تجار الأوجاع.. أطباء ومهندسون في «مافيا سيارات المعاقين»!

سيارات المعاقين
سيارات المعاقين

أسماء سالم
 
 حين يغيب الضمير تصير أوجاع الناس ومتاعبهم مجالاً للاتجار والاستغلال، تماما مثل اللص الذي يستغل حريقًا أو نكبة إنسانية ويسرق المصابين والضحايا!


حدث هذا مع "سيارات المعاقين"، واستغل السماسرة الميزات التي منحتها الدولة لذوي الاحتياجات الخاصة، من خلال التحايل على القانون واستغلال رعايته ومساندتهم بإعفائهم من الجمارك والقيمة المضافة للسيارات، ولا يتطلب ذلك من النصاب أوتاجر الأوجاع إلا أن يأتي وبالحيل أيضا بخطاب يؤكد إصابته بالإعاقة مقابل مبلغ مالي، غير أنه من المؤسف أن البعض من ذوي الاحتياجات الخاصة  يبيعون مثل هذا الخطاب للسماسرة والنصابين!  

اقرأ أيضا|«التموين»: ضبط 71 طن دقيق مجهول المصدر
  
ما يفزع في الأمر أن السماسرة وتجار الآلام لم يكونوا من المجرمين الذين اعتدنا السماع عنهم ، بل ضمت مافيا السيارات بعض الأطباء ومهندسي المرور الذين يستخرجون مستندات إثبات الإعاقة، علي خلاف الحقيقة، وبيع السيارات للأصحاء بمبالغ مالية، لكن هيئة الرقابة الإدارية كانت لهم بالمرصاد وتمكنت من كشف هذه الألاعيب وإحالة المتهمين للنيابة الادارية للتحقيق معهم؛ ثم مثولهم أمام المحاكمة التأديبية والتي أصدرت قراراتها ضدهم.


 عدد كبير من الأطباء ومسئولون في المجالس الطبية المتخصصة، ومهندسون بالإدارة العامة للمرور التابعة لوزارة الداخلية، مثلوا أمام المحكمة التأديبية، وذلك لاتهامهم بالتلاعب في التقارير الطبية الخاصة بذوي الاحتياجات الخاصة، ومستندات استيراد السيارات المجهزة طبيًا والمخصصة للمعاقين، كما كشفت التحقيقات استيلاءهم بموجب هذه المستندات على عدد كبير من السيارات، وقدموها لأشخاص أصحاء بالمخالفة لكل اللوائح والقوانين.


 وضمت قائمة الاتهام طبيبين بالإدارة العامة للمجالس الطبية المتخصصة، وأخصائي روماتيزم وتأهيل، واستشاري نفسية وعصبية، 2 مهندسين بالإدارة العامة للمرور، وسكرتير إداري بقسم السيارات المجهزة بالمجالس الطبية المتخصصة التابعة لوزارة الصحة، وطبيب مراجع بقسم السيارات المجهزة، والطبيب المسئول بقسم السيارات المجهزة، والدكتور المسئول بالإدارة العامة للمجالس الطبية المتخصصة، وطبيب بشري بإدارة الصحية بمديرية محافظة السويس.


وكشفت تحريات الرقابة الادارية بان المتهمين وتبعًا لمسئولياتهم الوظيفية وبمقر قسم السيارات المجهزة بالإدارة العامة للمجالس الطبية المتخصصة بوزارة الصحة والسكان، اعتمدوا نتيجة الكشف الطبي لاثنين من المواطنين، وأثبتوا أن الأول يعاني من شلل بالطرفين السفليين، مما يؤثر على القوة العضلية وحركة المفاصل، وأن الثاني يعاني من بتر بالطرف السفلي الأيسر، مما يستوجب حصولهما على سيارات مجهزة طبيًا للمعاقين تتمتع بإعفاء جمركي كامل خلافًا للحقيقة، وتم القبض، على أحدهم  بمعرفة المختصين بجمرك ميناء بورسعيد، وهو من حصل على خطاب من الأطباء يؤكد إعاقته وتم ثبوت سلامته بدنيًا من أي إعاقات.

وكشفت التحقيقات، تم استبدال الصور الحقيقية لأحد المعاقين، بأخرى لا تخصه، وأدى ذلك إلى استصدار قرار له بأحقيته في استيراد سيارات مجهزة طبيًا للمعاقين تتمتع بإعفاء جمركي كامل، كما كشفت التحقيقات عن إهمال المتهمين، وهم مراجع ورئيس قسم السيارات المجهزة للمجالس الطبية المتخصصة التابعة لوزارة الصحة، ما أدى إلى عدم اكتشاف نزع الصورة الشخصية من استمارة نتيجة توقيع الكشف الطبي، وتقاعس مديرعام الإدارة العامة، عن اتخاذ الإجراءات اللازمة حيال وضع قواعد محددة تنظم العمل داخل لجان قسم السيارات المجهزة والمختصة، بتوقيع الكشف الطبي على المعاقين طالبي الحصول على سيارات مجهزة طبيًا تتمتع بإعفاء جمركي كامل، لبيان مدى أحقيتهم في ذلك من عدمه.


مفاجأة طبيب العظام!


غير أن المفاجأة الكبرى التي كشفتها تحقيقات النيابة الإدارية، أن طبيب عظام بالإدارة الصحية التابعة لمديرية محافظة السويس، استخرج لنفسه شهادة تؤكد أنه معاق، وذلك باشتراكه مع آخرين في التلاعب بالمستندات الخاصة بقسم السيارات المجهزة بالإدارة العامة للمجالس الطبية المتخصصة، بقصد حصوله على سيارة مجهزة طبيًا للمعاقين تتمتع بإعفاء جمركي، وذلك عن طريق موافقته على وضع بياناته وصورته الشخصية على تلك المستندات رغم إلصاق صور شخصية لشخص معاق آخر غيره، ما أدى إلى صدور قرار بأحقيته في استيراد تلك السيارة رغم سلامته بدنيًا.


وقال المتهم في التحقيقات، إنه طبيب عظام بكفر صقر، وأراد شراء سيارة ملاكي مستوردة، وفي سبيل ذلك تعرف علي أحد الأشخاص ممن يترددون عليه في العيادة من وقت لآخر، الذي أخبره أنه يستطيع شراء سيارة له  استيراد الخارج، وأخذ من الطبيب صورة البطاقة الشخصية، وبعد فترة قال للطبيب ان يتقابلوا في جمارك بورسعيد مع تاجر سيارات يدعي أحمد .م، وعرف منهما انهم سوف يستخرجون له قرار من المجالس الطبية للحصول علي سيارة مجهزة طبية معافاة من الجمارك، علي أساس أن القرار مدون عليه أنه معاق ويحتاج للسيارة المجهزة لوجود بتر في الطرف السفلي، وقال المتهم إنه لم يكن يعلم أن هناك تزوير في مستندات المجالس الطبية وعندما اعترض هدده تاجر السيارات بالتشويش على سمعته في بلدته، وأضاف انه لم يتم الكشف الطبي عليه، وإن الصورة الشخصية علي الشهادة الطبية لا تخصه ولكن بياناته صحيحة، وأضاف انه توصل إلى إجراء بسداد قيمه الضرائب لمصلحة الجمارك.


وبعد سماع أقوال المتهمين وتحريات الرقابة الإدارية وتحقيقات النيابة، قضت المحكمة التأديبية برئاسة المستشار حاتم محمد داوود،  ضد طبيبين بالإدارة العامة للمجالس الطبيبة المختصصة بوزارة الصحة، وأخصائي روماتيزم وتأهيل بمستشفي المنيرة العام، ومهندس بالإدارة العامة للمرور بوزارة الداخلية، بالوقف عن العمل لمدة 3 اشهر مع صرف نصف الأجر، ومجازاة طبيب استشاري نفسية وعصبية بمستشفي بنها التعليمي، ومهندس بالادارة العامة للمرور بوزارة الداخلية، ومدير الإدارة العامة للمجالس الطبية المتخصصة لوزارة الصحة، بغرامة تعادل ثلاثة أضعاف الأجر الأساسي، كذلك مجازاة سكرتير إداري بقسم السيارات المجهزة بالمجالس الطيبة بغرامة تعادل الأجر الأساسي، وخصم أجر 15 يومًا من الراتب الوظيفي لمراجع بقسم السيارات المجهزة، أيضا قررت التأديبية وقف طبيب عظام بالإدارة الصحية بمحافظة السويس، عن العمل لمدة 5 أشهر مع صرف نصف الأجر الأساسي.


إعلانات فيسبوك.. وما الحل؟!


ومن جهة أخرى، انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي، صفحات وجروبات وإعلانات لصالات سيارات تعرض سيارات المعاقين للبيع بأسعار مخفضة عن نظيرتها بالسوق، مع تأكيدها على سلامة الأوراق والإجراءات اللازمة، وأيضا تعليم كيفية جلب "سيارة المعاق" لأشخاص ليسوا من ذوي الاحتياجات الخاصة!


وهناك من يضع إعلان بأنه يملك جواب إعاقة، لمن يريد الشراء، وايضاً من يبيع السيارة الخاصة بالمعاقين وذلك بعد انتهاء فترة الحظر.


وحول هذه التصرفات المنحرفة، يقول الدكتور خالد حنفي، عضو اللجنة التشريعية بمجلس النواب،إنه وللأسف هناك عشرات من ذوي الاحتايجات الخاصة، يقدمون على بيع الخطاب الذي يؤكد إعاقتهم بأنفسهم، وهناك سماسرة يركزون على أماكن تواجد المعاقين، ويتفق مع شخص معاق ويستغل ظروفه ويعطيه مبلغًا ويتم استخراج أوراق له بأحقيته في سيارة معاق على اسمه وبعد وصول السيارة يأخذها منه لنفسه، وتظل باسم المعاق حتى انتهاء فترة الحظر، لذلك فرض القانون حظر لمدة 5 سنوات، بعدم التصرف، وبعد الفتره المقررة يتم يبع السيارات حتي للأسوياء.


وأوضح أن أحد أساليب الاتجار في سيارات المعاقين هو الانتظار حتى انتهاء الحظر على السيارة بحد أدنى 3 سنوات وأقصاها 5 سنوات واستخراج شهادة بيانات من الجمارك بأنها غير محظورة مما يسهل شراءها من الشخص بالمعاق بعد تلك المدة، ولا يوجد عليها اعتراض من المرور والجمارك بعد انتهاء الحظر، أو الانتظار على شراء السيارة بعد 5 سنوات كاملة، وفي هذه الحالة يصدر تلقائيًا قرار بفك حظر البيع، ويرسل القرار بخطاب موجه من مصلحة الجمارك إلى إدارة المرور التي تتبع لها السيارة وذلك في فترة زمنية أقصاها شهرين.

ويقول اللواء مجدي الشاهد، مساعد وزير الداخلية السابق والخبير المروري، بأن سيارة المعاقين لا يقودها إلا المعاق نفسه، لأنه يستخرج رخصة قيادة ورخصة تسيير، والقومسيون الطبي يعطي وصف تفصيلي عن حالته ويتم تجهيز السيارة حيث نستعيض عن الأجزاء المعاقة لديه أو غير الموجودة بتصميم في السيارة، فمثلا إذا لم يكن هناك قدم نضع الفرامل باليد، وإذا لم يكن هناك يد نضع الفرامل عند القدم، وذلك وفقا للحالة الطبية الصادرة، والتأكد من أن السيارة مواكبة للحالة الصحية للمعاق.

ويضيف الشاهد أنه عند ضبط اي شخص غيرمعاق في المرور، أثناء قيادته لسيارة المعاق يتم حجز المركبة وعرضه على النيابة، ويخرج بكفالة على ذمة القضية أو يتصالح مع الجمارك وتحصل مصلحة الجمارك قيمة الإعفاء الجمركي من جديد وهو ما يعرف بالتصالح مع الجمارك وتقدم في جلسة المحكمة ما يفيد تصالحك مع الجمارك ومعها غرامة تعويضية جمركية، وتتميز سيارة الاعاقة عن السيارات الاخري بوضع ملصق محدد علي زجاج السيارة.

وأشار الخبير المروري إلى أن القانون حدد بالتوكيل من المعاق الي السائق الذي يرافقة أن يكون من الدرجة الأولى بالقرابة، ويمكن للأب أوالأم شراء سيارة إعاقة بأسم طفلهم المعاق القاصر، وذلك تحت ذريعة أنه الوصي عليه ويرعاه.