إنها مصر

رحلة العائلة المقدسة

كرم جبر
كرم جبر

أول موضوع صحفى كتبته كان فى مجلة صباح الخير بعنوان "رحلة العائلة المقدسة إلى دير المحرق"، وكان مسئول التحرير فى ذلك الوقت هو الأستاذ صبرى موسى رحمه الله، وكان يعرف كيف يوظف طاقات الشباب، ويستخرج منهم أحسن ما عندهم.

دير المحرق إحدى قرى القوصية، مدينتى التى نشأت فيها، وكان الدير يتحول أثناء الصيف إلى منتدى عالمى للزائرين، سواء من مختلف المحافظات المصرية أو من الخارج، وكانت أتوبيسات السياحة الكبيرة تسير فى شوارع المدينة فى طريقها إلى الدير فى مشهد جميل.

وتتحول الصحراء المحيطة بالدير إلى ساحة كبيرة للخيام التى يبيت فيها الزائرون وألعاب الموالد الشهيرة، والفرق الفنية الشعبية التى تحيل الليل إلى نهار، وكنا ننتظر الصيف بشغف، لنذهب إلى الدير ونقضى بعض الأيام الجميلة.

دير المحرق مكان عزيز للمسيحيين وأيضاً للمسلمين والأساس أن الأوامر الإلهية صدرت إلى يوسف النجار "قم وخذ الصبى وأمه واذهب إلى قلب مصر" والصبى هو السيد المسيح وأمه هى السيدة مريم العذراء، التى لها فى قلوب المسلمين أعظم قدر من المحبة والتقديس، أما قلب مصر فهو منطقة الدير.

كان ذلك قبل السبعينات، ولم يكن صعيد مصر يعرف معنى التطرف والإرهاب، حتى أطبق طيور الظلام على جامعة أسيوط، فأصبحت صوبة خرج منها الإرهابيون الذين روعوا البلاد لسنوات طويلة.

وفجأة تحولت الصحراء التى كانت منتدى للزائرين إلى مكان موحش وخرب، بعد أن قام بعض الإرهابيين باغتيال بعض زوار الدير فتقرر منع إقامة المولد، وبناء أسوار عالية حول الدير لحمايته من الهجمات الإرهابية.

لهذه الأسباب ففكرة إحياء مسار العائلة المقدسة التى يجرى الإعداد لتنفيذها الآن، يمكن أن نفتح مجالاً هائلاً لمشروعات سياحية كبرى، شريطة التمهيد الإعلامى والنفسى للفكرة، حتى لا يقع ما يعكر صفوها.

مسار العائلة المقدسة يحتاج تجهيزات هائلة فى المناطق التى مرت بها وعاشت فيها، لتوفير الراحة والطمأنينة للسائحين، سواء من الداخل أو الخارج، حيث مرت العائلة بأكثر من 25 منطقة آخرها الدير المحرق أو جبل أسيوط، وكلها مناطق تشتاق لمشروعات كبرى يجرى تنفيذها لإحياء المسار على نحو يليق بمصر وحضارتها.

مسار العائلة المقدسة ليست مشروعاً دينياً مسيحياً بل لمصر كلها، ومصر كانت ودائماً وطناً آمناً لاستقبال الرسل والأنبياء وحمايتهم، وكان المصريون أول من آمنوا بأن للكون إلها واحدا.