كان تحليله يستند إلى أن الفيلم أظهر معاناة الفلاح، ليشعر المشاهد بقيمة ما فعله عصر عبد الناصر من إنصاف لهذا الفلاح الذى تحول من أجير إلى مالك للأرض الزراعية؟

رؤية تحترم، ولكنها لم تكن فى أذهاننا ونحن نقوم بهذا العمل.

الحقبة الملكية

- على ذكر فترة الثلاثينيات التى يغطيها الفيلم، تظهر الآن صفحات على السوشيال ميديا تمجد فى الحقبة الملكية، كيف ترى ذلك؟

تخرج الكلمات من فمه سريعة قائلا: كل فترة زمنية لها إيجابياتها وسلبياتها، فالحقبة الملكية لم تكن خيرا محضا ولا شرا محضا، وكذلك الحقبة الناصرية، فكما شهدت إنجازات مهمة جدا، كان من أبرز إخفاقاتها نكسة يونيو 1967 وحرب اليمن، وبالمناسبة المجتمع الصحى هو الذى تكون فيه إيجابيات وسلبيات ويسعى لتعظيم الإيجابيات وعلاج السلبيات.

- أعتقد أن رأيك هذا يفسر موقفك من مسلسل الملك فاروق الذى قدمته الدكتورة لميس جابر، حيث كنت ترى فى أحد تصريحاتك أنها قدمت الملك فاروق، وكأنه ملاك؟

وجهه نظرها أحترمها بلا شك، ولكن الحقيقة التى نقلتها مصادر تاريخية كثيرة تشير بوضوح إلى الإيجابيات والسلبيات.

- ولكن أليس من الخطورة أن يتبنى العمل الفنى اتجاها واحدا فقط، بحيث يمكن أن يؤثر على تقييم المتفرج للشخصية؟

يرد متعجبا: هو أنا هحكم على شخصية تاريخية أو فترة معينة من خلال مسلسل؟

- ولكنه يظل أحد المصادر التى يمكن الاعتماد عليها؟

الدراما تحمل وجهة نظر كاتبها، وليست سجلا تاريخيا محققا بواسطة مؤرخين عظماء، ومصر لا تعدمهم، حتى يتم تجاهل ذلك، وإصدار الحكم على الشخصية أو الفترة من خلال مسلسل.

مسلسل الجماعة

- بنفس المنطق هل نستطيع القول إن مسلسل "الجماعة" للكاتب وحيد حامد، والذى شاركت فى بطولته، لا يمكن الاعتماد عليه وحده لإصدار حكم على جماعة الإخوان؟

يصمت لوهلة قبل أن يقول: المسلسل قريب من التسجيلي، فالأستاذ وحيد حامد لم يقل رأيا، ولكنه سجل على الورق واقعا، وقمنا نحن بتمثيله، لذلك فأنا أراه أشبه بـ ∩دراما تسجيلية∪.

- أعرف أن هناك "فيلما تسجيلياولكن هل يوجد أيضا "دراما تسجيلية

نعم، فالجماعة دراما قامت بتسجيل حقيقى للتاريخ، ولكنك كمتلقى ترى هذا التسجيل فى إطار دراما قمنا بتمثيلها، لذلك فالتسجيل هو الذى يطغى على العمل.

- وهل مسلسل الملك فاروق لا أستطيع أن أسميه "دراما تسجيلية

 طبعا هو دراما تسجيلية.

- كيف يمكن أن أسميه كذلك، رغم أنه أظهر الجانب الإيجابى فقط للملك فاروق ؟

يشير بعلامة الرفض قبل أن يقول: المسلسل سجل إيجابيات وسلبيات، ولكن وجهة نظر الكاتبة فى عرضها قد أراها أنا تحمل تعاطفا مع الملك فاروق، وقد يراها غيرى بمنظور مختلف.

- عودة لمسلسل "الجماعة".. هل صحيح أنك طلبت عقد مناظرة مع الإخوان بعد الجدل الذى أحدثه عرض الجزء الأول من المسلسل؟

يغمض عينيه لوهلة محاولا التذكر قبل أن يقول: يجوز فى وقت الجدل الساخن الذى أحدثه المسلسل تبنيت دعوة لمناظرة بينهم وبين كاتب المسلسل وحيد حامد، فهو الملم بتفاصيل العمل الذى كتبه.

- فى إطار الحديث عن نفس المسلسل، كان لبعض النقاد رأى فى اختيار الممثل إياد نصار لبطولة العمل، حيث ذهب بعضهم إلى أنه اختيار غير موفق لارتباط هذا الممثل بالأدوار الرومانسية، وهو ما من شأنه أن يحدث التباسا لدى المشاهد.. هل تتفق مع هذا الرأى؟

يومئ بالموافقة قبل أن يقول: أتفق تماما مع من يرى أنه اختيار خاطئ، ولكن فى رأيى أن المشكلة الأساسية التى لم تجعلنى استسيغه فى دور حسن البنا فى المسلسل، هى أن ملامحه ليست مصرية، وهذا لا يعنى أنه ليس فنانا جيدا، بالعكس أنا آراه فنانا مجتهدا ولكن هذا الدور ليس دوره.

- وهل أبلغت رأيك هذا لصناع المسلسل؟

تناقشت مع مؤلف المسلسل وحيد حامد وكان متفقا تماما مع وجهة نظرى، ولكن لا أعرف لماذا كان هناك إصرار على اسناد الدور له.

- من بين ما قيل أيضا من سلبيات أن بعض الأحداث كانت تحتاج إلى تفسير مثل التحول السريع فى حياة سيد قطب من ناقد فنى وأدبى إلى عضو متشدد بجماعة الإخوان بعد سفره لأمريكا.. فما رأيك فى ذلك؟

هناك الكثير من الشخصيات لم تأخذ مساحة تتلاءم مع دورها فى جماعة الإخوان، فالكاتب وحيد حامد، كان مركزا جدا فى كتابته، لأنه لو توسع، كان يمكن ألا تكفيه 10 آلاف حلقة، فبراعة المؤلف كانت فى التركيز.

سؤال كلاسيكى

- من الأسئلة الكلاسيكية التى تسأل دوما للفنانين وأحب أن أسألها: ما هو الدور الذى كنت تتمنى تمثيله؟

يشبك أصابع يديه صانعا قبضة يسند إليها ذقنه ويصمت لبرهة من الوقت قبل أن يقول: لعبت كل الشخصيات، فقط كان ينقصنى المشاركة فى عمل عن فترة حرب 1973، فهذه الفترة لا يشعر بقيمتها إلا من عاش مرارة النكسة، فقد كانت النكسة صدمة كبيرة، لذلك عندما جاء النصر كدت أطير من الفرح، وأخذت أتصل بشكل هيستيرى ببعض السياسيين من أصدقائى لسؤالهم عن حقيقة خبر العبور، وكأنى لا أصدق هذا الخبر، وعندما تأكدت انهمرت الدموع من عيني، فتعاطفت معى زوجتي، واحتضنتنى مثل طفل صغير، فهذه لحظات لا تنسى، وكنت أتمنى أن أقوم بالمشاركة فى عمل فنى عنها.

- أرى على وجهك حالة من الرضا لم تظهر طيلة الحوار؟

يغمض عينيه لبرهة يدور خلالها شريط الذكريات لتكسو وجهه ابتسامة عريضة قبل أن يقول: ياه.. طبعا لازم تشعر بذلك، فهناك مواقف مررت بها شخصيا، ساهمت فى صناعة فرحتى الكبيرة بهذا النصر، فمن هذه المواقف مثلا أنى شاركت مع وفد من الفنانين والإعلاميين فى زيارة محافظة الإسماعيلية قبل حرب أكتوبر، وكم كان قاسيا علىّ أن أرى العلم الإسرائيلى والجنود الإسرائيليين على الجانب الآخر من القناة، حتى أنى عدت من هذه الزيارة مريضا، وبعد تحرير الأرض شاركت مع وفد آخر عبر إلى الجانب الآخر من القناة، ولا أنسى فرحتى وقتها ونحن نصلى جماعة مع شيخ الأزهر على أرض سيناء،فقد كانت هذه اللحظات السعيدة محوا للحظات السابقة التى عشتها.

- ربما تكون مشاركتك فى فيلم "الطريق إلى إيلات" قد خففت عنك بعض من الحزن لعدم المشاركة فى عمل عن أكتوبر.....

يرد على الفور: بلا شك، فالطريق إلى إيلات من أهم أعمالي، وعشت فيه تجربة المقاتل فى سلاح البحرية كاملة.

- لم تستعن بدوبلير فى لقطات الغوص؟

كل مشاهد الغوص والتدريبات أديتها كما شاهدها المشاهد عند عرض الفيلم.

- من المؤكد أنك تابعت بعضا من التعليقات الساخرة على لقطة الفنان نبيل الحلفاوى وهو يقوم بضبط القنبله؟

يطلق ضحكة عالية قبل أن يقول: ليست هذه اللقطة فقط، فهناك لقطات أخرى يسخر منها البعض، وهذه طبيعة الشعب المصرى الذى يبحث دوما عن النكتة.

- ألا تشعر بالضيق من ذلك؟

بالعكس، تكون فرصة لأن أشاركهم الضحك، فالفيلم باق ويخرج لسانه للساخرين.

الموقف من فاروق حسني

- كان لك تصريح قلت فيه إن فاروق حسنى أجهض الحياة الثقافية ولن يرحمه التاريخ، فكيف ترى الوضع الآن؟

يتساءل بنبرة حادة: من كتب هذا الكلام على لساني.. بالعكس كنت أراه وزيرا ناجحا جدا، ولا أذكر أنى وصفته يوما بأنه مقصر، فقط كنا نرغب منه أن يعطى مزيد من الاهتمام بالسينما والمسرح.

- وهل حققت الوزيرة الحالية هذه الرغبة؟

الوزيرة الحالية إيناس عبد الدايم مجتهدة جدا، ولديها تفهم واضح جدا لأهمية المسرح، وكنت فى طريقى لإعادة عمل مسرحية ∩أهلا يا بكوات∪ لولا جائحة كورونا.

- وماذا عن السينما؟

أطالب بل ألح بمزيد من الدور الوطنى للدولة فى الإنتاج السينمائي، فالسينما تعكس الواقع الاجتماعى والسياسى للمجتمع، وتساعد على بنائه، وهذا ليس معناه التخلى عن نوعية أفلام الكوميديا والتسلية، ولكن لابد أن تكون هناك سينما هادفة تعرض وجه مصر الحضارى.

تصريح "مفبرك"

- من المواقف الخاصة بك التى توقفت أمامها وبدت لى متناقضة، هى موقفك من الإخوان، فهل هم الذين وصفتهم فى حوار مع (الأحرار) عدد 13 سبتمبر 2010 بأنهم "سوابق فى العنفأم أنهم الذين لهم رؤية فنية عالية المستوى تجسدت فى إنشاء حسن البنا لمسرح فى الأربعينيات عمل فيه نجوم كبار مثل عبد المنعم مدبولي، كما قلت فى الأهرام عدد 24 ديسمبر 2011؟

يكاد ينتفض من مكانه غضبا وهو يقول: أنا قلت عنهم لديهم رؤية فنية.. لا هذا كلامى ولا فكرى ولا أسلوبي، هما يقولوا على لسانى ما يريدون.

- من الذى يقول على لسانك؟

فى فترة الإخوان كنت كل يوم أجد تصريحا "مفبركا" منسوبا لي، ومن المؤكد أن هذا التصريح منهم، فهل هناك أحد يمكن أن يصدق أننى أقول إن لهم رؤية فنية، وكمان عالية المستوى، ده أنا نفسى أعرف إيه رؤيتهم للفن، ثم هل أنا كنت ناضج فى فترة الأربعينيات، حتى أكون رأيا عن البنا ورؤيته الفنية، اللى كاتب الكلام ده شكله بيهزر.

- ألم تعرف رؤيتهم الفنية أثناء لقائكم مع الرئيس الراحل محمد مرسي؟

يضحك قائلا: بلاش هذه الصفحة، دى كانت مرحلة تموت من الضحك

- وماذا خرجتم من اللقاء؟

زى ما دخلنا زى ما خرجنا، الراجل كان مرتبكا، وأخذ يحكى حكايات لم تساعدنى فى بلورة موقف واضح عن رأيه فى الفن.

- قبل أن نغادر هذه المرحلة، هل ترى أن لهم مستقبلا فى مصر بعد الثورة عليهم فى 30 يونيو؟

أرجو ألا يكون لهم مستقبل، فالخلاص منهم كان أهم إنجازاتها، ويجنى المصريون الآن ثمار ما حدث فى 30 يونيو، وسيجنون المزيد فى المستقبل، ولكن نحتاج لبعض من الصبر.

- وماذا لو تقم 30 يونيو؟

كنا ذاهبين نحو هاوية رهيبة جدا، وطريق غير قويم سياسيا واجتماعيا، على المستوى الداخلى والخارجي.

موقف مرتبك من مبارك

- أيضا من المواقف التى بدت لى مرتبكة رأيك فى الرئيس الراحل مبارك، فهل هو الرئيس الذى أوجد هامشا من الديمقراطية، كما قلت فى حوار مع الأهرام المسائى فى 16 يناير 2007، أم أنه الرئيس الذى أجهض الديمقراطية بتعديلات دستورية وصفتها فى حوار مع الوفد فى 13 مارس 2007 بأنها عودة لعصر زوار الفجر؟

يمتعض وجهه قبل أن يقول بنبرة حادة: بتجيب الكلام ده منين، بالعكس أنا رأيى الذى لم يتغير أن مبارك كانت كان له نجاحات مهمة جدا، وأدار المرحلة الانتقالية بعد عصر السادات باقتدار وكفاءة، ولكنه كأى رئيس كانت له سلبيات وايجابيات.

- هل يمكن أن تحدثنى عن بعض من إيجابياته؟

يشير إلى نافذة منزله القريب من الطريق الدائرى: هذا الطريق المهم أحد انجازاته، كما أن الحياة السياسية كانت ناجحة إلى حد ما.

- وماذا عن سلبياته؟

رجاء لا أريد أن أدخل فى هذا الطريق.

- يعنى لا تريد أن تقول لى سلبياته؟

أكيد أنت عارفها مش لازم أتكلم أنا فيها.

- وهل كانت سلبياته أكثر أم إيجابياته؟

إيجابياته طبعا.

- ولماذا قامت ثورة يناير إذا كانت ايجابياته تفوق سلبياته؟

أنا لست رجل سياسة حتى أجيب.

- ولكنك كنت ناشطا فى فترة ما بعد الثورة، وشاركت فى الحوار الوطني، فأنت الأقدر على أن تقول لى لماذا ثار عليه المصريون؟

قل أنت.. أنا مش سياسى أنا فنان.

- وهل الفن ينفصل عن السياسة؟

الفن سياسة، ولكن العمل الفنى لا يقول رأيا سياسيا مباشرا، والمتلقى هو الذى يستخلص الرأى.

- إذن الفنان لابد أن يكون له رأى؟

عندى رأى ولا أحب أن أعلنه.

- يبدو أنك لا تريد الحديث عن ثورة يناير؟

يصمت لوهلة ثم يقول: إذا كان لها من ايجابية، فهى أن الأحداث التى تلتها قادت إلى تولى مسئولية مصر قائد وطنى مخلص اسمه عبد الفتاح السيسي.

الموقف من عبد الناصر

- سأنتقل معك إلى موقفك من رئيس آخر، وهو جمال عبد الناصر، وأحب فى البداية أن أعرف هل صحيح أنك كنت ضمن المتهمين فى محاولة اغتياله؟

يعيد هذا السؤال الهدوء إلى ملامح وجهه التى أرهقتها أسئلة ثورة يناير، ليقول: القصة أنى فى سن العشرين عاما، كانت لدىّ رغبة للمشاركة فى الحرب ضد الإنجليز فى الإسماعيلية، فاستجبت لدعوة محامٍ فى السيدة زينب كان يجمع أسماء الشباب الراغبين فى ذلك، وبالفعل تم نقلنا إلى الإسماعيلية وعدنا فى نفس اليوم، لتحدث بعدها محاولة اغتيال عبد الناصر، ونكتشف أننا تورطنا دون أن نعلم فى نقل أسلحة للإسماعيلية بحجة قتال الإنجليز وتبين لاحقا أن المحامى الذى سجل أسماءنا ينتمى للإخوان، وعندما داهم الأمن مكتبه عثر على كشوف بالأسماء، وتمت ملاحقة كل المدونين فيها وأنا منهم، ولكننا لم نستمر فى السجن طويلا.

- وهل جعلتك هذه الواقعة تكره الرئيس عبد الناصر؟

الكره فعل دنيوى، وأنا لا أكره أحدا، ولكن يمكن أن يكون لى رأى سياسى بناء على السلبيات والإيجابيات.

- طلبت منك كثيرا الحديث فى هذه المساحة ولكنك رفضت؟

احترم رغبتى فى عدم الحديث عن سلبيات مبارك.

- وماذا عن عبد الناصر، هل صحيح أنك كنت تراه ينظر للأمور من عين واحدة، كما قلت فى حوار مع الوفد فى 25 يونيو 2019؟

يمتعض مجددا قبل أن يقول: زعيم بحجم عبد الناصر كيف يمكن وصفه بأنه يرى الأمور بعين واحدة، من المؤكد أن هذا التصريح ليس كلامي، فأنا أراه قد نقل مصر نقلة كبيرة بكل إيجابياته وسلبياته.

- يبدو أنك لا تريد الحديث سوى عن الإيجابيات؟

يبتسم قائلا: عبد الناصر والسادات ومبارك كل منهم أدى دوره على أحسن وجه، ورأيى تجاههم إيجابي،بالرغم من أن مسيرتهم لم تخل من سلبيات، وأرجو أن تحترم رغبتى فى عدم الحديث عن السلبيات.

- حتى "اتفاقية كامب ديفيدالتى اعتبرتها فى حوار مع مجلة الكواكب عدد 14 ديسمبر 2012، إحدى سلبيات السادات، وقلت إنك لو كنت رئيسا لأعدت النظر فيها.

يشير بكلتا يديه معلنا رغبته فى إنهاء الحديث عن السياسة، مكررا عبارة "لم أقل ذلك"، التى ترددت كثيرا خلال الحوار.

- قبل أن انهى الحوار لدى سؤال ادخرته للنهاية، وأرجو أن تجيبنى عليه، وهو : لماذا لا تصبغ شعرك مثل باقى الفنانين؟

يعيد السؤال ضحكته العالية، ليقول وهو يشير إلى صورة حفيده التى توجد على منضدة مقابلة للكرسى الذى كان يجلس عليه: أنا عندى أحفاد زى ما أنت شايف طولك، فما الداعى لصبغ الشعر، هل سأقوم فى هذه السن بدور الرجل الحبيب.

- بعض فنانى جيلك يصبغون شعرهم؟

مليش دعوة بغيرى، أنا رجل أعيش سنى ولا أحب أن أكون مزيفا.

الحديث‭ ‬عن‭ ‬اعتزالى‭ ‬السينما‭ ‬‮«‬كلام‭ ‬عبيط‮»‬‭..‬و«الطريق‭ ‬إلى‭ ‬إيلات‮»‬‭ ‬يخرج‭ ‬لسانه‭ ‬للساخرين