حكايات| سر الدماء المتجمدة بأسيوط.. أقدم محكمة في تاريخ البشرية 

أقدم محكمة في تاريخ البشرية 
أقدم محكمة في تاريخ البشرية 

على تلال مرتفعة وسط الزراعات وفي حضن الجبل الشرقي، تقع أقدم جبانة لأمراء الدولة الفرعونية القديمة، والتي عرفت بأقدم حضارة على مر العصور عمرها ٥٠٠٠ عام بناها حكام الإقليم العاشر من أقاليم مصر العليا في عصر الدولة القديمة وترجع إلى نهاية الأسرة الرابعة "عهد خوفو". 

 

هنا في جنوب شرق محافظة أسيوط، وتحديدًا مركز البداري قرية الهمامية، تقع أقدم محكمة عرفها تاريخ يعود عمرها إلى ٥٠٠٠ سنة قبل الميلاد.

وتعتبر حضارة الهمامية من أقاليم مصر العليا المعروف باسم "واجت" في عصر الدولة القديمة، وترجع إلى بداية الأسرة الخامسة ٢٥٦٠ قبل الميلاد في عصر الملك "اوسر كاف" ومن بعده الملك "ساحورع" ومن هنا تأتي أهمية هذه المنطقة الأثرية الفريدة وتعرف هذه الجبانات باسم "قاو الكبير".

 

أقدم حضارات التاريخ

 

حضارة البداري أقدم الحضارات الفرعونية، ربما لا يبدو الاسم مألوفا بالنسبة للبعض، إلا أن تلك الحضارة تعد واحدة من أقدم الحضارات في التاريخ، وتعتبر دليلا على تطور الزراعة في منطقة صعيد مصر قبل عصر الأسرات، وخلفت تلك الحضارة العديد من المواقع والمقابر الأثرية، إلا أن علماء الآثار بحاجة إلى إجراء المزيد من عمليات البحث والتنقيب في المنطقة للتعرف على المزيد من أسرارها على حد تعبير د. على حسن أستاذ الآثار بكلية الآداب جامعة أسيوط.

 

اقرأ أيضا  سرقة الحيوانات من المعابد.. كيف حارب «الفراعنة» الفساد؟


وتشمل آثار الهمامية منطقة "قاو الكبير" المعروفة بعزبة يوسف، وتقع هذه المنطقة في قرية العتمانية البداري، وتسمى المنطقة التي تشمل هذه الجبانة "قاو النواورة"، وهي عبارة عن منطقة تحتوي علي مقابر لحكام الإقليم العاشر وتعود هذه المقابر إلي عصر الدولة الوسطي، ولكن هذه المقابر تضم المجموعة الجنائزية بالدولة القديمة وهي عبارة عن معبد الوادي ثم الطريق الصاعد ثم المعبد الجنائزي ثم المقبره المنحوتة في الجبل وبها يوجد الصالة وآبار الدفن وبعض الغرف والتماثيل، ومن تلك المقابر، "واح كا " الأول، "واح كا" الثاني،"ايبو" ابرز المدفونين فيها.

 

 

 سميت حضارة "البداري" بذلك الاسم نسبة إلى المنطقة التي قامت فيها وهي مركز "البداري" بمحافظة  أسيوط، من البدور أي أنها كنت قبل العديد من الحضارات والمناطق المعمورة منذ زمن بعيد في العصور الحجرية، قامت تلك الحضارة خلال الفترة ما بين ٤٥٠٠ وحتى ٣٨٠٠ قبل الميلاد، لكنها ازدهرت خلال الفترة ما بين عامي ٤٤٠٠ إلى ٤٠٠٠ قبل الميلاد.

 

حضارة البداري

 

كان أول من اكتشف تلك الحضارة عالما الآثار البريطانيين "جاي برونتون" وزميلته "جيرترود كاتون تومبسون"، وقاما خلال الفترة ما بين عامي ١٩٢٢ و١٩٣٢ بالتنقيب عن آثارها ومعالمها، ومن أهم الآثار التي يعود تاريخها إلى تلك الحقبة تلك الآثار الموجود بقرية "الهمامية" بأسيوط؛ وكذلك تم اكتشاف أكثر من ٤٠ موقعا أثريا و٦٠٠ مدفن.

 

وتم تقسيم تلك المدافن وفقا للمكانة الاجتماعية للمتوفى، حيث كان الأشخاص الأغنياء أو ذوو المكانة الرفيعة بالمجتمع يدفنون في مكان مخصص لهم بالمقبرة بعيدا عن ذلك المكان المخصص للعامة.

 

 

ومن أبرز المقتنيات التي تم العثور عليها داخل المقابر والمواقع الأثرية التي يعود تاريخها إلى فترة ازدهار حضارة "البداري" الأواني الفخارية المصنوعة من أفخر أنواع الفخار، إذ أن الفخار البداري كان يعتبر الأفضل في التاريخ، ذلك بالإضافة إلى التماثيل المصنوعة من العاج والطين والأواني الحجرية، اعتمد اقتصاد البداريين على الزراعة والصيد وتربية الحيوانات، ومن أبرز المحاصيل التي كانوا يقومون بزراعتها القمح والعدس، وكانوا يقومون بصيد الغزلان؛ وكان للتجارة أيضا نصيب من اهتمامهم.

 

الدفن في الصحراء

 

كان سكان البداري القدماء يؤمنون بالبعث، ويدفنون موتاهم في الصحراء، بحيث تكون رأس الميت في اتجاه الجنوب وينظر إلى الغرب، وهو تقليد مشابه لذلك المتبع في عصر الفراعنة، لكن الفرق هو أن مقابرهم كانت أكثر بساطة، فكانوا يلفون موتاهم بالحصير، ويدفنونهم مع حيواناتهم المحببة أو بعض التماثيل لحيوانات أو لنساء أو طيور؛ وكان وضع الأواني الفخارية داخل المقابر من أهم ما يميز الحضارة البدارية.

 

وكان الرجال والنساء البداريون يحبون التزين فكان لديهم العقود والخواتم والأساور وأمشاط العاج وألوان من القماش المطرز والأكاليل لزينة الشعر وغير ذلك، ولا يوجد تصور واضح حول شكل المساكن خلال تلك الفترة، لكنها تميزت بوجود بعض الأثاث كالأسرة الخشبية، كما ظهر استخدام النحاس.

 

أقدم محكمة في التاريخ

 

يوجد بقرية الهمامية أقدم محكمة في التاريخ، طريق الوصول إليها غير ممهد للسياح بل هو مدق جبلي منحدر بمطلع جبلي، ومن يحاول الصعود عُرضة للسقوط، لأن زاوية ارتفاع الجبل حادة جدا.

 

وعن المحكمة، يقول الدكتور  علي حسن الخبير الأثري، إن آثار الهمامية تمثل جبانة لحكام الإقليم العاشر إقليم وادجت  WADGET ، التي قال عنها المؤرخ نجيب قنواتي، إن الجبانة تعود للنصف الأول من عصر الأسرة الفرعونية الخامسة، اعتمادا على الطراز الفني والشكل المعماري الخاص بالمقابر.

 

أما المؤرخ فلندرز بتري، فقد أرّخ لها بكونها تنتمي لعصر الأسرة الرابعة، خصوصا عصر الملك خوفو، بينما يرى المؤرخ بوير، أنها ترجع لعصر الملك "ني – وسر – رع"، من الأسرة الخامسة، وأن اسم صاحب المقابر هو "كاي – خنت".

 

سر الدماء المتجمدة

 

وعن الدماء المتجمدة في المحكمة، أرجعها الدكتور علي حسن، إلى مذبحة حدثت عام ٢٨٤ ميلادية في عصر الإمبراطور الروماني دقلديانوس، حيث اضطهد المسيحيين وقتل عددًا كبيرًا منهم، حتى قيل إن الدماء وصلت إلى رُكب الخيل، وسمي هذا بـ"عام الشهداء"، الذي بدأ فيه التقويم القبطي.