جمال الشناوي يكتب: «أون ..أفريقيا» 

جمال الشناوي
جمال الشناوي

تصبح الدولة.. عظمى بما تملك من أدوات القوة 
وتستمر عظمة الدولة عندما تتقن استخدام قواها.. وتبتكر اوراق للعب والفوز


سألت دبلوماسياً ..ما الذى يجعل آلاف الصينيون يزحفزن إلى أفريقيا؟.. لكنه لم يقدم إجابه بل باغتنى بسؤال ربما يحمل فى طياته الإجابة الحاسمة.. ولماذا كان الغزو الأوروبى للقارة السمراء.

نعم عبر الأوربيون بأساطيلهم فيما يشبه موسم الهجرة إلى الجنوب.. مئات آلاف الجنود.. انتشروا فى القارة السمراء.. من مصر شمالا حتى النقطة الأخيرة فى جنوب أفريقيا.. استباحوا بلادنا الأفريقية.. استعبدوا أجدادنا.. وشحنوهم عبيداً إلى الشمال والغرب.. فى أكبر  عملية بلطجة فى التاريخ.. قتلوا مئات الآلآف.. نهبوا كنوز الفقراء  فى القاره.. وباتت أفريقيا قبلة الغزاة من دول الشمال.

انجلترا  وفرنسا والبرتغال واسبانيا.. وحتى هولندا ممكلة الفايكنج فى الشمال الأولى أرسلت جنودها إلى قلب أفريقيا.. لممارسة أعمال السلب والنهب فى بلاد قارتنا.. وإستمرت فرنسا وبريطانيا فى السيطرة على ثروات أفريقيا، وحتى القوى الجديدة وضعت القارة المسكينة نصب أعينها..الصين وكوريا مع روسيا فى سباق مارثون إلى قلب أفريقيا.

وفى الإحتلال التقليدى.. لم يجد الأفارقة كثير من الدعم والسند فى حركات تحررها.. لكنهم وجدوا الأشقاء فى مصر، لدعم حروب الإستقلال فى القارة السمراء.. مدت مصر يدها إلى أهلنا فى الجنوب.. ونزح إليها ملايين الأفارقة وبينهم قيادات حركات التحرر.. وساد الوجود المصرى أنحاء القارة، ليس فى ثياب المستعمرين.. بل نجده للإشقاء.. دعمت بالسلاح والمال وبالدعم اللوجستى.

وفى ظل الإستعمار الجديد.. أرى أن الفرصة باتت مواتيه لمصر لمساعدة الأشقاء مرة أخرى.. وقبل ذلك مساعدة أنفسنا.. فالعالم شرقه وغربه يسعى إلى بلادنا فى الجنوب.. مليارات الدولارات.. يعاد ضخها فى شرايين أفريقيا للإمتلاك قبل الإستثمار.

مصر الآن  عبرت فترة النقاهه، بعد حراجة كبيرة كادت تودى بحياتها فى أبشع صور التدخل الخارجى فى بلادنا، صمدت مصر بفعل شعب فطن سريعاً لما زينه له عبده الشيطان.. فإنتفض ووجد ذات يوماً رجلاً من بين أبنائها، يتقدم الصفوف تنفيذاً لأمر الشعب.. لم يفكر وقتها فى نفسه وبيته وأسرته.. لكنه بكل الصدق، كان يمتلك من الشجاعه أن يحسم الصراع الذى تم غرسه بحرفيه فى طول بلادنا وعرضها.. ورغم صعوبة عملية الإنقاذ التى تمت ببراعه، ولكن بخسائر وثمن كبير دفعه الرجال فى كل مراكز الوطنية فى بلادى.

مصر عادت  من جديد إلى الساحات الدولية، وبصراحة لم تمر بلادنا بمرحلة من التوازن فى علاقتها الخارجية مثلما هي الآن.. فمصر تبحث عن أصدقاء وتعمق العلاقات معهم.. لا أن تدور فى فلك  أقطاب باتت تتشكل فى عالمنا  وتتجه إلى معارك جديدة فى حرب بارده.. تتضح نذرها ساحنة.

مصر لأول مرة.. تقيم صداقة عميقة مع روسيا والصين والهند.. وأيضا لدينا علاقات باتت مميزة مع أمريكا، بعد تراجع العم سام عن دس السم فى شرايين بلادنا.. الأوروبيون أيضا قبلوا أخيرا علاقات الندية لا التبعية.

مصر عادت اليوم إلى قارتها السمراء، وبعد سنوات من العمل المتواصل.. كان نتاج لجولات شملت أغلب دول الأشقاء فى القارة السمراء.. باتت مصر تتخلص من سنوات قصر نظر السياسة الخارجية.. وضيق أفق متخذ القرار أحياناً.

*  * * *
ماذا نحن فاعلون لبلادنا وقارتنا الآن.. المؤكد أن مصر لا تمتلك المال الكافى لمنافسه العمالقة الجدد أو القدامى.. فاللاعبون الذين يمرحون فى طول القارة وعرضها شحنوا طائراتهم بمليارات الدولارات إلى القارة، فماذا سنقدم  للقارة لمواجهه الغزو الجديد.. خاصة فى مجال التمويل؟

الحقيقة المؤكده أن كثير من الأشقاء العرب وخاصة فى الخليج إنتبهوا لأهلنا فى الجنوب، وباتت الحكومات الخليجية الشقيقة تضم وزراء مهمتهم  أفريقيا.. ويمكن فى هذه الحالة العمل المشترك فى أفريقيا، فيما يشبه التحالف الداعم والممول لمشروعات التنمية  بلدان القارة.. وإنشاء الشراكات مع المؤسسات الأفريقية الوطنية.. فتتحقق المصالح المتبادلة.

ولكن هل تنتظر مصر وقتاً طويلاً لتحقيق هذا التحالف فى حال التوافق عليه؟.. لا أتمنى أن نتوقف أمام حلول تقليدية.. فمصر لديها الثروة الأهم فى العالم.. وهى القوة البشرية.. فأقترح على  وزير القوى العاملة أن يتحرك فوراً.. ودراسة فرص العمل المتاحة وهى بالملايين فى القارة.. ولا أقصد بفرص العمل.. التوظيف فى دواوين حكم دول القارة.

لكن الحقيقة أن وزير القوى العاملة والحكومة كلها تستطيع.. فلدينا رؤية على مانحتاجه كأفارقة لتنمية قارتنا وتحقيق المنافع المتبادلة.

قبل أيام كان صديقى عائداً من غانا.. وتحدث بإنبهار عن الفرص المتاحة للعمل فى تلك البلد الصغير.. وأن هناك بعض الشباب المصرى وصلوا بالفعل إلى غانا.. وبدأو العمل هناك ويلقون كل ترحاب من الأشقاء هناك.. وروى لى صديقى كيف أن أعلى مبنى فى العاصمة الغانية كان مقراً  لشركة النصر للإستيراد والتصدير وان تراث مصر الناصرية مازال متوارثاً بين أجيال القارة .

أظن ان الحكومة تستطيع العمل على فريق متخصص لتوفير فرص الإستثمار الصغير للشباب.. فى أفريقيا.. وتستطيع توفير القروض اللازمة لبدء مشروعات صغيرة فى المدن والمزارع والمناجم الأفريقية.

مصر تستطيع أن تنهض ومعها أفريقيا.. فى سنوات قليلة يمكننا أن ندعم الأشقاء بمئات الأطباء والمهندسين.. الذين تتكدس بهم الآن مقاهى القاهرة والمحافظات.

ونستطيع بالتعاون مع البنك الأفريقي أو تأسيس بنك خاص بالمشروعات الصغيرة برأس مال مصرى عربى فقط يمنح القروض لملايين الشباب الذى ضاق عليه عقله.. ويفضل العيش دون حركة أو محاولة.. جاء علينا الدور أن نتبع سلوك الأشقاء فى بلاد الشام فقد أنتشروا فى أغلب دول القارة الأفريقية
أيضاً نستطيع بالفن أن نصنع المسارح المشتركة.. أتخيل لبلادى وسائل إعلام وتواصل أفريقية خالصة.. وأتمنى اليوم الذى تبث فيه قناة  بأسم أون أفريقيا.. كانت حلماً قديماً لى لم يرى النور.. يتحدث مذيعوها من فوق شواطئ بحيرة فيكتوريا مثلاً.

الفرص متاحة وكثيرة.. وأظن أن ارداة القرار السياسى متوافرة وبقوة.. للإنطلاق المشترك لقارتنا التى عاشت قروناً من الظلم والإستعباد.. علينا أن نفتح الأبواب للأفكار التى تعظم من قوانا.