إلهام شاهين: التمثيل عندى ليس وظيفة وأحترم تاريخى

إلهام شاهين
إلهام شاهين

حوار خالد محمود

تبقى‭ ‬الفنانة‭ ‬إلهام‭ ‬شاهين‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬أبرز‭ ‬نجمات‭ ‬جيلها‭ ‬فى‭ ‬التمثيل،‭ ‬بمسيرة‭ ‬فنية‭ ‬حافلة‭ ‬بأعمال‭ ‬سينمائية‭ ‬بارزة‭ ‬كانت‭ ‬فيها‭ ‬النموذج‭ ‬المثالى‭ ‬لصورة‭ ‬المرأة‭ ‬والنجمة‭ ‬على‭ ‬الشاشة‭ ‬وكشفت‭ ‬عن‭ ‬موهبة‭ ‬استثنائية‭ ‬تجمع‭ ‬بين‭ ‬النضج‭ ‬والجاذبية‭ ‬وذكاء‭ ‬الاختيار،‭ ‬منذ‭ ‬بداية‭ ‬انطلاقها‭ ‬وعمرها‭ ‬17‭ ‬عاما‭ ‬وحتى‭ ‬وصولها‭ ‬للفيلم‭ ‬رقم‭ ‬مائة‭ ‬فى‭ ‬رحلتها‭ ‬وهو  "‬حظر‭ تجول" ‬التى‭ ‬توجت‭ ‬فيه‭ ‬بجائزة‭ ‬أفضل‭ ‬ممثلة‭ ‬بمهرجان‭ ‬القاهرة‭ ‬السينمائي،‭ ‬وقدمت‭ ‬دورا‭ ‬مدهشا‭ ‬وثريا‭ ‬ومغايرا،‭ ‬ملمة‭ ‬بفلسفته‭ ‬وتركيبته‭ ‬النفسية‭ ‬المعقدة،‭ ‬لزوجة‭ ‬مظلومة‭ ‬ارتكبت‭ ‬جريمة‭ ‬ودفعت‭ ‬ثمنها‭ ‬غاليا‭. ‬تؤمن‭ ‬بنفسها‭ ‬لأقصى‭ ‬حد‭ ‬وتثق‭ ‬فيما‭ ‬تقدمه‭ ‬ولا‭ ‬تعترف‭ ‬بحدود‭ ‬للزمن‭ ‬وهى‭ ‬فى‭ ‬هذا‭ ‬الحوار‭ ‬تكشف‭ ‬عن‭ ‬فلسفتها‭ ‬فى‭ ‬الحياة‭ ‬والفن‭ ‬وكيف‭ ‬نجت‭ ‬فى‭ ‬رسالتها‭..‬

تقول إلهام شاهين دائما كان يقال لى يعرض عليك أعمال كثيرة وترفضينها فهل اعتزلتى.. السؤال كان دائما يوجه لى من كل من هم حولى، والإجابة كانت أنى لا أريد أن أقدم سوى عمل له قيمته واتضح لى أنى كنت محقة فى ذلك، فحينما قدمت عملا مثل "حظر تجول" الكل أثنى عليه وتوج بالجائزة وكنت سعيدة جدا أن هذه الجائزة لم تكن فقط من لجنة التحكيم بل كانت أيضا ليلة العرض الأول للفيلم بالمهرجان التى حضرها كثير من الفنانين والنجوم والنقاد والجمهور، كل من شاهد الفيلم صافحنى فى نهاية العرض قالوا لى سنبارك لك على الجائزة بالختام، كان هذا الإجماع بهذا الشكل أمرا غير عادى مما منحنى ثقة فى قرارى، وهو حين أعود يجب أن يكون بشيء محترم مما يجعلنى اكسب ثقة جمهورى، الناس تعلم ان إلهام حينما تقدم عملا فإن لهذا العمل قيمته، الحمد لله حققت نجاحات كثيرة وحصدت جوائز كثيرة، والواقع اننى احترم تاريخى وأحافظ عليه، فيجب ألا أقبل أى عمل أو اتواجد لمجرد التواجد، ولا أريد أن يأتى علىّ هذا اليوم، أريد أن أظل محتفظة بقيمتى عند جمهورى؛ لأنى تعبت جدا من أجل صناعة هذا الاسم) إلهام شاهين (لكى أكسب ثقة الجمهور أو لقبا مثل صائدة الجوائز، كل هذه الأمور ليست سهلة، ويوم بعد يوم تتأكد أن رؤيتى وقرارى كان صحيحا، دائما أريد أن أفاجئ جمهورى بشكل جديد لم أقدمه من قبل سواء على مستوى الشكل أو الأداء ودائما أسأل نفسى هل مازال لدى القدرة أن أفاجئ الناس وهذا يتطلب مجهودا فائقا فى الاختيار، والحمد لله مؤخرًا كل عمل قدمته كان مفاجأة حقيقية للناس فمثلا "يوم للستات" حصل على ٢١ جائزة و"خلطة فوزية" حصد ١٧ جائزة وما بينهما قدمت "واحد صفر" صاحب الخمسين جائزة.

- حينما تظهرين مع بطلات آخريات تبدين الأكثر موهبة كيف ترين هذا النضج؟

من زمان كنت أقول عن نفسى أنه قد يكون ليس لدى ثقة فى أشياء كثيرة لكن الشىء الوحيد الذى أثق به ومتأكدة منه أنى ممثلة جيدة وبأعتمد على موهبتى وعشقى للفن لم أعتمد يوما على جمال الشكل أو الإبهار بملابس أحدث موضة ولا أحدث تسريحة شعر، هذه الأمور التى تشغل النجمات أنا لا أنشغل بها، انشغالى دايما بالدور فكثيرا ما ظهرت بسن أكبر من سنى بمراحل، وقدمت دور الأم لشباب ممكن أطلع بحبهم فى أفلام، لا يعنينى حجم الدور وهذا الأمر ليس من الآن بل من زمان وأنا صغيرة من أيام ما قدمت "أيام الغضب" وكان لى فقط سبعة مشاهد حصدت بها ثلاث جوائز منها جائزة دولية، دائما أقول إنى بمشهد واحد أؤكد أنى ممثلة لديها ثقة بالنفس، لا أخشى أن يبدو شكلى قبيحا فمثلا فى فيلم "الهلفوت" كنت أعمل مكياجا للقبح كالشعر الأكرت والشفاه البيضاء لتدل على الأنيميا وكنت أضع شحما على كعوب قدمى من أجل واقعية الشخصية، لا أخشى أن أطل على الجمهور بدون مكياج أو قبيحة أو بمكياچ امرأة عجوز أو دور كبير أو صغير ولا بطولة جماعية كل هذا نابع من أنى أعتمد على فنى بالدرجة الأولى فالأمور المبهرة فى النجومية لا تعنينى، أخذت خطأ بمفردى من زمان بطريقة تفكيرى وربما يعود ذلك لأننى درست الفن، لقد درست لذا أجيد اختيار أدوارى فأنا مثلا درست السيناريو، البعض يتصور أننا ندرس التمثيل فقط وهذا غير صحيح نحن ندرس كل ما هو حول المهنة من إخراج وحرفية سيناريو وموسيقى والمكياچ، الدراسة تثقل الموهبة، وهذا ما يساعد الفنان فى جودة الاختيار، بالإضافة إلى الخبرة عبر الزمن فقد بدأت العمل مبكرا جدا ومنذ كان عمرى ١٧ سنة.

- فى تجربة "حظر تجول" ما هو أول شىء جال بخاطرك وأنتى تقدمين هذه التركيبة النفسية والشكلية الصعبة؟

الجزء الشكلى لم يكن موجودا بالسيناريو، فالسيناريو كان يقول إن البطلة كانت فى الخمسينيات وتزوجت وهى فى العشرينيات من عمرها ودخلت السجن وبنتها عمرها ست سنوات، ولكنى حرصت أن الشكل يبدو سبعين عاما لأن من وجهة نظرى إن ما مرت به من هموم يجعلها تبدو أكبر من سنها الحقيقية وكثيرًا ما يسألوننى: لماذا اخترتى أن يبدو شكلك كبيرًا هكذا، بينما أنا حسيت إن الشخصية لابد أن يكون شكلها هكذا وهذا خيالى أنا تماما، وقد سألت وعرفت أنهم فى السجون يعيشون حياة طبيعية جدًا وممكن يصبغون شعرهم أو يضعون وسائل التجميل الأخرى لكن أنا رأيت أن الحالة النفسية لفاتن دفعتها لترك شعرها الأبيض وعدم رغبتها فى الحياة فهى مسجونة مظلومة ولا يسأل عليها أحد.

لم تجد طيلة ٢٠عاما أى حنان من أى نوع، فى فنانين قد يقولون المخرج لم يطلب منى أن أكبر نفسى وهذا ليس موجودًا فى السيناريو فلماذا أكبر نفسى، لكن هذا هو خيالى أنا كإلهام حسيت إنى حينما فعلت ذلك أضفت كثيرا للشخصية، وعلى فكرة الشكل الخارجى من الشخصية هو 50% من النجاح والخمسين الأخرى للأداء فمهما تؤدى ولا يوجد مصداقية لا تصل أبدًا إلى ما تريد.

- ما أصعب المشاهد التى واجهتها فاتن ؟

مشهد دخولى على الزوج وهو يعتدى على الابنة، والمخرج فضّل ألا يكون هناك عنف أو جرح للمشاهد وألا ترى العين ما يجرحها لا موقف الاعتداء على الطفلة ولا القتل وقد احترمت فكر المخرج فى هذه الجزئية لأنه وصل المعنى بمنتهى البساطة والتحضر دون أن يجرح المتلقى والمشاهد، وعموما أكره الأعمال التى بها عنف ودم ولذلك أحببت هذا الفيلم وأسلوب أمير رمسيس الراقى.

- كيف رصد العمل مأساة فاتن بدون فلاش باك ممل ؟

الفلاش باك فى قصة فاتن كان بسيطا جدا وكان الهدف منه بالأساس كيف ضحت الأم بالصمت ودفعت ٢٠ سنة من عمرها حتى لا تجرح أو تفضح بنتها.

- طغى على شخصية فاتن المرح والرضى رغم قسوة ما مر بها؟

شخصية فاتن طيبة للغاية وإنسانة جدًا، وفى الحياة نعيش كل الأمور الطيبة والشر، الحرب والاستسلام مفيش شخصية بتكون واجهة واحدة، وفاتن كده شخصية من لحم ودم، بها كل المتناقضات، قوية جدا وضعيفة جدا ممكن دمها خفيف وتبكى أيضا، وقد فوجئت مع عرض الفيلم أن هناك ضحكا فى الصالة، رغم أن الفيلم ليس تصنيفه كوميديا، عادة فى المهرجانات يصفق الجمهور للأمور الدرامية العالية لكن أن يصفق الجمهور للضحك أسعدنى هذا جدًا، والإضحاك هنا لم يكن مقصودًا بل تلقائى.

- ما هى الجملة التى لا تنسيها من "حظر تجول"؟

فى مشهد فلسفى بعض الشىء، حينما تحدثت عن الاختيار وقالت لابنتها "إنتى اخترتى لكن أنا لم أختر أبدًا فى حياتى "شعرت أن الجملة لمستنى جدًا وتمس الإنسان، فحينما تفرض عليك الظروف ألا يكون لك حتى حق الاختيار فى مصيره فهو أمر صعب جدًا، لذا شعرت أنها جملة للإنسانية بشكل عام، أصعب شيء لم يكن الحبس ولكن أصعب شىء هو حرمانى من الاختيار ووجدت كثيرًا فى الحياة يحرمون من حقهم فى الاختيار.

- هل السينما مطالبة بتناول قضايا حساسة مثل زنا المحارم وهل تستطيع أن تأتى بنتائج؟

طبعا لو مدروسة صح تأتى بنتائج رائعة، والمفروض أن كل فيلم تطرح من خلاله قضية فالسينما ليست للتسلية فقط، خاصة أن الواقع أثبت أن هذه الأفلام هى التى تعيش وتنجح وتشكل تاريخ السينما المصرية فمثلا أول لما تسمع كلمة زنا المحارم يأتيك إحساس بالتقزز لكن حينما تشاهد الفيلم تجده خاطب مشاعرك وعقلك وتأثرت بالموضوع وبدأت تفكر فيه وهذا هو دور الفن فهو لا يطرح الحلول لكن يضعك أمام مسئولياتك وعلى المجتمع أن يفكر فى حلول.