حديث الأسبوع

اللقاح الموعود ضد فيروس كورونا لايمثل الحل النهائى والشامل

عبدالله البقالى
عبدالله البقالى

عبدالله البقالى

الأكيد أن أحد أهم الأسئلة الرئيسية، التى تشغل بال واهتمام الرأى العام الدولى تتمحور حول مدة عمر وباء كوفيد 19، الذى قلب جميع الموازين فى العالم، أى متى ينتهى الوباء وتعود الحياة إلى طبيعتها فى الكون ؟ فالواضح اليوم أن هذا الفيروس الخبيث أحدث هزة عنيفة جدا فى بنية الحياة الخاصة والجماعية فوق البسيطة، وخلف تكلفة غالية جدا تمثلت فى مئات الآلاف من القتلي، وملايين المصابين الذين لازال مصيرهم مجهولا، وخسائر مادية واقتصادية فى الاقتصاد العالمى تكاد تكون غير مسبوقة فى تاريخ البشرية الحديث والقديم، ولحد اليوم لا زال الفيروس اللعين يمارس نشاطه القوى يحصد مزيدا من الضحايا ويكلف مزيدا من الخسائر، ولا أحد فى العالم يمكنه أن يتنبأ الآن متى يتمكن العالم من اجتياز هذه الظروف القاسية جدا، التى تسببت فى موجات عارمة من الخوف والقلق والرعب مما قد يكون منتظرا. ولم تستطع الأخبار المتواترة المتعلقة بالسباق المحموم بين الدول وكبريات الشركات المتخصصة فى الأدوية وفى عالم البيولوجيا والفيروسات نحو التفرد بالسبق فى اكتشاف اللقاح المضاد، للحد من رقعة الهلع الآخذة فى مواصلة الانتشار، ولم ينجح العلم والعلماء الذين تبحروا لحد الآن فى عالم هذا الوباء الخطير من تبديد المخاوف الكبرى والعظمى المتنامية جراء انتشاره المهول بين سكان العالـم، حيث لا يفرق بين غنى وفقير، ولا بين قوى وضعيف.
حالة من اللايقين تسود العالم حاليا ترخى بظلالها على الحياة اليومية للبشرية جمعاء، مما يتسبب فى وضع غامض جدا انعكس على أنماط السلوك والإنتاج للأفراد والجماعات والشركات، وعلى طبيعة النظام الدولى المعاصر الذى يواجه إحدى أكبر وأخطر التحديات.
ماذا عن مصير الحياة البشرية فى ضوء كل ما يحدث ؟ ومتى ينجح العالم فى اجتياز مرحلة الاهتزازات والمطبات ليعود إلى أوضاعه الطبيعية، التى كانت تواجه بموجات كبيرة وواسعة من الغضب والقلق وعدم الرضي، وأضحى البشر اليوم نادما على سلوكه، متطلعا للعودة إلى الوضع الذى لم يكن يرضى الغالبية الساحقة من الناس ؟
المواعيد المعلنة من مختلف الأطراف التى تتحدث عن إمكانية عودة الحياة إلى طبيعتها لا تعدو مجرد تخمينات، ولا تتجاوز سقف التنجيم، التى قد يكون الهدف منها مساعدة البشر على تحمل الظروف الصعبة جدا، إلى أن تبدو مؤشرات جديدة تساعد على توضيح الصورة، بما يمكن من الحديث عن المستقبل القريب للبشرية بصفة أكثر دقة.
كان التعويل على منظمة الصحة العالمية فى مساعدة البشرية، على التفوق فى مواجهة هذا الوباء الفتاك، ولكن هذه المنظمة، التى قيل قبل إنشائها منذ ما يزيد عن ثمانين سنة خلت، إنها ستمثل درع العالم فى التصدى لجميع المخاطر الصحية والوبائية التى تهدد البشرية، احتمت فى الاشتغال والحديث عن الهوامش، ولم تنجح لحد الآن فى تعبئة الجهود والإمكانيات والموارد البشرية للتصدى للجائحة، واكتفت بإطلاق العنان للتصريحات والمنشورات التى زادت من موجات الخوف والقلق. وحينما يتحدث مسؤولوها اليوم عن عمر هذا الوباء، فإنما يلامسون الموضوع بالتوقعات فقط، وهذا ما يتضح جليًا مثلا فيما تضمنه تدخل للسيدة «سوميا سواميناثان» نائبة المدير العام لمنظمة الصحة العالمية لشؤون البرامج فى اجتماع عن بعد استضافته مؤسسة الأمم المتحدة فى منتصف الشهر الماضى حينما قالت إنه «من غير المرجح أن تعود الحياة إلى طبيعتها مثل ما كانت عليها قبل ظــهور جائحــة كــورونا، قبل عــام 2022 «. وجــاء فــى هــذه التصريحات التــى نقلتها صحيفـــة
(South China Morning Post)، إن الطريقة التى يتخيلها الناس بتوقيت طرح اللقاح للعالم بأسره، وتوقيت عودة الحياة إلى طبيعتها مجرد خيال وليس واقعا «ورهنت المسؤولة فى المنظمة الأممية انخفاض معدلات انتشار الوباء بوصول معدل اكتساب المناعة لدى الأفراد إلى ما بين 60 و70 بالمائة.
من جهته يقدر رئيس شركة مايكروسوفت السيد «بيل غيتس» أن «عودة الحياة شبه الطبيعية فى الدول الغنية قد تتحقق بحلول نهاية سنة 2021، إذا ما أصبح اللقاح جاهزا فى وقت قريب، وتم توزيعه بشكل سليم على نطاق واسع « والأكيد أن الرجل ينظر إلى أمد وعمر الوباء من زاوية تجارية صرفة، لأن ما أعلنه مالك أحد أكبر وأهم الشركات التجارية المستفيدة من زمن الجائحة، غير مسنود بأسس علمية متخصصة.
و بعيدا عن مثل هذا التصريحات، التى قد يكون بعضها مجرد جرعات إنعاش الآمال وحبات تهدئة، بيد أنه قد يكون بعضها الآخر مجرد محاولة ملء فراغ قاتل، فإن الحقيقة التى تؤشر عليها جميع المعطيات تتمثل فى استحالة توقع العمر الحقيقى والفعلى للوباء. فمن جهة، جميع محاولات وجهود التوصل إلى لقاح فعال ضد الفيروس لاتزال فى منطقة الغموض والالتباس لحد الآن، كما أنه حتى فى حال التوصل إلى هذا اللقاح، فلا أحد يملك القدرة للحكم على فعاليته ونجاعته، ولنا فيما كشفت عنه شركة (سيروم انستيتوت)، إحدى أكبر وأشهر شركات اللقاحات فى العالم، أكبر دليل عن غموض أجزاء الصورة فيما هو قادم، حيث أكدت الشركة أن (تطعيم كل سكان العالم ضد فيروس كورونا قد يستغرق بين أربـــــع وخمس سنوات ). وأوضــح مديـــر الشركـــة، حســـــب مــــا نقلـــه موقـــــــع (Business Insider)، قائلا بأن «توفير اللقاح للجميع يتطلب 15 مليار جرعة، بمعدل جرعتين للشخص الواحد «محذرا فى هذا الصدد من أن مصنعى الأدوية ليست لديهم القدرة الانتاجية لتلبية طلب فى هذا الحجم».
تبقى الإشارة فى الأخير إلى أن أمد وعمر الجائحة غير مرتبط فقط بالتوصل وباكتشاف اللقاح المضاد، فهذه النتيجة قد تمثل نهاية مرحلة أساسية من عمر الجائحة، ولكنها ليست الحل النهائى، لأن للجائحة تداعيات اجتماعية ونفسية وتجارية واقتصادية، وحتى سياسية لا يمكن التوقع بتجاوزها والتغلب عليها فى المدى المنظور. فمن خصائص الأزمات الصحية العالمية أنها تعمر طويلا من خلال التداعيات، لذلك من غير المنطقى القول اليوم إن العالم سيتمكن فى المدى المنظور من تجاوز الأزمة العالمية الطارئة فى أيام أو أسابيع أو شهور، بل إن الأمر يتعلق بسنين، ويهم أزمة ستظل راسخة فى الذاكرة الإنسانية وممتدة فى التاريخ البشرى.