«الأعياد السيدية السبعة الكبرى»

الأيقونة الأندر

كنيسة السيدة العذراء بحارة زويلة
كنيسة السيدة العذراء بحارة زويلة

لعل‭ ‬أحد‭ ‬أهم‭ ‬الأيقونات‭ ‬الموجودة‭ ‬فى‭ ‬مصر‭ ‬والتى‭ ‬تخص‭ ‬الأعياد‭ ‬المسيحية‭ ‬هى‭ ‬أيقونة‭ ‬االأعياد‭ ‬السيدية‭ ‬السبعة‭ ‬الكبرىب‭ ‬والموجودة‭ ‬بكنيسة‭ ‬العذراء‭ ‬بحارة‭ ‬زويلة،‭ ‬فهى‭ ‬تعود‭ ‬للقرن‭ ‬الثانى‭ ‬عشر‭ ‬من‭ ‬الميلاد‭ ‬سنة‭ ‬١١٨٦م،‭ ‬وسبب‭ ‬تفرد‭ ‬هذه‭ ‬الأيقونة‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬النادر‭ ‬جدًا‭ ‬أن‭ ‬نجد‭ ‬لها‭ ‬مثيل‭ ‬نظرًا‭ ‬لأنها‭ ‬حوت‭ ‬بداخلها‭ ‬رموز‭ ‬الأعياد‭ ‬السبعة‭ ‬الكبرى،‭ ‬وهذا‭ ‬الأمر‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬معتادًا،‭ ‬فالشكل‭ ‬المعتاد‭ ‬للأيقونة‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬نجدها‭ ‬تضم‭ ‬عيدًا‭ ‬واحدًا‭ ‬كعيد‭ ‬القيامة‭ ‬أو‭ ‬العماد،‭ ‬أو‭ ‬البشارة‭..‬ 

الدكتور‭ ‬إبراهيم‭ ‬ساويرس‭ ‬أستاذ‭ ‬اللغة‭ ‬القبطية‭ ‬بجامعة‭ ‬سوهاج‭ ‬يقول‭: ‬اأيقونة‭ ‬الأعياد‭ ‬السيدية‭ ‬السبعة‭ ‬الكبرىب،‭ ‬تعود‭ ‬للفترة‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬القرن‭ ‬الـ١٢‭ ‬والـ١٤،‭ ‬وهذا‭ ‬مرتبط‭ ‬بوضع‭ ‬القاهرة‭ ‬كما‭ ‬يصفها‭ ‬كتاب‭ ‬الكنائس‭ ‬والأديرة‭ ‬لأبى‭ ‬صالح‭ ‬الأرمنى‭ - ‬فهى‭ ‬من‭ ‬زمنه‭ ‬بالتأكيد‭- ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬بأى‭ ‬حال‭ ‬أن‭ ‬نرجعها‭ ‬للقرن‭ ‬الـ١٨‭ ‬كما‭ ‬يذكر‭ ‬البعض‭ ‬نظرًا،‭ ‬لأن‭ ‬هذا‭ ‬الأسلوب‭ ‬البيزنطى‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬اختفى‭ ‬فى‭ ‬القرن‭ ‬الـ١٨،‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬له‭ ‬مثيل‭ ‬أبدًا‭ ‬فى‭ ‬تلك‭ ‬الفترة،‭ ‬كذلك‭ ‬فطريقة‭ ‬التذهيب‭ ‬تدل‭ ‬على‭ ‬غنى‭ ‬مادى‭ ‬وفني،‭ ‬وهذا‭ ‬الأمر‭ ‬كان‭ ‬موجودًا‭ ‬تحت‭ ‬الأراخنة‭ ‬الكبار‭ ‬فى‭ ‬تلك‭ ‬الفترة،‭ ‬أيضًا،‭ ‬الكتابة‭ ‬باليونانية‭ ‬كانت‭ ‬موجودة‭ ‬فى‭ ‬نفس‭ ‬الفترة،‭ ‬بخلاف‭ ‬تفاصيل‭ ‬الطراز‭ ‬الفنى‭ ‬فى‭ ‬تصوير‭ ‬الملامح‭ ‬وبعض‭ ‬الرمزية‭ ‬والتى‭ ‬اختفت‭ ‬بعد‭ ‬هذا‭ ‬التاريخ،‭ ‬وهذا‭ ‬التأريخ‭ ‬للأيقونة‭ ‬تتوافق‭ ‬عليه‭ ‬المرممة‭ ‬الروسية‭ ‬سوزانا‭ ‬سكالوفا،‭ ‬نظرًا‭ ‬للمواد‭ ‬المستخدمة‭ ‬والتقنية‭ ‬الفنية‭ ‬التى‭ ‬استخدمت‭ ‬فى‭ ‬تلك‭ ‬الفترة،‭ ‬فالأيقونة‭ ‬مُنفذة‭ ‬على‭ ‬لوح‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬خشب‭ ‬الجميز،‭ ‬بُطِن‭ ‬اللوح‭ ‬بالكتان‭ ‬والجبس،‭ ‬ورسم‭ ‬عليه‭ ‬بأسلوب‭ ‬التمبرا،‭ ‬وذُهِبت‭ ‬أجزاء‭ ‬منه،‭ ‬وقد‭ ‬نفذت‭ ‬بيد‭ ‬فنان‭ ‬ماهر،‭ ‬وهى‭ ‬بيزنطية‭ ‬الطراز،‭ ‬ويمكن‭ ‬تأريخها‭ ‬بالقرن‭ ‬الثالث‭ ‬عشر،‭ ‬وبها‭ ‬بعض‭ ‬الكتابات‭ ‬العربية‭ ‬باللون‭ ‬الأسود،‭ ‬واليونانية‭ ‬باللون‭ ‬الأحمر،‭ ‬وقد‭ ‬فسد‭ ‬خشبها،‭ ‬وخضعت‭ ‬للترميم‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬المرممة‭ ‬الشهيرة‭ ‬سوزانا‭ ‬سكالوفا‭ ‬فى‭ ‬تسعينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬والأيقونة‭ ‬هى‭ ‬من‭ ‬إنتاج‭ ‬ورشة‭ ‬فنية‭ ‬مهمة‭ ‬ربما‭ ‬كانت‭ ‬تابعة‭ ‬للبطريركية‭ ‬آنذاك،‭ ‬وهى‭ ‬من‭ ‬نوادر‭ ‬الفن‭ ‬القبطى‭ ‬عامة،‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬الأيقونات‭ ‬اللوحية‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الفترة‭ ‬نادرة‭ ‬للغاية،‭ ‬وهى‭ ‬تصور‭ ‬أعياد‭ ‬الكنيسة‭ ‬السبع‭ ‬الرئيسة‭ ‬والتى‭ ‬كان‭ ‬يُعيد‭ ‬بها‭ ‬فى‭ ‬هذه‭ ‬الكنيسة‭ ‬كما‭ ‬دون‭ ‬كتاب‭ ‬أبو‭ ‬المكارم‭ ‬عن‭ ‬الكنائس‭ ‬والأديرة‭ ‬المعاصر‭ ‬لهذه‭ ‬الفترة‭ ‬والذى‭ ‬صلى‭ ‬بنفسه‭ ‬فى‭ ‬تلك‭ ‬الكنيسة،‭ ‬لكن‭ ‬الملاحظ‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬أيقونة‭ ‬من‭ ‬السبعة‭ ‬تأخذ‭ ‬شكل‭ ‬نصف‭ ‬دائرة‭ ‬من‭ ‬أعلى،‭ ‬مما‭ ‬ترك‭ ‬فراغا‭ ‬بين‭ ‬الأيقونات‭ ‬تم‭ ‬تزيينه‭ ‬بصور‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬أنبياء‭ ‬العهد‭ ‬القديم‭ ‬ارتبطت‭ ‬كتاباتهم‭ ‬بنبوات‭ ‬حول‭ ‬الأعياد‭ ‬السبعة‭.‬

فأول‭ ‬عيد‭ ‬مصور‭ ‬داخل‭ ‬الأيقونة‭ ‬هو‭ ‬عيد‭ ‬البشارة،‭ ‬وتظهر‭ ‬فيه‭ ‬السيدة‭ ‬العذراء‭ ‬وقد‭ ‬جاء‭ ‬الملاك‭ ‬جبرائيل‭ ‬لتبشيرها‭ ‬بميلاد‭ ‬السيد‭ ‬المسيح،‭ ‬والمنظر‭ ‬التالى‭ ‬يمثل‭ ‬عيد‭ ‬الميلاد‭. ‬تتوسطه‭ ‬العذراء‭ ‬مريم‭ ‬فى‭ ‬وضع‭ ‬مقوس‭ ‬الجسد،‭ ‬وتميل‭ ‬رأسها‭ ‬جهة‭ ‬اليمين‭. ‬على‭ ‬يسارها‭ ‬الطفل‭ ‬يسوع‭ ‬فى‭ ‬أقمطته‭ ‬غير‭ ‬بعيد‭ ‬عن‭ ‬حيوانات‭ ‬المزود‭ ‬المصور‭ ‬وكأنه‭ ‬مذبح‭ ‬فيبدو‭ ‬الطفل‭ ‬وأمه‭ ‬وكأنهما‭ ‬فى‭ ‬كهف‭ ‬جبلي،‭ ‬وتضم‭ ‬الأيقونة‭ ‬تصوير‭ ‬لثلاثة‭ ‬حكماء‭ ‬الذين‭ ‬يقدمون‭ ‬للمسيح‭ ‬هداياهم‭ ‬كملك‭ ‬وبالأعلى‭ ‬تُبوق‭ ‬الملائكة‭ ‬معلنة‭ ‬عن‭ ‬الميلاد‭ ‬الإلهي،‭ ‬كما‭ ‬يوجد‭ ‬ملاك‭ ‬يشير‭ ‬لرجلين‭ ‬أحدهما‭ ‬شيخ‭ ‬والآخر‭ ‬شاب‭ ‬يرمزان‭ ‬للبشرية‭ ‬التى‭ ‬ستنول‭ ‬الخلاص‭ ‬بميلاد‭ ‬المسيح،‭ ‬وقد‭ ‬كتب‭ ‬أعلى‭ ‬الملائكة‭ ‬باليونانية‭ ‬الميلاد،‭ ‬وأسفل‭ ‬الكهف‭ ‬يوجد‭ ‬منظر‭ ‬حميم‭ ‬للطفل‭ ‬يسوع،‭ ‬والذى‭ ‬صور‭ ‬يوسف‭ ‬النجار‭ ‬وهو‭ ‬يتابعه‭ ‬بتدقيق،‭ ‬والمنظر‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬الممهد‭ ‬لمنظر‭ ‬المعمودية‭ ‬الثالث‭ ‬فى‭ ‬الأيقونة‭. ‬ثم‭ ‬منظر‭ ‬دخول‭ ‬المسيح‭ ‬لأورشاليم‭ ‬راكبًا‭ ‬على‭ ‬حمار‭ ‬وهو‭ ‬الرابع،‭ ‬ثم‭ ‬الخامس‭ ‬وهو‭ ‬منظر‭ ‬النزول‭ ‬إلى‭ ‬الجحيم،‭ ‬وتحطيم‭ ‬أبوابه،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬إنقاذ‭ ‬المؤمنين‭ ‬القِدامى‭. ‬ثم‭ ‬المنظر‭ ‬السادس‭ ‬وهو‭ ‬الصعود‭ ‬إلى‭ ‬السماء‭ ‬بعد‭ ‬القيامة،‭ ‬ثم‭ ‬المنظر‭ ‬الأخير‭ ‬لحلول‭ ‬الروح‭ ‬القدس‭ ‬على‭ ‬التلاميذ‭. ‬

الدكتور‭ ‬وديع‭ ‬مالك‭ ‬مدير‭ ‬عام‭ ‬المجموعة‭ ‬الأثرية‭ ‬العلمية‭ ‬لترميم‭ ‬الأيقونات‭ ‬والرسومات‭ ‬الفنية‭ ‬فى‭ ‬حديث‭ ‬له‭ ‬لأخبار‭ ‬الأدب‭ ‬قال‭: ‬الا‭ ‬نعرف‭ ‬تحديدًا‭ ‬متى‭ ‬دخلت‭ ‬هذه‭ ‬الأيقونة‭ ‬لكنيسة‭ ‬العذراء‭ ‬بحارة‭ ‬زويلة،‭ ‬فهى‭ ‬أيقونة‭ ‬تنتمى‭ ‬إلى‭ ‬العصور‭ ‬الوسطى‭ ‬وتضم‭ ‬السبعة‭ ‬أعياد‭ ‬السيدية‭ ‬الكبرى‭ ‬فى‭ ‬المسيحية،‭ ‬حيث‭ ‬أنها‭ ‬تعود‭ ‬للقرن‭ ‬الثانى‭ ‬عشر‭ ‬من‭ ‬الميلاد‭ ‬سنة‭ ‬١١٨٦م،‭ ‬وهى‭ ‬من‭ ‬عمل‭ ‬فنان‭ ‬قبطى‭ ‬من‭ ‬قرية‭ ‬مليج‭ ‬بالمنوفية‭ ‬حاليًا،‭ ‬وطولها‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ثلاثة‭ ‬أمتار‭ ‬وارتفاعها‭ ‬حوالى‭ ‬من‭ ‬٥٠‭ ‬إلى٦٠‭ ‬سم،‭ ‬وهذا‭ ‬الشكل‭ ‬من‭ ‬الأيقونات‭ ‬نادرًا‭ ‬ما‭ ‬نجد‭ ‬لها‭ ‬مثيل‭ ‬انظرًا‭ ‬لأنها‭ ‬تمثل‭ ‬السبعة‭ ‬أعياد‭ ‬المسيحية‭ ‬داخل‭ ‬أيقونة‭ ‬واحدة،‭ ‬فالشكل‭ ‬المعتاد‭ ‬للأيقونة‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬نجدها‭ ‬تضم‭ ‬عيدًا‭ ‬واحدًا‭ ‬كعيد‭ ‬القيامة‭ ‬أو‭ ‬العماد،‭ ‬أو‭ ‬البشارة،‭ ‬أما‭ ‬أن‭ ‬نجد‭ ‬هذا‭ ‬الشكل‭ ‬فهو‭ ‬شيء‭ ‬نادر،‭ ‬وهى‭ ‬شبيهة‭ ‬بأيقونة‭ ‬أخرى‭ ‬بكنيسة‭ ‬اأبى‭ ‬سيفينب‭ ‬والتى‭ ‬تقع‭ ‬بمصر‭ ‬القديمة‭. ‬

وبالنسبة‭ ‬لعملية‭ ‬ترميم‭ ‬هذه‭ ‬الأيقونة‭ ‬فقد‭ ‬بدأت‭ ‬فى‭ ‬تسيعينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬عندما‭ ‬جاءت‭ ‬إلى‭ ‬مصر‭ ‬دكتورة‭ ‬هولندية‭ ‬الجنسية،‭ ‬ضمن‭ ‬مشروع‭ ‬لترميم‭ ‬الأيقونات‭ ‬بالمتحف‭ ‬القبطى‭ ‬لترميم‭ ‬الأيقونات‭ ‬بداخله،‭ ‬وبعد‭ ‬ذلك‭ ‬عندما‭ ‬وجد‭ ‬الدكتور‭ ‬شوقى‭ ‬نخلة‭ ‬رئيس‭ ‬الإدارة‭ ‬المركزية،‭ ‬براعة‭ ‬هذه‭ ‬الدكتورة‭ ‬فى‭ ‬هذا‭ ‬التخصص‭ ‬بسبب‭ ‬ندرته،‭ ‬قرر‭ ‬أن‭ ‬تدرب‭ ‬المرممين‭ ‬المصريين‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الأمر،‭ ‬فبدأت‭ ‬بالترميم‭ ‬فى‭ ‬أماكن‭ ‬عدة‭ ‬داخل‭ ‬مصر،‭ ‬وبدأت‭ ‬حينها‭ ‬بعملية‭ ‬ترميم‭ ‬هذه‭ ‬الأيقونة‭ ‬والتى‭ ‬لم‭ ‬تكملها‭ ‬فهى‭ ‬بدأت‭ ‬فقط‭ ‬فى‭ ‬أول‭ ‬مربع‭ ‬على‭ ‬يمين‭ ‬الأيقونة‭ ‬وبدأت‭ ‬بتعليم‭ ‬المصريين‭ ‬عملية‭ ‬الترميم،‭ ‬كعملية‭ ‬التنظيف‭ ‬تحت‭ ‬الميكروسكوب،‭ ‬أو‭ ‬عملية‭ ‬التثبيت‭ ‬والحقن،‭ ‬وبدأت‭ ‬بتعليم‭ ‬المرممين،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬توقف‭ ‬العمل‭ ‬فى‭ ‬المشروع‭ ‬لظروف‭ ‬ما،‭ ‬ونظرًا‭ ‬لأهمية‭ ‬كنيسة‭ ‬حارة‭ ‬زويلة‭ ‬بسبب‭ ‬أنها‭ ‬تبركت‭ ‬بزيارة‭ ‬العائلة‭ ‬المقدسة،‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬فى‭ ‬تلك‭ ‬الفترة‭ ‬وتحديدًا‭ ‬بداية‭ ‬الألفية‭ ‬الجديدة‭ ‬عدة‭ ‬مشاريع‭ ‬ترميم‭ ‬وضعت‭ ‬لتطوير‭ ‬مسارات‭ ‬العائلة‭ ‬المقدسة‭ ‬داخل‭ ‬مصر،‭ ‬وبدأ‭ ‬الاهتمام‭ ‬بهذه‭ ‬الكنائس‭ ‬وبالأيقونات‭ ‬بداخلها،‭ ‬وقد‭ ‬كان‭ ‬التمويل‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬جمعية‭ ‬إحياء‭ ‬التراث‭ ‬الوطنى‭ ‬المصرى‭ ‬انهراب‭ ‬وحينها‭ ‬تبنى‭ ‬الدكتور‭ ‬جودت‭ ‬جبرا‭ ‬والدكتور‭ ‬شوقى‭ ‬نخلة،‭ ‬عملية‭ ‬ترميم‭ ‬الأيقونات‭ ‬داخل‭ ‬كنيسة‭ ‬حارة‭ ‬زويلة‭ ‬وخاصة‭ ‬هذه‭ ‬الأيقونة،‭ ‬ونظرًا‭ ‬لأن‭ ‬هذه‭ ‬الجمعية‭ ‬كان‭ ‬تمويلها‭ ‬يتم‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬رجال‭ ‬أعمال‭ ‬مصريين‭ ‬استطاعوا‭ ‬استقدام‭ ‬ثلاثة‭ ‬مرممين‭ ‬من‭ ‬روسيا،‭ ‬ليساعدونا‭ ‬فى‭ ‬عملية‭ ‬الترميم،‭ ‬وبدأنا‭ ‬فى‭ ‬عملية‭ ‬ترميم‭ ‬الأيقونة،‭ ‬حيث‭ ‬حاول‭ ‬المرممون‭ ‬الروس‭ ‬ترمميها‭ ‬وفقًا‭ ‬للتكنيك‭ ‬الأوروبي،‭ ‬فحالتها‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬كانت‭ ‬سيئة‭ ‬للغاية‭ ‬ومختلفة،‭ ‬فكانت‭ ‬الألوان‭ ‬فيها‭ ‬غير‭ ‬واضحة‭ ‬وكذلك‭ ‬الرؤية،‭ ‬وكان‭ ‬بها‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المشاكل،‭ ‬وبعد‭ ‬عملية‭ ‬ترميمها‭ ‬بدأت‭ ‬الكنيسة‭ ‬فى‭ ‬تخصيص‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬الجهة‭ ‬البحرية‭ ‬بداخلها‭ ‬لإقامة‭ ‬متحف‭ ‬ووضعت‭ ‬بداخله‭ ‬هذه‭ ‬الأيقونة‭.‬

نجد‭ ‬كذلك‭ ‬أنه‭ ‬فى‭ ‬الفن‭ ‬القبطى‭ ‬لم‭ ‬يستخدم‭ ‬فيه‭ ‬الفنان‭ ‬فكرة‭ ‬االمنظورب‭ ‬أو‭ ‬البعد‭ ‬الثالث‭ ‬وعملية‭ ‬التكبير‭ ‬والتصغير‭ ‬وذلك‭ ‬لأن‭ ‬الأيقونة‭ ‬هى‭ ‬التى‭ ‬تعبر‭ ‬عن‭ ‬العقيدة،‭ ‬والعقيدة‭ ‬معروف‭ ‬عنها‭ ‬أنها‭ ‬ثابتة‭ ‬أى‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تتغير‭ ‬أبدًا،‭ ‬وهى‭ ‬فكرة‭ ‬فلسفية‭ ‬بحتة،‭ ‬كذلك‭ ‬القديسون‭ ‬عند‭ ‬رسمهم‭ ‬فى‭ ‬الأيقونات‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بالظل‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬نسميه‭ ‬بالمنظور‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬سقوط‭ ‬الظل‭ ‬لأنه‭ ‬يعتبر‭ ‬أن‭ ‬النور‭ ‬يخرج‭ ‬من‭ ‬القديس‭ ‬نفسه‭ ‬ولا‭ ‬يسقط‭ ‬عليه،‭ ‬الأمر‭ ‬الآخر‭ ‬عند‭ ‬رسم‭ ‬الـProfile‭ ‬لقديس‭ ‬ما‭ ‬داخل‭ ‬أيقونة‭ ‬ممتطيًا‭ ‬جواده‭ ‬فإنه‭ ‬فى‭ ‬هذه‭ ‬الحالة‭ ‬يتم‭ ‬وضع‭ ‬وجه‭ ‬القديس‭ ‬وصدره‭ ‬فى‭ ‬وضع‭ ‬المواجهة‭ ‬وهذه‭ ‬هى‭ ‬فكرة‭ ‬فلسفية‭ ‬أخرى،‭ ‬فمثلا‭ ‬لو‭ ‬رأيتنى‭ ‬أتحدث‭ ‬معك‭ ‬ولا‭ ‬أعيرك‭ ‬اهتماما‭ ‬بنظرى‭ ‬فهذا‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬تجاهلى‭ ‬لك،‭ ‬لكن‭ ‬حينما‭ ‬أنظر‭ ‬إليك‭ ‬فهذا‭ ‬يعنى‭ ‬أننى‭ ‬معك،‭ ‬وأيضًا‭ ‬الأمر‭ ‬نفسه‭ ‬عند‭ ‬القديس‭ ‬داخل‭ ‬الأيقونة‭ ‬فتجد‭ ‬وجهه‭ ‬مواجهًا‭ ‬للشخص‭ ‬الناظر‭ ‬إليه‭ ‬وهذا‭ ‬يوحى‭ ‬بأن‭ ‬القديس‭ ‬ينظر‭ ‬إليه‭.‬

مشاكل‭ ‬الترميم

عندما‭ ‬بدأنا‭ ‬بترميم‭ ‬هذه‭ ‬الأيقونة‭ ‬كانت‭ ‬ألوانها‭ ‬غير‭ ‬واضحة،‭ ‬ونظرًا‭ ‬لأنها‭ ‬كانت‭ ‬أيقونة‭ ‬فريدة‭ ‬فقد‭ ‬وضعتنا‭ ‬كمرممين‭ ‬أمام‭ ‬ضغط‭ ‬كبير‭ ‬وأخذت‭ ‬عدة‭ ‬أشهر‭ ‬فى‭ ‬عملية‭ ‬الترميم،‭ ‬لكن‭ ‬نحن‭ ‬عندنا‭ ‬مشكلة‭ ‬فى‭ ‬ترميم‭ ‬الأيقونات‭ ‬وهو‭ ‬أن‭ ‬الأيقونة‭ ‬تضم‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المواد‭ ‬العضوية‭ ‬وغير‭ ‬العضوية،‭ ‬فمثلا‭ ‬الخشب‭ ‬هو‭ ‬مادة‭ ‬عضوية‭ ‬وله‭ ‬طريقة‭ ‬ترميم‭ ‬مختلفة‭ ‬فطريقة‭ ‬التعامل‭ ‬معه‭ ‬تكون‭ ‬مختلفة‭ ‬وفقًا‭ ‬لحالته‭ ‬وظروفه‭ ‬كالإصابات‭ ‬الحشرية،‭ ‬والتلف‭ ‬والتحلل،‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬يضم‭ ‬طبقة‭ ‬من‭ ‬القماش‭ ‬وطبقة‭ ‬أخرى‭ ‬تقع‭ ‬بين‭ ‬طبقة‭ ‬القماش‭ ‬والخشب‭ ‬وهى‭ ‬المسئولة‭ ‬عن‭ ‬عملية‭ ‬اللصق‭ ‬بينهما‭ ‬ولها‭ ‬مشاكلها‭ ‬الخاصة‭ ‬بها‭ ‬كالتمدد‭ ‬والانكماش،‭ ‬لكن‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬طبقة‭ ‬التحضير‭ ‬يدخل‭ ‬بداخلها‭ ‬الجزء‭ ‬العضوى‭ ‬وغير‭ ‬العضوي،‭ ‬فمثلًا‭ ‬الجبس‭ ‬هو‭ ‬مادة‭ ‬غير‭ ‬عضوية،‭ ‬والروابط‭ ‬التى‭ ‬تستخدم‭ ‬كالغراء‭ ‬أو‭ ‬الجيلاتين‭ ‬هى‭ ‬مواد‭ ‬عضوية،‭ ‬وكذلك‭ ‬طبقة‭ ‬الألوان‭ ‬هى‭ ‬أكاسيد‭ ‬لونية‭ ‬غير‭ ‬عضوية،‭ ‬فجميع‭ ‬هذه‭ ‬المُركبات‭ ‬لها‭ ‬طريقة‭ ‬تعامل‭ ‬مختلفة‭ ‬وفقًا‭ ‬للظروف‭ ‬الجوية‭ ‬المحيطة،‭ ‬كالحرارة‭ ‬والرطوبة‭ ‬التى‭ ‬قد‭ ‬تعرض‭ ‬الأيقونة‭ ‬للتلف،‭ ‬وهذا‭ ‬الأمر‭ ‬يتطلب‭ ‬مجهودًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬منا‭ ‬كمرممين،‭ ‬وحالة‭ ‬الأيقونة‭ ‬هى‭ ‬ما‭ ‬تحدد‭ ‬لنا‭ ‬طريقة‭ ‬ترميمها‭.‬

من‭ ‬وجهة‭ ‬نظرى‭ ‬كمرمم‭ ‬فمصر‭ ‬رصيدها‭ ‬من‭ ‬أيقونات‭ ‬العصور‭ ‬الوسطى‭ ‬قليل‭ ‬للغاية‭ ‬نظرًا‭ ‬لأن‭ ‬الأيقونات‭ ‬كانت‭ ‬مغطاة‭ ‬بطبقة‭ ‬الـvarnish‭ ‬وهذه‭ ‬الطبقة‭ ‬تكون‭ ‬معتمة‭ ‬ومع‭ ‬الوقت‭ ‬تحدث‭ ‬عملية‭ ‬الإعتام‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تصبح‭ ‬معالمها‭ ‬غير‭ ‬واضحة‭ ‬وسوداء،‭ ‬ولأن‭ ‬المصريين‭ ‬فى‭ ‬العصور‭ ‬الوسطى‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬لديهم‭ ‬فكرة‭ ‬الترميم،‭ ‬ونظرًا‭ ‬لأنه‭ ‬لا‭ ‬يجوز‭ ‬رمى‭ ‬الأيقونة‭ ‬عندما‭ ‬تتلف،‭ ‬فكان‭ ‬يتم‭ ‬حرقها‭ ‬نظرًا‭ ‬لقدسيتها‭ ‬وكانت‭ ‬هذه‭ ‬هى‭ ‬الطريقة‭ ‬الوحيدة‭ ‬للتخلص‭ ‬منها،‭ ‬وأحيانا‭ ‬أخرى‭ ‬نظرًا‭ ‬لأن‭ ‬مصر‭ ‬كانت‭ ‬فقيرة‭ ‬فى‭ ‬الاخشاب،‭ ‬كان‭ ‬يتم‭ ‬إعادة‭ ‬رسمها‭ ‬لكن‭ ‬هذا‭ ‬الأسلوب‭ ‬لم‭ ‬يتبع‭ ‬كثيرًا،‭ ‬لكن‭ ‬بالطبع‭ ‬الفكر‭ ‬الحديث‭ ‬سمح‭ ‬بالترميم‭ ‬لأنه‭ ‬أصبح‭ ‬علمًا‭ ‬يدرس‭.‬

التصوير‭ ‬فى‭ ‬المسيحية

هناك‭ ‬فرق‭ ‬بين‭ ‬الأيقونة‭ ‬والصورة،‭ ‬فالأيقونة‭ ‬هى‭ ‬صورة‭ ‬معتمدة‭ ‬أى‭ ‬مادامت‭ ‬الصورة‭ ‬قد‭ ‬دخلت‭ ‬الكنيسة‭ ‬واعتمدت‭ ‬فتصبح‭ ‬فى‭ ‬هذه‭ ‬الحالة‭ ‬أيقونة،‭ ‬وهى‭ ‬تعتمد‭ ‬من‭ ‬أسقف‭ ‬المنطقة‭ ‬لذلك‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تعتمد‭ ‬من‭ ‬الأسقف،‭ ‬وأنها‭ ‬تناسبها‭ ‬من‭ ‬معتقدات‭ ‬دينية،‭ ‬الأمر‭ ‬الثانى‭ ‬أن‭ ‬الأيقونات‭ ‬القبطية‭ ‬ترسم‭ ‬بالأكستيد‭ ‬المختلط‭ ‬بصفار‭ ‬البيض‭.‬

لكن‭ ‬هنا‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نعلم‭ ‬سبب‭ ‬وجود‭ ‬الأيقونات‭ ‬داخل‭ ‬الكنيسة‭ ‬قديمًا،‭ ‬فمعظم‭ ‬الناس‭ ‬كانوا‭ ‬لا‭ ‬يعرفون‭ ‬القراءة‭ ‬ولا‭ ‬الكتابة،‭ ‬والكتاب‭ ‬المقدس‭ ‬فى‭ ‬تلك‭ ‬الفترة‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬متوافرًا‭ ‬بصورة‭ ‬كبيرة‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬متداولًا،‭ ‬لذلك‭ ‬الناس‭ ‬كانت‭ ‬تلجأ‭ ‬للصور‭ ‬الموجودة‭ ‬داخل‭ ‬الكنيسة‭ ‬لمعرفة‭ ‬الموضوعات‭ ‬الدينية‭ ‬فكل‭ ‬صورة‭ ‬كانت‭ ‬تحمل‭ ‬قصة،‭ ‬والدليل‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬أنك‭ ‬لو‭ ‬ذهبت‭ ‬لمصر‭ ‬القديمة‭ ‬فستجد‭ ‬٦٥‭ ‬أيقونة‭ ‬وهى‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬موضوعات‭ ‬من‭ ‬الكتاب‭ ‬المقدس،‭ ‬ومن‭ ‬يطلع‭ ‬عليها‭ ‬كأنه‭ ‬قرأ‭ ‬الكتاب‭ ‬المقدس‭ ‬فالأيقونة‭ ‬هى‭ ‬كتاب‭ ‬مرئى‭ ‬يخص‭ ‬التصوير‭ ‬فى‭ ‬العصر‭ ‬المسيحي،‭ ‬فالشعب‭ ‬اليونانى‭ ‬كان‭ ‬يميل‭ ‬إلى‭ ‬التصوير‭ ‬أما‭ ‬الشعب‭ ‬العبرانى‭ ‬فكان‭ ‬يميل‭ ‬للكتابة،‭ ‬والأمر‭ ‬يظهر‭ ‬جليًا‭ ‬فى‭ ‬العهد‭ ‬القديم‭ ‬والذى‭ ‬استخدم‭ ‬فيه‭ ‬فعل‭ ‬الأمر‭ ‬ااسمعب‭ ‬لكن‭ ‬فى‭ ‬العهد‭ ‬الجديد‭ ‬استخدم‭ ‬فعل‭ ‬الأمر‭ ‬اانظرب‭ ‬لذلك‭ ‬فالخالق‭ ‬أراد‭ ‬ان‭ ‬يكلم‭ ‬كل‭ ‬شعبه‭ ‬بطريقته‭ ‬الخاصة‭ ‬به،‭ ‬فالنظرة‭ ‬هنا‭ ‬جاءت‭ ‬مكملة‭ ‬للصورة‭ ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬جاءت‭ ‬فكرة‭ ‬الأيقونة‭.‬

الأمر‭ ‬الآخر‭ ‬أنه‭ ‬فى‭ ‬العهد‭ ‬القديم‭ ‬حُرم‭ ‬التصوير،‭ ‬ولم‭ ‬يحرم‭ ‬فى‭ ‬العهد‭ ‬الجديد‭ ‬وذلك‭ ‬لأنه‭ ‬فى‭ ‬العهد‭ ‬القديم‭ ‬حينما‭ ‬ذهب‭ ‬موسى‭ ‬إلى‭ ‬الجبل‭ ‬كى‭ ‬يأخذلوح‭الشريعة،‭ ‬أخذ‭ ‬الناس‭ ‬بعبادة‭ ‬العجل‭ ‬وكان‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬تمثال،‭ ‬لذلك‭ ‬حرم‭ ‬التصوير‭ ‬وإقامة‭ ‬التماثيل،‭ ‬والدليل‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬حينما‭ ‬تاب‭ ‬اليهود‭ ‬وعرفوا‭ ‬خطأهم‭ ‬سمح‭ ‬لهم‭ ‬الرب‭ ‬بإقامة‭ ‬التماثيل‭ ‬والصور‭ ‬مرة‭ ‬أخرى،‭ ‬وأيضًا‭ ‬الأمر‭ ‬نفسه‭ ‬حدث‭ ‬فى‭ ‬الجزيرة‭ ‬العربية‭ ‬حينما‭ ‬حرمت‭ ‬التماثيل‭ ‬والصور‭ ‬فى‭ ‬بداية‭ ‬الإسلام،‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يتخذ‭ ‬الناس‭ ‬هذه‭ ‬التمثايل‭ ‬أوثانًا‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭.‬