قضية الآثار الكبرى.. تهريب عبر حاويات دبلوماسية و«السماسرة» مسؤولون أجانب

الاثار
الاثار

 ◄ شقيق وزير المالية الأسبق باع «تاريخ وطن» بملايين الدولارات عن طريق «حابي»

◄ القنصل الفخري استغل «الحصانة الدبلوماسية» وقام بتهريب أكثر من 21 ألف قطعة أثرية

◄ حكم رادع لـ«غالي» بالسجن 30 عاما.. ووضع شريكه الإيطالي الهارب بقائمة «النشرة الحمراء»

 

تحقيق ثروة طائلة، والحصول على ملايين الدولارات، أسباب دفعت رؤوف غالي، شقيق وزير المالية الأسبق يوسف بطرس غالي، إلى التحالف مع دبلوماسيين إيطاليين، لبيع جزء من تاريخ الوطن، المجسد في الآثار الفرعونية، التي تحمل تاريخ الحضارة المصرية القديمة.

 

أسرار وخبايا حملتها تحقيقات تلك القضية، التي شغلت الرأى العام، والتي عُرفت بـ«قضية الآثار الكبرى»، لكون المتهم فيها شخصية شهيرة وأحد الكوادر الدبلوماسية الإيطالية، بالإضافة إلى أن كمية الآثار المنهوبة، والتي تم تهريبها للخارج تقارب 21 ألف قطعة آثرية متنوعة.

وكشفت تحقيقات النيابة العامة، في تلك القضية، أن العملية تتبع شبكة تهريب الآثار المصرية لأوروبا، وعلى وجه التحديد لدولة إيطاليا، تمت على قرابة العام، وتم خلالها إجراء كافة التحريات اللازمة، وكانت المدة كافية لمعرفة كافة أعضاء الشبكة الإجرامية وكيفية ارتكاب الواقعة ودور كل متهم.

أضافت التحقيقات، أن أحد المتهمين الرئيسيين في القضية يدعى لاديسلاف أوتكر سكاكال، كان يعيش في مصر، وهو من أب تشيكي وأم إيطالية، وكان يعمل مدير مركب بشركة سياحية في الأقصر، والتي يملكها المتهم الرئيسي في القضية رؤوف غالي، والذي كانت تربطه علاقة صداقة قوية به، وعمل قنصل فخري لدى السفارة الإيطالية بالأقصر مدة تقترب منذ عشر سنوات، وكان فيها على علاقة بالمتهم جرجس صاحب شركة للشحن والتغليف، وكان هو المسئول عن نقل كافة المنقولات والأمتعة الخاصة بالسفارة الإيطالية بمصر والدبلوماسيين العاملين بها.

أشارت التحقيقات إلى أن المتهم «لاديسلاف أوتكر سكاكال»، كان يتحدث العربية جيدًا وتعرف في الأقصر على الحارس الأمني المسئول عن حراسة المراكب، والتي كان من ضمنها المركب المملوك للشركة للسياحية ، والتي كان يديرها «لاديسلاف أوتكر سكاكال»، لفترة من الوقت و«أحمد.ح.ن»، والذي كان له نشاط غير مشروع في التنقيب غير المشروع والحفر خلسة بحثا عن الآثار المصرية الفرعونية، وعلى وجه التحديد في المناطق الأثرية بالأقصر، لأنه من أحد سكان القرى بالمحافظة، وكان يقوم بتجميع القطع الأثرية التى يعثر عليها، وبيعها إلى «لاديسلاف أوتكر سكاكال»، الذي يقوم بشرائها منه بموجب تمويل يحصل عليه من شريكه الرئيسي وصديقه والممول الرئيسي لهذا التنظيم رؤوف غالي.

 

حاويات دبلوماسية

أوضحت التحقيقات، أن المتهم الإيطالي كان يستغل علاقته بالمتهم «مدحت.م»، الذى يقوم بنقل الأمتعة الخاصة بالسفارة الإيطالية ودبلوماسيها، في حاويات دبلوماسية لا تخضع للتفتيش أو الفحص، وفقا للاتفاقيات الدولية الموقعة عليها مصر، ويقوم باستغلال ذلك بأن يغلف تلك القطع الأثرية، ويضعها في المخزن المملوك لشركة «مدحت»، لحين إتاحة الفرصة لوجود دبلوماسي إيطالي يقوم بنقل أمتعته، فتتم وضع تلك القطع الأثرية داخل صندوق داخل الكونتينر، الذى سينقل لإيطاليا وليكون بعيدا عن أعين السلطات.

 

وتمكنت السلطات الإيطالية، من ضبط الشحنة في ميناء ساليرنو الإيطالي، في إحدى الحاويات باسم دبلوماسي إيطالي، انتهت مدة عمله في السفارة الإيطالية، والذي طلب إرسال متعلقاته إلى إيطاليا قادمة من مصر، قبل عودته، واستغل «مدحت»، هذا الأمر ووضع القطع الأثرية داخل الحاوية، ثم أرسل رسالة بريد إلكتروني إلى الدبلوماسي الإيطالي، يعتذر فيها عن وجود خلط غير مقصود في محتويات الشحنة، وأن عددا من الكراتين خاص بـ«لاديسلاف أوتكر سكاكال»، دخلت بطريق الخطأ للحاوية وسيحضر لاستلامها وكانت القطع الآثار المهربة من الأقصر فيها.

 

آثار إسلامية

كما عثر على بعض القطع الأثرية التى تعود للعصر الإسلامى، التى تم شراؤها من الإيطالية «إيرينا»، وهى تقيم بمنطقة وسط البلد، ولكنها توفيت في حادث سير بالعاصمة الإيطالية، واشتراها منها رؤوف غالي، وكان الأخير دائما ما يلتقي مع «لاديسلاف أوتكر سكاكال»، في مصر وأحيانا في إيطاليا وفى فرنسا، ليتم الاتفاق على عملية التصرف في القطع الأثرية، ثم يقوم بتسليم حصته من الأرباح، بعد بيع كل القطع الأثرية، وتم ضبط 21660 قطعة أثرية تنتمى للحضارة المصرية وعصورها المتعاقبة، بداية من العصر الفرعوني إلى العصر الإسلامى.

 

وتمت عملية التجميع للقطع الأثرية، منذ عام 2013 لمدة عام، ثم استكملت في عام 2016، واستمروا في نشاطهم، ثم قام القنصل الإيطالي الفخرى، بنقلها في سيارته على عدة مرات إلى شقته بحي الزمالك، ثم نقلها رؤوف غالي بسيارته إلى مخزن شركته، وتوجهوا أيضا إلى منزل «إيرينا»، وغلفوا القطع الأثرية لديها، ونقلوها لنفس المخزن، لحين تحديد الحاوية التى ستنقل من خلالها، والتى ضبطت بعد ذلك بمعرفة السلطات الإيطالية.

 

وعثر بمنزل رؤوف غالى، على بعض القطع الأثرية، مملوكة له وأخرى ورثها من جدته و41 قرص ترامادول مخدر، والذي أكد أنه يحوزها بقصد التعاطي الطبي والاستعمال الشخصي، كما عثر داخل خزنة «لاديسلاف أوتكر سكاكال»، على بعض القطع الأثرية التى يقوم بتجميع ها، لحين أن تأتى فرصة لنقلها للخارج والاتجار بها، وقام بعمل توكيل لغالي، للتعامل على هذه الخزنة وهو على علم بكل محتوياتها وأثريتها.

 

كما كشفت التحريات وجود قطعة أثرية متشابهة بين التي عثر عليها بخزينة «لاديسلاف أوتكر سكاكال»، ومنزل «غالي»، وأن كثير من تلك الآثار تنتمي لعصر الرومان والبطالمة، ولا صحة أنها ملك لعائلة بطرس غالي.

 

استرداد الآثار

يعد ملف استرداد الآثار المهربة ملف مهم في أروقة وزارة السياحة والآثار للحفاظ على التراث المصري والفرعوني، إذ أن الحضارة الفرعونية مصدر جذب للملايين يتنافس عليها جميع البلاد لعرض قطعة منها في متاحفهم، ولكن السؤال هنا كيف تخرج الآثار من الأراضي المصرية.

 

في واقعة التي اتهم فيها الدبلوماسيين تم تهريب 118 قطعة أثرية مصرية داخل حاوية دبلوماسية ايطالية وبالفعل في أقل من شهرين استطاعت مصر استرداد القطع الأثرية الخاصة التي تتكون من 21.660 عملة أثرية فرعونية وتماثيل خشبية ملونة وتماثيل أثرية صغيرة من الخشب والجرانيت الأبيض  حسب قول الدكتور شعبان عبد الجواد، المشرف على إدارة الآثار المستردة بوزارة الآثار.

 

وأضح شعبان، لـ«بوابة أخبار اليوم» أن منذ توليه مسئولية إدارة الآثار المستردة  لم يحدث إي واقعة تشبه لهذه الواقعة أو إي عملية تهريب آثار تمت من خلال بعثات دبلوماسية أجنبية غير تلك الواقعة ، مؤكدا أن الوزارة استطاعت خلال شهرين فقط استرداد القطع الأثرية بتعاون مع وزارة الخارجية .

 

و أشار المشرف على إدارة الآثار المستردة بوزارة الآثار إلى أن مجمل الآثار التي تم استرجعها من  ايطاليا حوالي 195 قطعة أثرية .

و في هذا الصدد  أكد  وزير السياحة و الآثار د.  خالد العناني  أن  الوزارة تبذل كل الجهد لإعادة الآثار المهربة بطريقة غير شرعية من الخارج  بطرق دبلوماسية بالتعاون مع وزارة الخارجية وبطرق قضائية .

وأوضح العناني وجود بند في قانون منظمة اليونسكو، يلزم الدولة التي تطالب بإعادة آثارها بتقديم مستند ملكية، في حين أن الكثير من الآثار المصرية غير مرقمة؛ لذلك يتم اللجوء للطرق الدبلوماسية في بعض الحالات.

 

 

اعتراف «غالي»

واعترف رؤوف غالي، خلال التحقيقات التي أجرتها النيابة العامة، أن بعض المضبوطات التي عثرت عليها الأجهزة الأمنية، من «ترابيزات وسيوف والبراويز»، هي مملوكة للقنصل الفخرى الإيطالي، وهي كانت موجودة في شقته بالزمالك ومن قبلها في شقة منشية البكري، وأن تلك القطع كان قد ورثها من أبيه وجده، ولكن نفى أنها كان على علم بأثريتها، وأنها كان يقتنيها كديكور فقط، ولم يقم ببيعها.

 

 وعقب انتهاء التحقيقات، أحالت النيابة العامة، المتهم رؤوف غالي وآخرين إلى محكمة الجنايات، وأمرت بسرعة ضبط وإحضار «لاديسلاف أوتكر سكاكال»، القنصل الفخرى السابق لدولة إيطاليا بالأقصر الهارب، وإدراجه على النشرة الدولية الحمراء وقوائم ترقب الوصول.

 

وبعد عدة جلسات، تداولتها محكمة جنايات القاهرة، قضت بمعاقبة المتهم الرئيسي رؤوف غالي، بالسجن 30 عاما وغرامة 5 ملايين جنيه، في قضيتي تهريب آثار.

 

الانتربول المصري

الانتربول المصري، من جهته طالب الحكومة الإيطالية بتسليم المتهمين الإيطاليين أعضاء البعثة الدبلوماسية للسفارة الإيطالية السابقين في القاهرة والذين نهبوا آثار مصر لمدة عامين، والصادر ضد أحدهم ويدعى "لادسلاف أوتكر سكاكال" الذي شغل منصب القنصل السابق لإيطاليا في مصر، حكما قضائيا.

 

وأكد الانتربول المصري أن "لادسلاف" صدر بحقه حكم بالسجن المشدد 15 عاما وغرامة مليون جنيه لقيامه بتهريب عدد ما يقرب من 22 ألف قطعة أثرية من آثار مصر لدولة ايطاليا خلال أعوام 2016 و2018 من خلال حاويات البعثة الدبلوماسية لدولة إيطاليا بمعرفة الإيطالي ماسيميليانو سبونزيللي الملحق الدبلوماسي الاقتصادي والتجاري بالسفارة الإيطالية، حيث تم ضبط حاوية بدولة إيطاليا وإعادة جزء من الآثار بخلاف العديد من عمليات تهريب الآثار الأخرى التي تمت خلال تلك الفترة بمعرفة عناصر إيطالية بالاشتراك مع مصريين.

 

وحكمت محكمة الجنايات المصرية على المتهمين بتاريخ 15 فبراير الماضي، وحتى الآن لم تقوم السلطات الإيطالية بتسليمهم لمصر وهي الدولة التي وقعت الجريمة على أراضيها وقاموا بالتنقيب وسرقة الآثار المصرية وتهريبها لدوله ايطاليا.