«لوكا» المنسية.. طفلة بدون نسب ظلت 3 أشهر في ثلاجة حفظ الموتى 

قبر الطفلة لوكا وارى الثرى أخيرا بعد 3 أشهر في ثلاجة حفظ الموتى 
قبر الطفلة لوكا وارى الثرى أخيرا بعد 3 أشهر في ثلاجة حفظ الموتى 

تم اختيار اسم عشوائي للطفل وهو «كريمة»
ظلت عالقة في المشرحة بدون دفن لأنها بدون «شهادة ميلاد»
لم يتم الاستدلال على عمرها بالتحديد حيث أنها غير «ساقطة قيد»
القومي إصدار مشروع قانون لتسريع دفن جثث الأطفال


تحت حرارة الشمس الحارقة وبالتحديد في يوم ١٥ يوليو الماضي، كانت الطفلة «لوكا» على موعد مع لقاء من هو أرحم بها من البشر، لترتاح من آلام تكسير عظامها، ومن نسبٍ كان سيعايرها به البعض رغم أنها لا ذنب لها.


في مركز طوخ بمحافظة القليوبية، كانت «لوكا» على موعد مع رحلة عذاب انتهت آخر فصولها في 22 أكتوبر الماضي، عندما وارى جسدها الثرى بعد أن شهدت مآسي تدمي القلوب وتدمي العيون.
 

البداية 
هنا في قرية العريضة بمركز طوخ، اُرتكبت جريمة يندي لها جبين الإنسانية، فـ «زكية. إ. ح» البالغة من العمر 20 عامًا حملت سفاحًا واتهمت والدها الطاعن في العمر والبالغ من العمر 70 عامًا، بإقامة علاقة غير شرعية معها، لتحمل وتضع طفلة ظلت متوارية عن الأعين لأشهر، وعندما افتضح أمرهما هربت مع عشيق تعرفت عليه واستقر بهما الحال في قرية كفر علوان التابعة لمركز طوخ.

 

عاشا سويا في منزل العشيق «محمود. ا»، دون أن يسأل عنها أباها الذي بلغ من العمر عتيا.. فمرت شهور وتسارعت الأحداث وفي ذات يوم استشاط العشيق غضبا من عشيقته بسبب بكاء الطفلة، فتلاسنا  وغلى الدم في عروقه وقام بإلقاء الطفلة من أعلى السلم، فسقطت مغشية عليها.

 

الشمس الحارقة حتى الممات
ذهبت «زكية. إ. ح» و«محمود. ا»، إلى أحد المستشفيات الخاصة التابع لمركز طوخ – لأن الحكومي معطل-  وتبين حدوث كسور في أماكن متفرقة من جسد الطفلة وتم «تجبيس» الكسور وذهب الثلاثة إلى المنزل في كفر علوان.


لم يكتف العشيق بما اقترفت يداه الآثمتان، بل دفع «الأم» للعمل في الخردة على عربة كارو، واضعين الطفلة في صندوق العربة بمواجهة الشمس الحارقة رغم صغر سنها ووهنها ومرضها، ففاضت روح الطفلة إلى بارئها متصف يوليو الماضي، وعندئذ نما هذا النبأ إلى المقدم محمود إسماعيل رئيس مباحث مركز طوخ الذي كثف تحرياته وسرعان ما ألقى القبض على الأم ووالدها والعشيق في غضون ساعات معدودات، وحرر المحضر رقم 6656 لسنة 2020 إداري طوخ،  وتم التحقيق معهم وترحيلهم إلى النيابة.

العربة التي حملت الطفلة ولفظت أنفاسها الأخيرة فيها

3 أشهر في ثلاجة الموتى
لم تنته مأساة الطفلة «لوكا» بوفاتها، بل كتب نبأ موتها سطورا جديدة في كتاب مليء بالآلام.. فمنذ أن فارقت الطفلة الحياة، كانت هناك سلسلة من المخاطبات بين عدة جهات لتسمية الطفلة كي تدفن، ففي الأحوال العادية يجب أن تصدر شهادة ميلاد للطفل وعندما يتخلف لمدة 15 يوما يلزم استخراج شهادة «ساقط قيد ميلاد»، وعندما يموت الشخص يجب استخراج شهادة وفاة، أما إذا مرت أكثر من 48 ساعة على الوفاة فتستخرج شهادة «ساقط قيد وفاة»، تلك هي الإجراءات المتبعة في الأحوال العادية.

 

وفيما يتعلق بحالة الطفلة «لوكا»، فهي لا تمتلك شهادة ميلاد، فاسمها لم يكتب بالسجلات، فكان لزامًا استخراج شهادة «ساقط قيد ميلاد» وهذا يتطلب إجراءات معقدة، كما أنها لم يتم قيدها بسجلات الوفاة لتأخر هذا الإجراء لمرور أكثر من 48 يوما على موتها، كما أن إصدار شهادة ميلاد شرط للحصول على شهادة الوفاة، وهو ما لم يتحقق في حالة الطفلة.


كان هذا مقدمة لتوضيح سلسلة من المراسلات بين عدة جهات رسمية، لمحاولة دفن الطفلة التي لم تسم في سجلات الوفاة فـ«لوكا غريب عبده» كي تدفن تنفيذا لأمر النيابة التي أمرت بالدفن. 

 

 

اسم لم يكتب في سجلات الوفاة
في بداية الشهر الماضي، أرسل قسم شرطة طوخ خطابا للإدارة الصحية، يطلب فيه تسمية الطفلة «ثلاثيا» تنفيذا لقرار النيابة «مع العلم أن اسم أمها معلوم».

 

وردت الإدارة الطبية بطوخ بتاريخ 11 أكتوبر 2020 قائلة: «بشأن قرار النيابة العامة في المحضر رقم 6656 لسنة 2020، فإن الطفلة تم اختيار اسم عشوائي لها وهو «كريمة»، أما بالنسبة لتحديد عمر الطفلة فيصعب الاستدلال عليه، لذلك نطلب الاستعانة بطبيب شرعي، فهذا من دوره وليس من دور الطبيب البشري حيث يصعب علينا تحديد العمر».

 

وتوالت المراسلات بين الصحة والنيابة العامة ومركز الشرطة، وأرسلت الإدارة الطبية خطابا لمركز شرطة طوخ في 13 أكتوبر الماضي، اقترحت فيه أن يكون اسم الطفلة «كريمة»  وتم اختيار اسم عشوائي للأب والجد وهو سعد إبراهيم، مضيفة أن اسم الأم معلوم وهو  «زكية. إ. ح».

 

كان آخر تلك الفصول في 19 أكتوبر 2020، حينما أرسل مركز شرطة طوخ خطابا للإدارة الصحية يطلب منها دفن الطفلة، تحت اسم «كريمة سعد إبراهيم» ووالدتها «زكية. إ. ح»، الموجودة بمشرحة مستشفى بنها العام، بمقابر الصدقة بناء على قرار النيابة، لكن المركز الطبي رد في نفس اليوم على مركز الشرطة وقال إن هناك إجراءات محددة يجب اتباعها وهي:

- أصل شهادة الميلاد وعدد 21 صورة ضوئية من الشهادة.
- 2 صورة ضوئية من بطاقة المبلغ للإبلاغ عن واقعة الوفاة.
- للإدراج على السيستم قيد الوفاة يجب استخراج شهادة ميلاد أصلية.


- مخاطبة السجل المدني ودائرة الأحوال المدنية ببنها لاتباع الإجراءات القانونية لقيدها ساقط قيد ميلاد لتجاوز مدة الـ15 يوما للميلاد، ثم استخراج شهادة ساقط قيد وفاة لمرور أكثر من 48 ساعة على الوفاة، ومخاطبة الجهات المختصة لقيدها ميلاد وقيدها وفاة .

 

تلك المراسلات أنهاها قرار النيابة العامة، التي أصدرت أمرا بالدفن – وليس تصريح الدفن – واورى جسد اسم «لوكا غريب عبده» الموجود بمشرحة مستشفى بنها العام، بمقابر الصدقة في مدينة الشموت ببنها بناء على قرار النيابة، وحضر الدفن أمين شرطة مندوبا للداخلية. 


إذن «لوكا غريب عبده» كان هذا الاسم المقيد بأمر الدفن ولم يسعفها القدر أن تسجل بالاسم المقترح من الصحة وهو«كريمة سعد إبراهيم».. لم تكتب في سجلات المواليد أو الوفيات، فعاشت ما يقرب من العام والشهرين بدون اسم ودفنت بدونه.

 

الواقعة.. ليست الأولى
«بوابة أخبار اليوم» تواصلت مع الدكتورة أمنية محمود مديرة مستشفى بنها العام «التعليمي»، والتي قالت إن الجثة كانت موجودة بمشرحة المستشفى منذ أكثر من 3 أشهر، مضيفة أنه فور استلام أمر الدفن قام المستشفى بدفن الطفلة.


من جانبه كشف مصدر مسئول بمستشفى بنها العام – تحفظ عن ذكر اسمه- أن هذه ليست الحالة الأولى التي تمكث جثة طوال هذه المدة، مضيفا أنه كان شاهدا على دفن جثث ظلت بالمشرحة لمدة ناهزت الـ6 أشهر.

 

«الصحة»: لسنا سببا في تأخير دفن الطفلة 
أما الدكتور حمدي الطباخ وكيل وزارة الصحة في القليوبية، فقال لـ«بوابة أخبار اليوم»: «ليس لنا ذنب في عدم تسجيل اسم الطفلة في المواليد أو الوفيات، فمن يولد يذهب أباه أو أمه لتسجيله في مكتب الصحة للقيد في شهادة الميلاد، وفي حالة عدم ذهب أي أحد لتسجيل المولود فليست لدينا آلية للذهاب إليهم، ولسنا طرفا أو سببا في تأخير دفن الطفلة، فنحن ملتزمون بالقانون فيما يتعلق بتسجيل المواليد والوفيات. 


وتابع وكيل وزارة الصحة بالقليوبية حديثه قائلا: «ننفذ تعليمات وزارة الصحة في قيد المواليد والوفيات عن طريق مكاتب الصحة الموجود في دائرة محافظة القليوبية، وهذه الإجراءات مميكنة وتتم طبقا للقانون واللوائح المنظمة».

 

مشروع قانون لتسريع دفن جثث الأطفال
وفي أول تحرك بخصوص هذا الموضوع، قالت الدكتورة سحر السنباطي أمين المجلس القومي للطفولة والأمومة، إن هذه الواقعة تسلط الضوء على قضية مهمة جدا وهي «تسريع دفن جثث الأطفال بشكل عام».

 

 وأضافت في تصريحات خاصة لـ«بوابة أخبار اليوم»: «سنبحث مع الجهات المعنية قضية تسريع دفن جثث الأطفال المتوفين، ونوصي كل الجهات  لتسريع الإجراءات؛ وسنتحدث مع القانونيين كي نتوصل لاقتراح مهم وهو مشروع قانون يسرع دفن الموتى، فنحن نتدخل لإنقاذ الأطفال سواء أكانوا أحياء أو أمواتا، فإكرام الميت دفنه.. لدينا محامون يتدخلون بشكل عاجل في مثل تلك القضايا إكراما للأطفال،  وهناك جهة مهمة للغاية وهي مكتب حماية الطفل التابع لمكتب العام والذي انشئ منذ عام ٢٠١٨».

واختتمت حديثها قائلة: «لدينا خط نجدة الطفل وهو ١٦٠٠٠، وهناك وآتساب رقم: ٠١١٠٢١٢١٦٠٠،  بالإضافة إلى صفحة المجلس القومي للأمومة والطفولة على فيسبوك».

 

 

مخالفة تستوجب المساءلة

من جانبه قال الدكتور أحمد مهران الخبير القانوني، إن النيابة العامة هي صاحبة التصرف في الموضوع، مضيفًا أن الدفن لا بد أن يتم في هذه الحالة بأمر نيابة وليس بتصريح دفن.


وتابع في تصريحات خاصة لـ«بوابة أخبار اليوم»: «حبس الزوجة أو والدها ليس طرفًا في الموضوع المتعلق بدفن الجثة، وليس مهمًا أن يكون الطفل شرعيًا أو لا، فالنيابة تأمر بدفن الجثة ثم تقوم الصحة بتنفيذ القرار ودفن الطفلة في مقابر الصدقات.. بمجرد صدور أمر من النيابة لا يملك أحد مخالفة هذا القرار».


واختتم حديثه قائلا: «هناك حالات مشابهة عثر على جثة ولم يستدل عليها وتم الدفن.. بالنسبة لموضوع الطفلة التي لم تدفن يجب تنفيذ قرار النيابة لأن هذا استثناء على القاعدة، فدرء المفاسد مقدم جلب المصالح فالتعجيل بدفن الجثة نزولاً على احترام حرمة الميت والحفاظ على قدسية تطبيق الشعائر الدينية أولى من التأخير لصالح التحقيقات، وإن كان لابد من التأخير فلا يجوز أن يزيد عن 7 أيام، والتأخير أكثر من ذلك مخالفة دستورية وقانونية تستوجب مساءلة من حال دون الدفن في أسرع وقت».