مصطفى أمين يراوغ «البوليس السري» لإجراء حوار صحفي

الأستاذ الراحل مصطفى أمين- أرشيف أخبار اليوم
الأستاذ الراحل مصطفى أمين- أرشيف أخبار اليوم

محمود عراقي


بدأ عشقه للصحافة منذ نعومة أظافره، فصار عملاقا في بلاط صاحبة الجلالة، لكن يظل بريق أول حوار له مع الصحفي الكبير محمد حسين هيكل، وعمره لم يتجاوز 17 عامًا علامة في مشواره.

 

اقترح مصطفى أمين على الأستاذ محمد التابعي أن يقوم بسلسلة أحاديث مع كبار الصحفيين عن أهم ساعة في حياتهم الصحفية، وكانت العقبة الوحيدة أمامه أن بعضهم صديق لوالده، فخشي أن يخبر أحدهم والده بعمله في بالصحافة، فقرر أن يبدأ بخصوم الوفد، الحزب الذي ينتمي إليه والده.

 

وكانت البداية مع رئيس تحرير جريدة السياسة لسان حال حزب الأحرار الدستوريين، فتوجه إلى نادي الأحرار الدستوريين وفوجئ بعدد من رجال البوليس السري يقف أمامه، فخشي أن يعرفوا اسمه وهويته الصحفية، فينكشف أمره بأنه يعمل بالصحافة وهو تلميذ، وهو الأمر الذي يمنعه القانون، مما قد يعرضه للفصل من جميع المدارس، وينكشف أمره أمام والديه، ويقضى على مستقبله.

 

توجه مصطفى إلى أحد رجال البوليس السري، وطلب منه مقابلة والده، مدعيا أنه ابن إبراهيم عبدالقادر المازني، وأخبره أنه يريد منه بعض المال، فسمح له بالدخول وقصد مكتب محمد حسين هيكل (بك).

 

شعر هيكل أنه أمام شخص يعرفه جيدا ويتتبع كتاباته، وملم بقصة حياته كاملة، حيث عكف مصطفى أمين على قراءة قصته "زينب" والمقالات الافتتاحية التي كتبها طوال الأسبوع، ودرس تاريخ حياته، فبسط معه في الحوار، وحصل مصطفى أمين يومها على حديث ممتاز، وبعض الأخبار السياسية، كما حصل على رقم التليفون السري لهيكل بك.

 

سأل الدكتور هيكل عن الجهة التي تخرج منها مصطفى أمين، فأخبره أنه تخرج في كلية الحقوق بالقاهرة، وكان وقتها لا يحمل إلا شهادة الكفاءة، وخشي أن يبادره هيكل بك بسؤال في القانون، ومن حسن حظ مصطفى أمين أن الدكتور هيكل كان ضعيف النظر، وإلا لعرف أنه رآه عدة مرات في بيت الأمة، ولعرف أنه لا يزال تلميذا، ولم يحصل بعد على شهادة البكالوريا.

 

دخل سكرتير عام حزب الأحرار الدستوريين عبدالحليم العلايلي بك إلى المكتب، ونظر بدهشة إلى مصطفى أمين قائلا: أنت بتعمل هنا إيه يا مصطفى؟ وكاد مصطفى أن يغشى عليه، ولم ينقذه إلا جرس التليفون الذي شغل هيكل بك في حديث طويل.

 

أسرع مصطفى إلى العلايلي بك، ورجاه ألا يفضح أمره أمام والده، وأقر له أنه يعمل في روز اليوسف دون علمه، وتوسل إليه أن يكتم السر، ووعده العلايلي بك أن يحفظ السر، وصدق في وعده، وعندما انتهى هيكل بك من محادثته قال لعبدالحليم العلايلي: أنت تعرف مصطفى؟ فقال عبدالحليم: نعم أعرفه من 17 سنة، وفزع مصطفى لأنه يعرفه منذ ولادته، فقال هيكل: ظننت أن عمرك 27 أو 28 سنة، ولكن يظهر أنك عجوز، فقال مصطفى حوالي 30 سنة، وضحك العلايلي بك وهو يودعه وضغط على يده وقال: ما تخافشي .. لن أقول لأبيك.

 

آخر ساعة 19-8-1959