محمد البهنساوي يكتب سقارة .. بين " لعنة " الأجداد و " روح " الأحفاد

الدكتور خالد العناني وزير السياحة والاثار
الدكتور خالد العناني وزير السياحة والاثار


سر الوسام الفرنسي .. وخطة العناني ل" تمصير " البعثات
الوزير وحواس ووزيري .. ومخالفة جسيمة للعادات الفرعونية
بعد فشل 40بعثة أجنبية ..النجاح المصري والأشعة المباشرة تبهر العالم
رغم حقد المتربصين ..الإكتشاف ينتظر التحرك السياحي لجني الثمار

قد يبدو المشهد مألوفا .. خاصة لنا نحن المصريين.. العالم يقف مشدوها منبهرا بإكتشاف أثري مصري جديد .. وما أكثر الإكتشافات ببلد كلما ضربت بأرضها الطيبة فأسا لا تحصد فقط زرعا أو غازا أو ذهبا ..لكن كثيرا ما يتفجر ما هو أغلي وأثمن من كل هذا مجتمعا .. تاريخا وأثارا وحضارة تورث شموخ وعزة الأجداد العظام لأحفادهم جيلا بعد جيل ..لكن تلك المرة وبهذه المنطقة هناك إختلافا جذريا ..ليس في عظمة وثراء الكنوز المكتشفة ..إنما الإختلاف في الروح المصرية المذهلة التي تغلف كل ما يدور هنا منذ سنوات .. روح تميز الأحفاد ..وأراها تواكب لعنة الأجداد التي جهزوها لتفاجئ كل غريب يقترب من أسراراهم وكنوزهم ..أما الروح الجديدة فقد فاجأتنا والعالم كله بطريق عبقه وفكره وتعبه وثمره كله مصري خالص لا وجود لذرة ريح أجنبي به.


كم كنت فخورا وأنا أتابع الكشف الأثري الاّخر " فهو ليس الأول ولن يكون الأخير " بمنطقة سقارة .. فقد إكنشف المصريون ..وأكرر المصريين ..داخل 3آبار للدفن عمقها من ١٠ ل ١٢ مترا لتخرج ١٠٠ تابوتا خشبيا مغلقا بحالتهم الأولي و٤٠ تمثالا لإله جبانة سقارة، بتاح سوكر بعضها مذهب وعشرات الصناديق للاله حورس والتماثيل الأوشابتي والتمائم والأقنعة المذهبة ..الكشف إستمراراَ للبحث بالمنطقة التي أخرجت أغسطس الماضي ٥٩ تابوتا ملونا ومغلقا بداخلها مومياوات 
لن أسرد تفاصيل كشف سقارة الذي يعد من اهم الإكتشافات الأثرية ..فقد تابع تفاصيله مباشرة العالم كله .. إنما أتحدث عن الروح والمعالم المصرية التي كشفها هذا الإكتشاف! ..ولا أدري من أين أبدأ شرح ما أقصد لكني أري البداية من كلمة قيلت خلال الإفتتاح عابرة وعلي إستحياء وبعيدا عن الكاميرات " حوالي 40 بعثة أثرية أجنبية مرت من هنا " عملت بتلك المنطقة ولم تكتشف أي من تلك الكنوز التي كشفتها البعثة المصرية الخالصة التي شكلها وزير السياحة والأثار الدكتور خالد العناني ورأسها الأثري النشيط الواعد الدكتور مصطفي وزيري أمين عام المجلس الأعلي للأثار وكل أعضاءها من خبراء وشباب الأثريين المصريين .. نقطة مدعاة فخر ..وبعثة سقارة لم تكن أولها .. لكنها تعود لتولي العناني وزارة الأثار قبل حوالي 7 سنوات وكان قبلها باحث بالمعهد الفرنسي للأثار الشرقية .. وهاله تحكم البعثات الأجنبية في الإكتشافات الأثرية ..وكنا نقول وقتها " بعثة أثرية مصرية اجنبية مشتركة " وهي جملة خادعة وغير حقيقية حيث كانت البعثات الأجنبية المتحكم والمخطط والمنفذ لكل الإكتشافات الأثرية بمصر والوجود المصري بها صوريا .. فحرص العناني خلال عمله بالمعهد علي إعداد وتجهيز المصريين ليقوموا بمهام الفرنسيين لإيمانه أنهم علي قدر المسئولية ..وكان موقفا محترما وقتها من الحكومة الفرنسية أن منحت العناني وسام " فارس " علي هذا التمكين للمصريين .


المهم أن الرجل بعد توليه وزارة الأثار أخذ علي عاتقه " تمصير " البعثات الأثرية العاملة بمصر .. ووجد ضالته في الدكتور مصطفي وزيري مدير عام أثار الأقصر وقتها ..ليعينه أمين المجلس الأعلي للأثار ..وكانت خطوة صعبة تستدعي تخطي وزيري عدة درجات وظيفية في ترقية واحدة .. فعلها العناني وللامانة لم يخذله النشيط وزيري المتعمق بأثار مصر ..وبدأ تشكيل البعثات المصرية الخالصة ليصل عددها قبل أزمة كورونا حوالي 80 بعثة بمختلف أنحاء مصر من بينها بعثة سقارة ..والان نجني ثمار هذا القرار الجرئ والشجاع 

مخالفة جسيمة !!
تلك الروح من العمل المشترك تجسدت اكثر من مرة .. منها أن عالم الأثار الأشهر عالميا الدكتور زاهي حواس والذي كان يتخوف البعض أن تتسبب شهرته الطاغية في إبعاده عن معشوقته ..الأثار المصرية وحكاياتها ..لكن العكس تمام هو ماحدث .. فالدكتور حواس رقما مهما للغاية حاليا وكما كان دائما في المعادلة السياحية والأثرية بمصر ..وللعلم فإن العالم كله سيتابع قريبا إكشافات أثرية لبعثات تعمل تحت إشراف الدكتور حواس ..وكما أن هناك تنسيقا علي أعلي مستوي بملفات كثيرة بين العناني ووزيري وحواس الذي كان وزيرا للأثار وأمينا عاما للمجلس ..وإذا كنا نقول المثل الشعبي " عادة فرعونية " لكل مسئول يأتي ويهدم ما بناه سلفه بل ويهيل عليه تراب وستار التاريخ .. فما يتم بين الثلاثي " العناني وحواس ووزيري " يعد مخالفة جسيمة للعادات الفرعونية التي هم أدري بها .. لكنها مخالفة محمودة نتمني أن تسود كافة القطاعات.


وتماشيا أيضا مع هذا التفرد المصري ..نجد أن وزير السياحة والأثار يحرص علي أن يقوم مصطفي وزيري حتي في حضور رئيس الجمهورية بشرح تفاصيل المتاحف والأثار .. وأيضا وزيري يحرص علي تقديم فريق عمله من الأثريين ..بل وصل الأمر إلي ان كاميرات الإعلام الاجنبي والمحلي خلال الإكتشاف الأخير سجلت مع الجميع " من الوزير للغفير" وهي عبارة حقيقية ولتتابعوا مداخلات عمال الحفر وخفراء المنطقة بوسائل الإعلام المحلية والأجنبية لتتأكدوا 

ثقة وكبرياء 

كل هذه المزايا للروح الجديدة خلقت نوع من التحدي وصل لدرجة لا أقول الغرور إنما الثقة الكبيرة بالنفس التي دفعت العناني ووزيري ورجالهما لإبهار العالم أجمع وعلي الهواء مباشرة بما لم تجرؤ عليه أعتي البعثات الأجنبية .. لن اتحدث فقط عن دقة التنيظم للحدث ..وتطبيق كافة الإجراءات الإحترازية التي تؤكد للعالم روعة الحضارة ورقي ومسئولية الحاضر بمصر ..ولا الطريقة المبهرة لعرض التوابيت والأثار المكتشفة .. إنما أتناول فقط مشهدا غاية في الإبهار والثقة ..وهو فحص مومياوات سقارة المكتشفة بالأشعة الحديثة علي الهواء مباشرة امام العالم أجمع ورصد حالتها وكيفية تحنيطها وتحديد عمرها وجنسها واهم ملامحها .. وهي خطوة تتم لأول مرة في العالم وأبهرت الجميع .


بقي أن نوجه الشكر لكل فرد شارك في تحقيق هذا الكشف الأثري الكبير .. وأيضا لكل من شارك في تنظيم حفل الإعلان عنه .. ولن ننغص فرحتنا بالحملات الممنهجة للمشككين الذين ينالون من كل إنجاز في مصر ..وحاولوا التشكيك في الإكتشافات السابقة بمنطقة سقارة وغيرها .. ويخترعون الإفتكاسات ويبحثون عن الثغرات لتشويه حدث أصبح في ساعات حديث العالم .. ورد عليهم الوزير بشكل غير مباشر في كلمته بداية المؤتمر الصحفي العالمي .. لكن نتمني أن يستغل رجال السياحة تلك الإكتشافات وما تابعناه من ردود أفعال عالمية واسعة عليها للترويج والدعاية وبقوة عندما تنقشع كورونا وتعود الإنطلاقة السياحية المنتظرة لتتضاعف الأعداد ومعه الدخل وفرص العمل بالسياحة قاطرة الإقتصاد المصري .. قولوا أمين