بسببها نشبت حرب.. قصة مولد أول عملة في الإسلام

صورة موضوعية
صورة موضوعية

رصد الدكتور الشافعي محمد زهران، مدير عام الحفائر بوسط الدلتا، بدايات ظهور المسكوكات الإسلامية وأهميتها. 

وأشار الدكتور الشافعي محمد زهران، إلى ذكر الدينار بلفظ المفرد في سورة آل عمران في قوله تعالى (وَمِنْ أَهْلِ الْكِتٰبِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) {آل عمران آية 75}، أما  الدرهم في القرآن الكريم بصيغة الجمع في قوله في سورة يوسف (وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُوْدَةٍ) {يوسف آية 20}.

 وتابع أن في الحديث الشريف فقد ورد ذكرُهما كثيرًا من ذلك قوله عليه الصلاة والسلام «الدينار بالدينار لا فضلَ بينهما والدرهم بالدرهم لا فضلَ بينهما فمن كانت له حاجة بورق ( فضة ) فليصرفها بذهب ومن كانت له حاجة بذهب فليصرفها بالورق. الورق الدراهم المضروبة – والصرف هاء وهاء – أي يدًا بيد».

ويذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشترى حائطًا لبني النجار مساحتها 4200 مترًا بنى عليها مسجده بعشرة دنانير ذهبًا دفعها من مال أبي بكر الصديق رضي الله عنه واشترى عثمان بن عفان رضي الله عنه في عهد الرسول أرضًا زادها في المسجد بعشرة آلاف درهم.

وأضاف "ومنه قوله صلى الله عليه وسلم (تَعِسَ عبدُ الدينار تَعِسَ عبدُ الدرهم وعبد الخميصة) - الخميصة: ثوبٌ من قز أو صوف معلم - إن أُعْطِىَ رضي وإن لم يُعْطَ سخط تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتعش) أي إذا شاكته شوكة فلا قدر على انتقاشها أي إخراجها بالمنقاش – وهذا دعاء على من انقطع للدنيا وباع نفسه للمادة لا يرى للحياة غايةً وغير زينه وجمع الحطام ولقد أبلغ الحديث في ذم من كانت هذه حاله حين عبر عنه بعبد الدينار والدرهم.

وأشار إلى أنه "ومما قيل في هذا المعنى شعرًا : (النار آخـــر دينار نطقتَ بــه.. والهمُّ آخر هذا الدرهم الجاري.. والمرء بينهما مالم يكن وَرِعـــًا.. مُعَذَّبُ القلبِ بين الهم والنــار)".

ويلقى خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان، مدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمى بجنوب سيناء، الضوء على هذه الدراسة موضحًا أنه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم استمر الخلفاء الراشدون رضي الله عنهم على نهج النبي بالتعامل بالمسكوكات النقدية الأجنبية، وذكر ابن خلدون في مقدمته أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وضع ماهية الدرهم الشرعي في قوله (اعلم أن الاجتماع منعقد منذ صدور الإسلام  وعهد الصحابة والتابعين أن الدرهم الشرعي هو الذي تزن العشرة منه سبعة مثاقيل من الذهب والأوقية منه درهمًا وهو على هذا سبعة أعشار الدينار ووزن المثقال من الذهب اثنتان وسبعون حبةً من الشعير، فالدرهم الذي هو سبعة أعشاره خمسون وخمسمائة حبة وهذه المقادير كلها بالإجماع).

وعلى هذا كانت النقود الإسلامية على النمط البيزنطي ثم الساسانى ابتداءً من سنة 15هـ في عهد عمر بن الخطاب وظهر عليها بعض العبارات الإسلامية مثل «الحمد لله» و«لا إله إلا الله» وأحياناً ظهر عليها اسم الخليفة عمر وفي العهد الأموي ضرب معاوية الدراهم والدنانير، وظهر اسم معاوية على  هذه النقود أحيانًا كما ظهر عليها بعض العبارات الإسلامية مثل «بسم الله».

وينوه الدكتور ريحان من خلال الدراسة إلى أن النقود الإسلامية في كل هذه العصور وفي عهد عبد الملك بن مروان حتى سنة 76هـ كانت تسير في فلك النقود البيزنطية شكلاً ووزنًا وكانت في الغالب لا تزيد عن إضافة كلمات إسلامية للدنانير البيزنطية أما عبد الملك فلم يقنع وإنما أحدث تغييرًا شاملاً في ضرب الدنانير بوجه خاص والنقود الفضية والنحاسية بوجه عام وسبب ذلك أن عبد الملك أثبت على القباطي المصري جملةً إسلاميةً هي (بسم الله الرحمن الرحيم) وكانت الروم تشتري هذه القباطي من مصر الإسلامية وكانوا يستعملونها في الورق وقد أحزن ذلك الروم فطلب إمبراطور الروم من عبد الملك أن يحذف من القباطي هذه العبارة الإسلامية ولم ير عبد الملك أن يستجيب له وكره أن يبطل سنةً حسنةً استنها فاغتاظ إمبراطور الروم وهدد بأنه إذا لم تحذف هذه الجملة فسيأمر بكتابة عبارة تعارض التفكير الإسلامي على عملة الروم وهي العملة المستعملة كثيرًا في العالم الإسلامي. إزاء هذا التهديد كان على عبد الملك أن يجد طريقًا ليستمر في كتابة البسملة وفي الوقت نفسه يتحاشى استعمال نقود الروم وكان ذلك بدء التفكير الجدي لإنتاج نقود إسلامية.

وتابع الدكتور ريحان، أن شكل الدينار الذهبي الإسلامي الذي سكه عبد الملك عام 77هـ جاء على النحو التالي : نقش على حد الوجهين (الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد) ونقش على مدار الوجه نفسه (بسم الله ضرب هذا الدينار في سنة سبع وسبعين) أما على الوجه الآخر فقد نقش (لا إله إلا الله وحده لا شريك له) ونقش على مداره (محمد رسول الله أرسله بالهدى ونور الحق ليظهره على الدين كله) أما وزن هذا الدينار فقد كان 4.25 غرام وهو الوزن الشرعي للدينار وكانت نسبة الذهب فيه نحو 96% لقد كان وقع سك الدينار على بيزنطة بالغ القسوة؛ حيث فقد جستيان الإمبراطور البيزنطي صوابَه وأعلن الحرب على عبد الملك؛ ولكنها انتهت بهزيمة القوات البيزنطية هزيمةً منكرةً في منطقة «قلقيلية» بآسيا الصغرى.

ثم أخذ الدينار الإسلامي بالانتشار التدريجي وغدا العملة الذهبية الوحيدة في العالم الإسلامي من حدود الصين شرقاً إلى الأندلس غربًا ووضعت الدولة العربية الإسلامية النظم والقواعد لدعمه وحمايته؛ ولكن لم يقتصر انتشار هذا الدينار داخل حدود العالم الإسلامي، وإنما اجتازها إلى مدن العالم القديم وأسواقه، وتسرب إلى مناطق لم يصل إليها التجار المسلمون، وغدا بالتالي نقدًا دوليًّا رئيسيًّا على امتداد خمسة قرون من تاريخ العصور الوسطي.


اقرأ أيضا | 5 علامات تدل على أنك بحاجة إلى إجازة عمل