أوراق شخصية

أنتونى هوبكنز.. ومحنة العمر

آمال عثمان
آمال عثمان

حين تخبو ظلال بقايا النهار، وتنحسر أوراق الحياة، وتقترب الرحلة من النهاية، تفرض محنة العمر سطوتها علينا بكل قسوة، معلنة حالة الاحتضار والعجز والتيه والأفول، ويضيع الخط الفاصل بين الوهم والواقع، والوعى واللاوعي، وتختلط أمواج الحاضر بالماضي، والشعور واللاشعور.
 هذا المزيج المدهش من المشاعر والأحاسيس والانفعالات جسدها ببراعة مذهلة النجم «أنتونى هوبكنز» أحد عباقرة فن الأداء التمثيلى فى العالم، من خلال فيلم «الأب» جوهرة تاج حفل افتتاح مهرجان القاهرة السينمائي، الذى يعقد فى ظل ظروف عالمية شديدة الصعوبة، وهذا ما جعل رؤساء أكبر ثلاثة مهرجانات دولية، كان وبرلين وفينيسيا، يبعثون برسائل دعم ومؤازرة إلى «محمد حفظي» رئيس المهرجان، تعكس مدى احترامهم وثقتهم بهذا المبدع العاشق لفن السينما، والمتابع الدؤوب لأحدث انتاجاتها، والذى استطاع بجهوده ورؤيته وثقافته السينمائية، أن يؤكد استحقاقه لهذا المنصب المهم بجدارة.
وفيلم «الأب» أحد أهم الأفلام التى تناولت مرض خرف الشيخوخة اللعين أو «الزهايمر»، وهو تجربة سينمائية شديدة الأهمية، ترسم صورة إنسانية، للحالة الذهنية المرعبة التى يعيشها المريض، والأضرار التى تلحق بالمقربين منه، لنخوض رحلة داخل عقل هذا المريض، ونقترب من أعماق إنسان يفقد السيطرة على ذاكرته، من خلال شخصية «أب» إنجليزى فى العقد الثامن، عاجز عن الإحساس بالزمن والمكان، وتتداخل الشخصيات والأحداث من حوله، لكنه يأبى الاعتراف بمرضه، ويصر على العيش بمفرده فى شقته الفخمة، ويرفض مساعدة «الابنة» التى جسدت دورها المبدعة «أوليفيا كولمان»، ويستعرض تحولات شخصية «الأب» من القسوة والاعتداد بالنفس والثقة إلى الشك والارتباك والغضب، ثم الخوف واليأس والاستسلام لسقوط آخر أوراق العمر، وذلك فى مشاهد متقاطعة داخل بناء درامى شديد التماسك، وإخراج بارع للمؤلف المسرحى الفرنسى «فلوريان زيلر» فى أول  تجاربه فى الإخراج.
استوحى «زيلر» القصة من جدته التى عانت من مرض خرف الشيخوخة، حينما كان عمره 15 عاما، وقدّمها فى مسرحية «الأب» التى حققت نجاحا كبيرا على مسارح باريس ولندن ونيويورك، وعُرضت فى 45 دولة، وبعد 8 سنوات حوّل النص المسرحى إلى سيناريو شارك فى كتابته مع الكاتب الشهير «كريستوفر هامبتون»، وقدمه على الشاشة مستخدما التلاعب البصرى فى شقة «الأب»، وتغيير بعض تفاصيلها من مشهد إلى آخر، وتوظيف موسيقى الإيطالى «لودوفيكو ايناودي» لتعكس حالته الذهنية، وتصوراته للواقع.
لقد كان حلم المخرج أن يؤدى «أنتونى هوبكنز» شخصية الأب، ولم ير فنانا سواه يجسدها، لذا أطلق على الشخصية اسم «أنتوني»، وكان محقا فهذا الفنان الساحر الذى يفرض سطوته على المشاهد السينمائية، استطاع أن يجعلنا نعيش حالة إنسانية مؤلمة ومبكية، لكنها لا تخلو من الابتسامة والمرح والإثارة والغموض.