وحيد حامد.. الرجل الذي يعود دائماً

وحيد حامد
وحيد حامد

كتب- محمد الشماع

لا تصدقوا أن هذا الرجل الذي غاب عن الدنيا أمس، قد مات عجوزا اقترب من الثمانين. بل هو باق في أعماله التي كتبها بروح شاب في داخله، يحمل قلمه وأوراقه في كل مكان يذهب إليه. كان يحلم كالشباب، ويضحك مثلهم، ويختار منهم أبطال أفلامه ومخرجيها.


لا تصدقوا أنه مجرد سيناريست أو كاتب أفلام سينمائية ومسلسلات تليفزيونية وإذاعية، وحيد حامد بل هو أديب ومفكر وفيلسوف وعالم اجتماع ونفس وقائمة أخرى من العلوم تتشعب في رأسه وتتفرع إلى ما لا نهاية. لكنه في الوقت نفسه لا يخجل أن يجري اتصالا بشخص آخر أكثر تخصصاً ليأخذ منه معلومة دقيقة. لا يخجل أيضاً أن يضم فريقاً كاملاً من الشباب ليعاونوه على البحث عن قضية أو إشكالية تاريخية أو اجتماعية سيناقشها في أعماله بطريقته الخاصة، والتي لا ينازعه فيها أحد.

اقرأ أيضا| هالة صدقي: وحيد حامد أول من حارب الإرهاب بالسينما
يمتن وحيد حامد في بدايته للكاتب الكبير يوسف إدريس، الذي ما إن قرأ مجموعته القصصية الأولى «القمر يقتل عاشقه» منتصف الستينيات، نصحه بالكتابة للدراما. لم يكذب وحيد خبر إدريس، بل بدأ بالفعل يكتب للإذاعة، فخرجت إلى النور ملحمة «الفتى الذي عاد» عن رائعة الأديب اللبناني الكبير جورج شحادة «مهاجر بريسبان»، وبطولة كرم مطاوع وأمينة رزق.
لم يهتم الجمهور - ذو الثقافة الرفيعة وقتها - بأطراف الحكاية وصلبها، بل لفتت أسماعهم جملة حوار ذكية لامعة، لكاتب سيكون صاحب رؤية ورأي في سنوات قليلة. وفعلاً لم يخيب وحيد رأي هذا الجمهور الواعي، فتواصلت أعماله الإذاعية، وبدأت حكايته مع السينما مع «طائر الليل الحزين» في 1977.


ظن الجميع أننا أمام موهبة سينمائية متفجرة، لكنه خدع الجميع، وكتب للتليفزيون في العامين التاليين (1978 - 1979) مجموعة من العلامات الكبرى في تاريخ الدراما العربية، أولها مسلسل «أنا وأنت ورحلة العمر» مع نور الشريف وإخراج محمد السيد عيسى، وثانيها «أحلام الفتى الطائر» مع عادل إمام وإخراج محمد فاضل، و»أوراق الورد» مع النجمة الكبيرة وردة وإخراج محمد شاكر.


مرت علاقة عادل إمام ووحيد حامد بمرحلتين، مرحلة أولى وهي مرحلة الثمانينيات، حيث قدما سوياً عدداً من الأعمال لم تنل حظاً كبيراً من النجاح الجماهيري والنقدي. منها مثلاً «الهلفوت» و»انتخبوا الدكتور سليمان عبدالباسط» و»الغول» و»الإنسان يعيش مرة واحدة». ربما لتعدد المخرجين والرؤى والاتجاهات، وربما لشعبية عادل إمام الذي كونها في أفلام بسيطة التناول في أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات، حيث لم يكن جمهوره يحب أن يراه إلا من خلالها.


هذه المرحلة كان وحيد ينجح مع نور الشريف وسمير سيف في «آخر الرجال المحترمين» و»غريب في بيتي».


البعض يؤرخ للنجاح الجماهيري لأفلام وحيد حامد وقت عمله مع عادل إمام في المرحلة الثانية، والتي تعاون فيها الثنائي (الذي لم يوفق في المرحلة الأولى) مع مخرج شاب وقتها اسمه شريف عرقة، تلك المرحلة التي صنعت فيها أفلام «اللعب مع الكبار» و»الإرهاب والكباب» و»طيور الظلام» و»النوم في العسل».


بالتأكيد نجحت تلك الأفلام جماهيرياً بفضل الثلاثي الذي حقق المعادلة الصعبة لكل الجمهور، فجمهور عادل إمام ينتظر فيلما كوميديا وجرعة ضحك مقبولة، في حين ينتظر جمهور وحيد (الذي بدأ يتكون قبلها بقليل) فيلماً مهماً يناقش قضية اجتماعية وسياسية بشكل جاد ومحكم مهنياً، في حين كان هناك جمهور الشباب المنحاز لابن الجيل، شريف عرفة، متنظرا منه المزيد بعد فيلمين فشلا جماهيرياً لكنهما نجحا نقدياً وهما «الأقزام قادمون» و»سمع هس».


صار الثلاثي وقتها على كل لسان. صارت مرحلة مهمة في تاريخ السينما، أحد أبطالها وحيد حامد.


ولكن كيف تشكل جمهور وحيد حامد؟. ربما قبل مرحلة (عادل إمام وشريف عرفة) بقليل، إذ يعتبر نجاح وحيد النقدي والمهني الحقيقي مع المخرج الراحل عاطف الطيب، وتحديداً في أفلام «ملف في الآداب» و»البرئ» و»الدنيا على جناح يمامة» و»كشف المستور».


البعض تساءل هل كاتب «الراقصة والسياسي» مع نبيلة عبيد، و»اضحك الصورة تطلع حلوة» مع أحمد زكي، و»سوق المتعة» مع محمود عبدالعزيز، يقبل أن يعمل مع جيل هاني رمزي وهاني سلامة وآسر ياسين وروبي ومنة شلبي ومحمد فراج. الإجابة نعم، وبغرابة شديدة دخل وحيد عالم السينما الجديد أستاذاً أيضاً. صنع أفلام كوميدية ورومانسية مثل «محامي خلع» و»الأولة في الغرام» و»ديل السمكة». تعاون مع أجيال أقل منه في السن والمكانة والمكان. فعل وحيد ما عجز كثيرون من جيله أن يفعلوه، ولكنه وحيد حامد.


في السنوات الثلاثين الماضية لم يهتز المجتمع مثلما اهتز مع مسلسل «العائلة»، حيث ناقش وحيد في عمله قضية الإرهاب، وأبكى الملايين ووضعهم في خندق واحد ضد هذا الخطر الأعمى. كذلك فعل في جزئي «الجماعة»، حيث ناقش أصل جماعة الإخوان ومنشأها والظروف التي هيأت لها المناخ أن تنمو وتتصاعد في المجتمع. فعل وحيد ذلك في عز وجود الجماعة وسيطرتها على النقابات واتحادات طلاب الجامعات قبل ثورة يناير 2011.


لم يخش وحيد حامد أحد. عارض السلطة - ولو شكليا - وفند فسادها في «عمارة يعقوبيان» «والنوم في العسل» و»المنسي»، إلا أن قضيته الكبرى كانت توعية المجتمع من أخطار أكبر، كان يراها بعقله وضميره.


وحيد قد غير عنوانه منذ ساعات، لكنه سيبقى طوال الوقت بجماهيريه وشعبيته وأفلامه ومسلسلاته التي لن تغيب عنها الشمس، ولن تدفنها الأيام.