جريمة تحت السن | كيف تحول القزم الصغير إلى قاتل غشيم؟

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

أسماء فتحي

لم يكن مجرما آثما قلبه، ولا قاتلا محترفا يجيد اصطياد ضحاياه، أو يخطط للتخلص منهم، بل كان طفلا عاديا مثل باقي أقرانه من منطقة "أوسيم" يذهب إلى مدرسته في الصباح لتلقي دروسه، ويلهو معهم في أوقات فراغه، كانت صفحة حياته بيضاء مثل قلبه الرقيق، لا يعكر صفوها شيئا.. إنه «إبراهيم» ذو العشرة أعوام، طالب بالمرحلة الابتدائية، يعرفه جميع أقرانه جيدا لخفة ظله، وقصر قامته أيضا الذي كان يميزه، حتي اشتهر بينهم بذلك وأطلقوا عليه لقب "القزم".

اقرأ أيضا| صور| أطفال في قفص الاتهام .. «مجرمين في KG1»

تمتع "إبراهيم" بمكانة مرموقة بين رفاقه، وكانت شهرته بينهم بقصر قامته لا تمثل عائقا بالنسبة له، بل تجعله مميزا، وهذا ما أسعده كثيرا.

جمعت "إبراهيم" و"هشام" صداقة من نوع خاص، فكان أقرب رفاقه إلى قلبه، وهو أيضا جاره، كما أنه زميل له بنفس المدرسة الابتدائي، لكنه كان يصغره بثلاثة سنوات، ورغم ذلك لم يختلفا قط، بل كانا يقتسمان كل شيء بينهما، الأفراح والأحزان حتي تناول الطعام واستذكار دروسهما أيضا معا.

كان "إبراهيم" و"هشام" يخرجان للعب مع أقرانهما كلما سنحت لهما الفرصة، ويقضيان وقتا ممتعا بصحبتهم.

ظلت الأمور هادئة بين الصديقين، وكلما مرت الأيام تعمقت صداقتهما وأخذت في الترابط أكثر فأكثر، لكن دوام الحال من المحال، فتبدلت الأحوال وحاول بعض رفاقهما الإيقاع بينهما لأن صداقتهما كانت تثير غيرة من حولهما، وأخذ طنين الوشايات يدوي في أذنيهما، وبدأت الخلافات الطفيفة تعرف سبيلها إليهما،فتأثرت علاقتهما وضعفت صداقتهما، وكلما اجتمعا مع رفاقهما في مناسبة ما أو للعب في مكان ما تتكرر المشاحنات بينهما.

حتي جاء ذلك اليوم الذي جعله القدر يوما فاصلا في حياة الصديقين؛ اتفق جميع أبناء المنطقة على لعب مباراة كرة قدم يوم العطلة الأسبوعية، فقاموا بعمل الترتيبات اللازمة، وتحديد مكان اللعب، وتوقيت المباراة التي تم تحديدها في الخامسة من مساء ذلك اليوم.

حضر "إبراهيم" في الوقت المتفق عليه وقام المنسق بتقسيم الحاضرين إلى فريقين الأول يرأسه "إبراهيم"، والثاني يقوده "هشام" كعادتهما في كل المباريات، وانطلق صوت الصافرة معلنا بدء المباراة، واللاعبون من الفريقين متحمسون في الآداء، ومصرون على الفوز.

بعض المشجعون يهتفون باسم "إبراهيم"، بينما يردد البعض الآخر "هيا ياهشام"، انتهى الشوط الأول بفوز فريق "هشام" بهدفين مقابل لا شيء لفريق "إبراهيم"، اشتعلت الغيرة لأول مرة بينهما، وضاق "إبراهيم"   بفوز صديقه، ولكنه قرر الانتصار بأي شكل وبأي ثمن في الشوط الثاني، وللمرة الثانية انطلقت الصافرة معلنة بداية الشوط الثاني والأخير للمباراة ومازال فريق "هشام" متقدما بهدفين بينما فريق "إبراهيم" لم يتمكن من إحراز أية أهداف.

بدأ الهتاف يعلو من جديد باسم "هشام" وفريقه فيزداد هو وفريقه حماسة، بينما يزداد "إبراهيم" وفريقه    توترا واضطرابا.

قارب الوقت على الانتهاء ورغبة الفوز تسيطر على "إبراهيم"، وكذلك غيرته حتى جاءت اللحظة الحاسمة وسدد "هشام" هدفا  جديدا في الدقيقة الأخيرة للمباراة، وانطلقت الصافرة مرة أخرى تعلن نهاية المباراة  بفوز "هشام" وفريقه.

رقص الفريق الفائز وقائده طربا احتفالا بالفوز والسعادة بالانتصار تغمر وجوههم، بينما ازدادت نيران الحقد في قلب "إبراهيم"، وطلب من المسئول إلغاء الهدف الذي حسم لقاء الفريقين بفوز "هشام" وفريقه، فكان رده أن المباراة قد حسمت وأن ما يفعله "إبراهيم" هو إضاعة للوقت.

حاول "هشام" أن يوضح لصديقه "إبراهيم" أن صداقتهما أكبر من أي خلاف، أو حتى مجرد مباراة ودية، لكن الغضب سيطر على عقل "إبراهيم"، وحدثت بينهما مشادة كلامية تطورت إلى مشاجرة، وحاول جميع الأصدقاء إنهاءها، لكن سرعان ما اختفى "إبراهيم" وعاد في غضون ثوان معدودة وبيده سكينا وغافل الجميع وطعن صديقه "هشام" طعنة نافذة في صدره، فسقط على الأرض لشدة إصابته وارتطم بها يصارع الموت، وتنزف منه الدماء بغزارة وسط ذهول الحاضرين.

عقدت المفاجأة ألسن الجميع وأولهم "إبراهيم" الذي القي السكين على الأرض ونظر إلى صديقه وهو لا يصدق عيناه، جلس بجواره، مؤكدا أنه لم يقصد ما فعله، وعلا صراخ الأصدقاء، وتجمع الأهالي، وهالهم المنظر، وأسرع أحدهم بإخبار والد "هشام" الذي حضر على الفور وأسرع بنقل ابنه إلى المستشى، وهو في حالة حرجة للغاية، محاولا إنقاذه، بينما أخطر الأهالي رجال المباحث بوقوع مشاجرة بين طالبين في ابتدائي أحدهما شهرته "القزم" 10 أعوام والآخر 7 أعوام لخلافهما على لعب الكرة، وتصاعدت أحداثها، وانتهت بقيام الأول بطعن المجني عليه بسكين فأصابه بطعن نافذ أسفل الصدر من الجهة اليسري فسقط أمامه يصارع الموت، وسط بركة من الدماء.

أكدت تحريات مباحث الجيزة صحة الواقعة، وبمواجهة الطالب أصابته نوبة بكاء هيستيري وأكد أنه لم يقصد قتل صديقه، بل حدثت بينهما مشاجرة أثناء اللعب، وأثيرت غيرته لفوز صديقه وفريقه، فأعماه الغضب وعصب عينيه عن رؤية حقائق الأمور، وتمثل له الإنتقام في هيئة شيطان وسوس له بالتعدي على صديقه، فأحدث إصابته التي كادت أن تودي بحياته، وأحيل القاتل الصغير إلى النيابة المختصة والتى بدورها أحالته إلى محكمة الأحداث.