تلك الرسل.. خواطر الإمام الشعراوى

الشيخ الشعراوى
الشيخ الشعراوى

التفضيل هو إيثار الغير بمزية بدافع الحكمة، أما المحاباة فهى إيثار الغير بمزية بدافع الهوى والشهوة.

‎إن الحق سبحانه وتعالى يشير إلى الرسل بقوله: "تِلْكَ الرسل" و"الرسل" هى جمع لمفرد هو (رسول). والرسول هو المكلف بالرسالة. والرسالة هى الجملة من الكلام التى تحمل معنى إلى هدف. ومادام الرسل جماعة فلماذا لم يقل الحق (هؤلاء الرسل) وقال "تِلْكَ الرسل"؟ ذلك ليدلك القرآن الكريم على أن الرسل مهما اختلفوا فهم مرسلون من قبل إله واحد وبمنهج واحد. وكما عرفنا من قبل أن الإشارة بـ (تلك) هى إشارة لأمر بعيد. فعندما نشير إلى شيء قريب فإننا نقول: (ذا)، وعندما نستخدم صيغة الإشارة مع الخطاب نقول: (ذاك). وعندما نشير إلى مؤنث فنقول: (ت) وعندما نشير إلى خطاب مؤنث: (تيك). و(اللام) كما عرفنا هنا للبعد أو للمنزلة العالية.

‎إذن فقوله الحق: "تِلْكَ الرسل" هو إشارة إلى الرسل الذين يعلمهم سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، أو الرسل الذين تقدموا فى السياق القرآني. والسياق القرآنى الذى تقدم تحدث عن موسى عليه السلام، وعن عيسى عليه السلام، وتكلم السياق عن أولى العزم من الرسل.

‎إن أردت الترتيب القرآنى هنا، فهو يشير إلى الذى تقدم فى هذه السورة، وإن أردت ترتيب النزول تكون الإشارة إلى من عَلِمَهُ الرسول من الرسل السابقين، والمناسبة هنا أن الحق قد ختم الآية السابقة بقوله هناك: "وَإِنَّكَ لَمِنَ المرسلين"، ولما كانت"وَإِنَّكَ لَمِنَ المرسلين" تفيد بعضيته صلى الله عليه وسلم لكلية عامة، كأنه يقول: إياكم أن تظنوا أنهم ماداموا قد اتفقوا فى أنهم مرسلون أو أنهم رسل الله، أنهم أيضا متساوون فى المنزلة، لا، بل كل واحد منهم له منزلته العامة فى الفضلية والخاصة فى التفضيل. إنهم جميعا رسل من عند الله، ولكن الحق يعطى كل واحد منهم منزلة خاصة فى التفضيل.

‎فلماذا كان قول الله: "وَإِنَّكَ لَمِنَ المرسلين" يؤكد لنا أن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين الرسل فلا تأخذ هذا الأمر على أساس أن كل الرسل متساوون فى المكانة، وتقول إنهم متماثلون فى الفضل. لا. إن الله قد فضل بعضهم على بعض.

‎وما هو التفضيل؟

‎إن التفضيل هو أن تأتى للغير وتعطيه ميزة، وعندما تعطى له مزية عمن سواه قد يقول لك إنسان ما (هذه محاباة)، لذلك نقول لمن يقول ذلك: الزم الدقة، ولتعرف أن التفضيل هو إيثار الغير بمزية بدافع الحكمة، أما المحاباة فهى إيثار الغير بمزية بدافع الهوى والشهوة، فمثلاً إذا أردنا أن نختار أحداً من الناس لمنصب كبير، فنحن نختار عدداً من الشخصيات التى يمكن أن تنطبق عليهم المواصفات ونقول: (هذا يصلح، وهذا يصلح، وهذا يصلح) و(هذا فيه ميزات عن ذاك) وهكذا، فإن نظرنا إليهم وقيمناهم بدافع الحكمة والكفاءة فهذا هو التفضيل، ولكن إن اخترنا واحداً لأنه قريب أو صهر أو غير ذلك فهذا هو الهوى والمحاباة.