حديث الأسبوع

جيل كوفيد معرض لتشوهات فى أنماط التفكير والسلوك

عبدالله البقالى
عبدالله البقالى

لازالت جائحة كورونا اللعينة تفرض نفسها كضيف ثقيل على البشرية جمعاء، حيث أصرت على استدامة الحضور والإقامة فى تفاصيل الحياة اليومية، ولم تنجح كل الجهود والتدابير والإجراءات التى اتخذتها مختلف دول العالم فى طرد هذا الوافد الذى تسبب فى مصائب كبرى للشعوب بمختلف أرجاء المعمورة، ولم تمنع تدابير الحجر الصحى والعزل الفردى وتغطية الوجوه بالكمامات وفرض التباعد الاجتماعى وتكثيف سلوكيات التنظيف والتعقيم، هذا الوباء من الرحيل بعيدا عن الإنسان، ولم يعد من آمال اليوم غير انتظار ما سيحمله التلقيح المنتظر من نتائج، وما إذا كان هذا المصل قادرا على تخليص البشرية من هذا العدو الفتاك.
إقامة هذا الضيف الثقيل دخلت عامها الثانى بعد انصرام سنة سوداء من وصوله بصفة مباغتة، خلفت ركاما هائلا من الأسئلة المحيرة التى لا أحد من العلماء أو الخبراء استطاع أن يصوغ لها أجوبة مقنعة يهدئ بها المخاوف العظمى التى سادت وتنامت فى مختلف الدول وبين جميع الشعوب، وخلفت خسائر بشرية واقتصادية كبيرة وعظمى تكاد تكون غير مسبوقة فى تاريخ البشرية الحديث.
طول إقامة هذا الضيف غير المرغوب فيه طرحت إشكاليات جديدة، واتضح أنه من صفات هذا الوباء أنه كلما أطال المقام إلا وطرح أجيالا جديدة من الإشكاليات، التى لن يكون من السهل التغلب على تداعياتها. وفى هذا السياق تتحدث منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) فى تقرير حديث تم تعميمه قبل أيام عما سمته ب (جيل كوفيد) وبلورته فى عنوان (تجنب ضياع جيل كوفيد) حيث « حذرت هذه المنظمة الأممية من العواقب المتنامية والكبيرة على الأطفال مع دخول جائحة كورونا عامها الثانى « وقالت » فى حين أن الأعراض بين الأطفال لا تزال خفيفة، إلا أن العدوى آخذة فى الارتفاع، والتأثير طويل المدى على التعليم والتغذية والرفاهية لجيل كامل من الأطفال والشباب، يمكن أن يغير حياتهم.» وتزيد المديرة التنفيذية لمنظمة اليونيسيف السيدة «هنرييتا فور» فى التوضيح لما ورد فى التقرير بالقول « إن تعطل الخدمات الرئيسيّة، وارتفاع معدلات الفقر يشكلان أكبر تهديد للأطفال، فكلما طال أمد الأزمة زاد تأثيرها على تعليم الأطفال وصحتهم وتغذيتهم ورفاهيتهم. إن مستقبل جيل بأكمله فى خطر «
و يوضح التقرير أن نحو ثلث الدول التى شملها التحليل وعددها 140 دولة عرفت انخفاضا بنسبة 10 بالمائة على الأقل فى تغطية الخدمات الصحية، مثل التحصين الروتينى وعلاج أمراض الطفولة المعدية فى العيادات الخارجية، وخدمات صحة الأم بسبب الخوف من انتقال العدوى. وجزم معدو التقرير بأن بقاء الوباء فى معدلات نشاطه الحالية يهدد بإحداث ضرر لا رجعة فيه على تعليم الأطفال وعلى تغذيتهم ورفاهيتهم.
و موازاة مع ما حفل به تقرير ( اليونيسيف ) يمكن القول إن الجيل الحالى من الأطفال والشباب ارتبط باسم كوفيد، والأكيد أن اسم هذا الوباء سيظل ملتصقا بهم على مدى طويل جدا، وستصبح فترة انتشار هذا الوباء وما خلفه من تكاليف غالية مرجعا رئيسيا من المراجع التاريخية لهذا الجيل. ثم إن تدابير العزل التى فرضت إحكام إغلاق البيوت خوفا من ملاقاة هذه الجائحة فى إحدى تفاصيل الحياة اليومية، كانت، وستكون لها تداعيات نفسية كبيرة على الأطفال الذين تتوقف احتياجاتهم فى الحياة على عوامل الاطمئنان والابتعاد على الخوف وممارسة كثير من الأنشطة الاجتماعية الجماعية. كما أن التغيير فى أنماط التعليم الذى فرضه الوباء، حيث وبصفة مفاجئة وجد الأطفال أنفسهم أمام تحدى التعليم عن بعد، هذا فى الدول التى تتوفر على تلبية حاجيات هذا التحول، بيد أن ملايين الأطفال فى أرجاء عديدة من المعمورة انقطعت صلتهم بالتعليم لفترة طويلة، ومن المؤكد فإن هذا المتغير سيفرز سلوكيات جديدة لدى جيل كامل من الأطفال. ونفس الأمر يقال على الخدمات الصحية وعلى ظروف ونوعية التغذية، حيث اتجهت مؤشرات جودة الخدمات الصحية العامة إلى النزول والانخفاض. يضاف إلى كل ذلك أن الطفولة فى مختلف دول العالم وجدت نفسها فى مواجهة حملة خوف كبيرة وعنيفة، فى المنازل داخل الأسر، وفى وسائل الإعلام وفى شبكات التواصل الاجتماعى، التى أمطرت الرأى العام بالأخبار السيئة والتحايل الخطير، والواضح أن موجة الخوف أساءت كثيرا إلى ملايين الأطفال، ولن تتجلى تداعيات ذلك إلا فى المستقبل المنظور والبعيد على حد سواء.
يجب التنبيه من الآن إلى أن جيل كوفيد قد يكون عرضة لتشوهات كبيرة وعميقة فى أنماط التفكير والسلوك، مما يحتم الانتباه إلى كثير من المخاطر التى تترصد البشرية جمعاء بسبب ما يتهدد الأجيال الحالية من الأطفال والشباب، لذلك وجب التدارك.
أما كيف يمكن أن يكون هذا التدارك ؟ فتلك مسؤولية المنظمات الدولية والإقليمية المتخصصة، التى تجتهد فى إلهاء العالم بما لا ينفعه فى هذا الزمن الصعب والخطير.