يحدث فى مصر الآن..

شهيد من زماننا

يوسف القعيد
يوسف القعيد

الاسم: ياسر عسر، الرتبة: لواء، من قرية مشتهر مركز طوخ بالقليوبية. له أربعة أبناء. أكبرهم بالسنة الثالثة بكلية الشرطة. وابنه الثانى حصل على الثانوية العامة وقدم أوراقه لكلية الشرطة.
الأب مثال يحتذى وطريق يجب السير على هديه. ولم تكن الشرطة وظيفة، بل رسالة. وله مع الولدين ابنتان أيضاً. وشقيقه ضابط شرطة اللواء خالد عسر، مساعد مدير أمن الشرقية. وظيفة الشهيد وكيل الإدارة العامة لشرطة النقل والمواصلات. ضحى بحياته لينقذ الآخرين الذين لا يعرفونه ولا يعرفهم. يكفى أنهم بشر. ليقدم لهم أغلى ما يملك: حياته.
الحادث الأخير كان الثانى. أما المرة الأولى التى تعرض فيها لخطر كاد أن يودى بحياته كان فى رتبة عقيد مأمور قسم الضواحى بمحطة مصر سنة 2016، قبل أربع سنوات. وعلم باشتعال النيران فى قطار القاهرة المتجه لطنطا. اشتعلت فيه النيران، تحرك مع رجاله وأطفأها. مع أن هناك رجال مطافى من المفترض أن يقوموا بذلك.
لم ينتظر وصول رجال المطافى مثلما نفعل عادة. بل أطفأ الحريق بما يشبه أن تكون معجزة. وأنقذ ركاب القطار من كارثة مؤكدة. لك أن تتخيل عدد ركاب القطار. قال عنه أهالى قريته إنه كان يبحث عن الناس من أجل تقديم خدماته لهم. ولا ينتظر منهم كلمة شكر. مع أن قلوبهم كانت عاجزة عن النطق بما هو أغلى من الشكر وأنبل من العرفان بالجميل.
أما الحادث الثانى الذى دفع حياته ثمناً لإنقاذ الآخرين. فقد كان يوم الإثنين الماضى وكان الوقت ليلاً. فى الحادية عشرة مساء. وما إن سمع صافرة الإنذار وكان ذلك على محطة مترو مسرة، فى خط شبرا الخيمة/ المنيب. حتى تنبه فوراً. وكأن قدره يناديه. كان الإنذار بعد نشوب حريق فى إحدى "هوايات" المحطة. مما يهدد حياة المواطنين الموجودين فى المحطة فى ساعة ما قبل انتصاف الليل للخطر.
لم ينتظر البطل وصول قوات المطافى. تحرك من تلقاء نفسه. ومعه من يساعدونه من رجال الشرطة والعاملين بالمحطة. وهكذا أنقذ الركاب قبل أن تمتد النيران لأرصفة المحطة وصالتها. حتى تمكن فعلاً من إنقاذ حياتهم. أثناء إطفاء النيران تعثرت قدماه بعد أن أنقذ الموقف. أى أنه أنقذ الآخرين ونسى أن ينقذ نفسه. سقط على رأسه بداخل الهواية التى يوجد بها الحريق، وهكذا وصل إلى المعنى الذى كان يبحث عنه حتى دون أن يدرى، ألا وهو الشهادة.
هل هناك أنبل وأكثر وطنية من الاستشهاد؟ والبحث عنه والإقدام عليه؟ كأنه جاء للدنيا لكى يستشهد. وما سبق لحظة الاستشهاد طوال عمره كان الشهيد الحى. الذى يبحث عن قدره ويلهث وراء مصيره. لأنهما معاً القدر والمصير يوشكان أن يكونا رسالة البطل فى الحياة.
إن إنقاذ المصريين من محن ومحاولة الحفاظ على حياتهم تجعله شهيداً مثل شهداء ميادين القتال. لأن من انتهت حياته وهو يدافع عما يؤمن به، فهو شهيد.
والآن ماذا نحن فاعلون للشهيد؟ لا بد أن نُخلِّد ما قام به. حتى نعيد للناس فكرة الفداء والتضحية من أجل الآخرين. هل نطلق اسمه على المحطة التى شهدت الحادث؟.