نصيحة فرعونية .. كيف تهدأ من رئيسك الغاضب ؟

حكيم المصري القديم آني
حكيم المصري القديم آني

«الحياء والوقار» من أخلاق المصريين القدماء التي حرصوا على الالتزام بها ودعوا غيرهم إلى التحلي بها؛ وهو الخلق الذي ما انتشر في قوم إلا وسادت المودة فيما بينهم، وما خلا منه قوم إلا وعمّت الرزيلة والفحشاء حياتهم، وقد حث المصريون القدماء على تطبيقه في حياتهم ومعاملاتهم، وقد ورد في أدبياتهم ما يدل على حرصهم على ذلك؛ وخاصة عند زيارة الآخرين وتناول طعامهم، وقد صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: "إنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ الْأُولَى: إذَا لَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَعْ مَا شِئْت" (رواه البخاري).

ويجدر بنا هنا أن نبدأ بكلمات للحكيم المصري القديم "آني" وهو ينصح ابنه بالحياء عند التعامل مع من هو أكبر منه سنا، فيقول: لا تبقَ جالسا حين يكون شخص أكبر منك سنا أو مركزا واقفا، ولا تسب من يكبرك سنا؛ فإنه قد شاهد نور الرب قبلك، دعه يضربك ويدك في خاصرتك، ودعه يسبك -إن أراد -وأنت صامت! 

كما أوصاه بأن يلتزم الوقار عند زيارة بيوت الآخرين؛ فقال: لا تكن سليطا ولا متطفلا، ولا تدخل منزلا أجنبيا ما لم تكن مدعو، وعندما تكون في منزل أناس آخرين؛ وترى عينك شيئا فالزم الصمت، ولا تبح به لأي شخص كان في الخارج؛ حتى لا تكون لك جريمة كبرى، عندما يصل أمره إلى الأسماع.

وعند الطعام يوصيه بالتزام هذا الخلق الكريم أيضا؛ فيقول: كن وقورا حين تتناول طعامك، وإذا جلست مع أشخاص كثيرين فاصطنع كراهية الطعام، حتى ولو كنت شديد الرغبة فيه، فإن قدحا من الماء يروى الظمأ، وطبقا بسيطا يكفيك؛ فالقليل يُغني عن الكثير، فإنه تعسٌ ذلك الرجل الشره من أجل جسده، وإذا جالست مع شخص شره فلا تأكل إلا بعد أن يفرغ من وجبته، وإذا جلست مع سكِير فلا تتناول شيئا إلا بعد أن يفرغ من وجبته.

كما حذره من الإفراط في شرب الخمر؛ فقال: لا تفرط في الشراب، فإنك إن تكلمت خرجت من فمك عبارة أخرى، وإنك لتسقط فتتهشم أعضاؤك ولا يمد إليك أحد يده، ويقوم رفقاؤك ويقولون: ألا بعدا لهذا الأحمق.

وأوصاه بالوقار والهدوء عند التعامل مع الآخرين، فقال: لا تُجب رئيسا غاضبا بل حاول تهدئته، وابتعد عن طريقه، وإذا خاطبك شخص بألفاظ جارحة فخاطبه بكلام عذب، وهدئ من ثورته، ولا تدخل المحكمة أو تخرج منها حتى لا ينتن اسمك، ولا تضع ثقتك في الغني ولا تعتمد على ميراث، ولا تقل إن والد أمي يمتلك بيتا؛ لأنه عندما يأتي وقت القسمة مع إخوانك فقد لا تتسلم أكثر من مخزن، وادع بقلب محب، ولا تجهر بصوتك يستجيب الرب لدعائك، ويسمع ما تقول ويتقبل قربانك.

وبكلمات قريبة من كلمات الحكيم "آني" ينصح الوزير "كارسو" ابنه "كاجمنى" فيقول: إذا جالست قوما فتعفف عن الطعام ولو كنت تشتهيه؛ فإنها بُرهة قصيرة تُقهر الرغبة فيها، وقد خسأ من شره جوفه، وإذا جالست نهما فكل عندما تنتهي شهيته، وإذا شربت مع سِكير فشاركه حتى يبلغ كفايته، فالمرء إذا برئ من ملامة الطعام لن تسوؤه كلمة، وإن قدحا من الماء يروي علة الظامئ، وملء الفم من حشائش الأرض يقيم أود القلب، ونزر قليل يغنى عن الكثير كله.

ويُكمل الحكيم "بتاح حتب" تلك المعاني السامية للوقار عند حضور الطعام؛ فيقول: إذا كنت من بين الجالسين على مائدة وكان من هو أكبر منك؛ فخذ ما يُقدم لك حينما يوضع أمامك، ولا تنظرن إلى ما هو موضوع أمامه، بل انظر إلى ما هو موضوع أمامك، ولا تُصوبّن نظرات كثيرة إليه لأن ذلك مما تشمئز منه النفس، ولا تتكلم حتى يخاطبك، واضحك عندما يضحك؛ فإن هذا يبهج قلبه ويجعل ما تفعله مقبولا لديه.

«الحضارة التراثية».. من أخلاق المصريين القدماء «حفظ اللسان»