صراع «حورس وست» وهل انتهى بالصلح أم انتصار الخير على الشر؟

إيزيس الحبلى
إيزيس الحبلى

أكد خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان مدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمى بمناطق آثار جنوب سيناء بـوزارة السياحة والآثار أن أهمية مدينة بوتو ترجع إلى القصص المصرية التى تشير إلى اختباء إيزيس الحبلى من ست، الذي يمثل له الطفل المنتظر تهديدًا في أجمة من البردي في دلتا النيل، يسمى هذا المكان أخبِتي، ومعناه بالمصرية "أجمة البردي لملك الدلتا"، ويسمي الكُتّاب اليونان هذا المكان خِمّيس ويشيرون إلى أنه قريب من مدينة بوتو ولكن في الأسطورة لا يمثل الموقع المادي أهمية مقارنة بطبيعته التي تجعل منه رمزًا لمكان العزلة والأمان.

 

ويوضح الدكتور ريحان أن الجزء الثانى من أسطورة إيزيس وأوزوريس تشير إلى تحدى حورس البالغ لست على عرش مصر وتتسم المنافسة بينهم في الغالب بالعنف، لكن يمكن وصفها أيضًا بمحاكمة شرعية أمام التاسوع المقدس، وهو مجموعة من الآلهة المصرية لتقرير من له الأحقية في وراثة المُلك. من المحتمل أن يكون القاضي في هذه المحاكمة هو جب الذي، بوصفه والد أوزوريس وست، اعتلى العرش قبلهما، أو ربما يكون أحد إلهَي الخلق رع وأتوم منشئي النظام الملكي كما تؤدي آلهة أخرى أدوارًا مهمة؛ فالإله تحوت يؤدي دور مصلح في النزاع أو مساعد للقاضي الإلهي. وفي كتاب "الصراعات"، تستخدم إيزيس ذكائها وقواها السحرية في مساعدة ابنها.

 

وينوه الدكتور ريحان إلى كتاب "الصراعات" الإلهين حورس وست وكل منهما يستغيث بالآلهة الأخرى للفصل في النزاع بينها، وهما يتنافسان في مختلف أنواع المسابقات مثل سباق القوارب أو مصارعة بعضهم البعض متخذين صورة أفراس النهر، لتحديد المنتصر، في هذه النسخة من القصة يهزم حورس ست مرارًا وتكرارًا ويساعده في ذلك معظم الآلهة الأخرى ومع ذلك يستمر الصراع ثمانين عامًا، والسبب الأساسي في ذلك هو القاضي الإله الخالق الذي يحابي ست
وفي نصوص الطقوس الحديثة، يوصف الصراع بأنه معركة كبيرة تضم كافة أتباع الإلهين كما تمتد الفتنة في العالم الإلهي إلى ما بعد الخصمين، وفي لحظة ما، تحاول إيزيس أن تطعن ست بالحربة أثناء اشتباكه مع ابنها في قتال لكنها تطعن حورس بالخطأ مما يجعله يقطع رأسها في نوبة من الغضب، يستبدل تحوت رأس بقرة برأس إيزيس وبهذا القصة تبرر سبب ارتداء إيزيس في الغالب رداءً مرسومًا عليه رأس بقرة بقرون لذلك يقوم ست في بعض المصادر بتبرير اعتداءه المستمر بعد ذلك على حورس بأنه عقاب للإله الصغير على العنف الذي وجهه لأمه.

 

ويشير الدكتور ريحان إلى الحلقات الأخرى المهمة في الأسطورة وهو الجزء الذي يختص بالإصابات التي ألحقها المنافسين ببعضهما؛ فحورس يصيب أو يسرق خصيتي ست، في حين يُتلف ست أو يقتلع إحدى عينى حورس أو كليهما وأحيانًا يُقال إن العين تقطعت إلى أجزاء. ترمز إصابة ست إلى فقد الفحولة والقوة، لكن اقتلاع عيني حورس ذو أهمية أكبر بكثير، حيث تمثل عين حورس المسروقة العديد من المفاهيم في الديانة المصرية القديمة ومن الأدوار الرئيسة التي يقوم بها حورس كونُه إلهًا للسماء، ولهذا السبب يُقال أن عينه اليمنى هي الشمس واليسرى هي القمر وعليه تعادل سرقة أو إتلاف عيني حورس إظلام القمر خلال مراحله المختلفة أو أثناء الخسوف ويمكن أن يقوم حورس باسترجاع عينه المفقودة أو تقوم الآلهة الأخرى بما فيها إيزيس وتحوت وحتحور بإعادتها له أو شفائها.

وعلى أية حال، فاستعادة عين حورس إلى جسده تمثل عودة القمر إلى كامل إشراقه، وعودة المُلك إلى حورس، وكثيرًا من جوانب ماعت. وأحيانًا تصحب استعادة عين حورس استعادة خصيتي ست، ولهذا يصبح كلا الإلهين في صورته المكتملة بنهاية الصراع.

 

 

ويتابع الدكتور ريحان بأن الصراع بين حورس وست انتهى بتقاسم المملكة بينهما ويمكن أن يعادل هذا التقاسم أي من الازدواجيات المتعددة التي شهدها المصريون في عالمهم ويمكن أن يحتوي نصيب حورس على الأرض الخصبة حول النيل وقلب الحضارة المصرية، وفي هذه الحالة يكون نصيب ست هو الصحراء الجرداء أو الأراضي الأجنبية المتصلة بها. كما يحكم حورس الأرض في حين يسكن ست في السماء. ويمكن أن يقتسم الإلهان نصفي البلد التقليديين، وهما صعيد مصر والدلتا، وفي هذه الحالة يمكن لأي من الإلهين الاتصال بأي من النصفين، لكن في تمثيلية منف، يقسم القاضي جب المملكة بين المطالبين بها، ثم يرجع بعد ذلك في قراره تاركًا التحكم المطلق لحورس، وفي هذا الاتحاد السلمي يتصالح حورس وست، وتتحول الازدواجية بينهما إلى مجموع متحد. بهذه النهاية.

 

وينوه إلى آراء أخرى تركز على انتصار حورس ولا يتصالح ست مع خصمه، ولكنه يتعرض للهزيمة التامة، وأحيانًا يُنفى من مصر أو يصل الأمر إلى أن يتم القضاء عليه وتوجد تفاصيل أكثر عن كيفية هزيمته وإذلاله في النصوص المتأخرة للتاريخ المصري، حيث يزداد النظر إليه على أنه رمز للفوضى والشر ولا يرى فيه المصريون مكملًا للنظام الطبيعي كما اعتادوا.

 

ويصف الدكتور ريحان احتفالًا كبيرًا بين الآلهة حين يتولى حورس العرش وأخيرًا يحكم مصر حاكم شرعي ويسهم القرار الإلهي بأن ست مذنب في التعويض عن الظلم الناتج عن قتل أوزوريس، كما يُكمِل عملية أعادته إلى الحياة بعد الموت وأحيانًا يُجبر ست على حمل جثة أوزوريس إلى قبره باعتبار هذا جزءًا من عقابه ويؤدي الملك الجديد مراسم جنازة أبيه ويقدم قرابين من الطعام لمساندته، وغالبًا ما تضمنت القرابين عين حورس التي تمثل في هذه الحالة الحياة والفيض وفقًا لنفس المصادر وعبر هذه الأفعال فقط يمكن أن يحيا أوزوريس في الآخرة ويتولى منصبه ملكًا للموتى، نظيرًا لدور ابنه بصفته ملكًا للأحياء من ذلك الحين فصاعدًا، ينشغل أوزوريس بالدورات الطبيعية للموت والبعث مثل النمو السنوى للمحاصيل الذي يناظر عمليه إحيائه.

 

وفي أواخر القرون قبل الميلادية، انتشرت عبادة إيزيس من مصر لما وراء البحر المتوسط، وأصبحت واحدة من أشهر الآلهة في هذه المناطق.

ومع أن هذه الصورة الجديدة متعددة الثقافات لإيزيس أخذت بعض ملاحها من آلهة أخرى، كانت طبيعتها الأصلية الأسطورية بصفتها زوجة وأم نقطة أساسية في نيلها الإعجاب.

 

وانتشرت شخصيتي حورس وأوزوريس معها لكونهما شخصيتين أساسيتين في قصتها. كتب بلوتارخ قصته عن إيزيس وأوزوريس لكاهنة إغريقية، فاستمرت أهمية إيزيس حتى القرن الرابع بعد الميلاد عندما غطت عليها المسيحية. لكن المسيحية أخذت كثيرًا من الأساطير المحيطة بإيزيس ودمجتها معها