أمام الجنايات.. أطباء وممرضون وسماسرة يسرقون أعضاء المصريين

معاناة البشر مع تجار البشر.. شبكة «التلياني» تستدرج المجني عليهم والتحاليل بشقة عين شمس

هيئة المحكمة
هيئة المحكمة

منى ربيع

الاتجار بالبشر من الجرائم الخطيرة والمرعبة والتى تمثل انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان، مما يجعلنا نعود إلى قرون طويلة مضت، كان الإنسان فيها مجرد سلعة تباع وتشترى معدوم الإرادة، لمجرد أنه إنسان ضعيف ليس له مأوى، وبالرغم من انتهاء تلك التجارة منذ قرون طويلة، إلا أنها عادت ثانية للظهور بشكل آخر ليس في أسواق النخاسة بل في أشكال أخرى، قام فيه المتاجرون بالبشر بحجز الأشخاص وتهديدهم وترويعهم سواء بالقوة أو التأثير عليهم بالمال أو بالخداع والاحتيال أو بابتزازهم بإساءة استغلال مواقف ضعفهم بدافع السيطرة عليهم ليصبحوا سلعة تباع وتشترى، لا يفرق البائع بين طفل أو امرأة أو رجل، فسماسرة الأرواح هؤلاء يتاجرون في الأعضاء البشرية مما جعل هناك خطورة كبيرة على البشر ليتم تفعيل اتفاقات وقوانين دولية لمنع الاتجار بالبشر!


"أخبار الحوادث" فتحت ملف الاتجار بالبشر وتناولنا في الأعداد السابقة، بيع الأطفال واستغلالهم في أعمال التسول، والاستغلال الجنسي للنساء من واقع أوراق القضايا وأحكام المحكمة المختصة في نظر قضايا الاتجار بالبشر، وفي هذا العدد سنتناول النوع الرابع من الإتجار وهو استغلال حاجة البعض للمال وتجارة الأعضاء البشرية، في السطور التالية نكشف من واقع أوراق التحقيقات والقضايا التى يتم نظرها الآن أمام القضاء ما تفعله هذه الشبكات الإجرامية.

أمام محكمة الجنايات والمختصة بنظر قضايا الاتجار بالبشر برئاسة المستشار محمد الجندي، وعضوية كل من المستشارين الدكتور حسن السيد، ومحمد أحمد صبرى كان هناك مجموعة من قضايا تجارة الأعضاء البشرية بعضها حكم فيها والبعض الآخر مازال ينظر أمام المحكمة، المثير في الأمر أن جرائم الإتجار في الأعضاء البشرية جميعها تقوم على ما يتعارف عليه بين السماسرة، "الكشافين"، الذين يصطادون ضحاياهم لحاجتهم للمال وهؤلاء أغلبهم كشفت التحريات أنهم قاموا أيضًا ببيع الكلى الخاصة بهم وتحولوا إلى سماسرة فيما بعد، المال أعمى قلوبهم ليقرروا التجارة في لحوم البشر.

نجدة الطفل

القضية الأولى كشفت عبر بلاغ إلى نجدة الطفل من أحد الأطفال ويدعى محمد يبلغ من العمر 17 عامًا والذى أكد أنه استدرج من قبل أحد الأطفال والذى استغل احتياجه للمال كونه ليس له مأوى وأقنعه ببيع الكلية مقابل 15 ألف جنيه وسلمه للمتهمة الرابعة في القضية وشهرتها "ام جنا" وزوجها، احتجزوه بشقة سكنية بمنطقة عين شمس وهناك أجروا له الفحوصات الطبية اللازمة، وسلموه للمتهم الأول ويدعى "التليانى"،  ونظرًا لصغر سن المجنى عليه استخرجوا بطاقة مزورة له، بعدها اصطحبوه معصوب العينين ومكث في المستشفي ثلاثة أيام وهناك وبواسطة طبيب معين استئصلت الكلية اليمنى له وبعد العملية وتعافيه بشكل جزئي، قاموا بتعصيب عينيه ونقلوه في سيارة إلى محطة قطار رمسيس وأعطوه المبلغ المتفق عليه، لكنه شعر بالإعياء والتعب مما جعله يتقدم بالبلاغ لنجدة الطفل، ليتم القبض على المتهمين جميعًا وتقديمهم للمحاكمة والتى أصدرت حكمها بالسجن المشدد للمتهمين وتغريم كل منهم 100 ألف جنيه.

بطاقة مزورة

بطاقة مزورة كانت بداية وقوع عصابة من تجار الأعضاء البشرية في الجيزة، البداية بلاغ من مكتب توثيق الجيزة بحضور المجنى عليه "س.ع" لعمل إقرار بالتبرع بإحدى كليتيه لـ "ا.ع"  بإحدى المستشفيات الخاصة وللتصديق على الإقرار قدم بطاقة شخصية بنزع غلافها تبين احتمالية تزويرها، على الفور انتقل مقدم من مباحث الأموال العامة إلى مكتب توثيق الجيزة وتقابل مع المجنى عليه "س.ج" واطلع على بطاقة الرقم القومى المشكوك فى صحتها، وبسؤاله قرر بأنه تقابل مع شخص وهو المتهم الأول في القضية ويدعى "س.ع" وهو الذى منحه تلك البطاقة بعد أن تقابل معه فى موقف سيارات أوسيم، وطلب منة التبرع بكليته مقابل 20 ألف جنيه، وطلب منه بطاقة الرقم القومى الخاصة به ثم أعطاه البطاقة المتحفظ عليها بعد تغيير تاريخ الميلاد الثابت فيها من 8/6/1997 الى 8/6 1995 لكون شرط من شروط التبرع أن يكون سن المتبرع واحد وعشرون عامًا وذلك لاستخدامها فى مكتب التوثيق.

وأضاف أن المتهم الثاني "ن.س" هو مندوب من قبل المتهم الأول ومكلف بإنهاء الإجراءات الخاصة بالتبرع وعمل الفحوصات الطبية للمجني عليه، وبتفتيش ضابط الواقعة  له عثر معه على مبلغ ألف وستين جنيهًا وبمواجهته بالمبلغ المضبوط قرر أنه مصاريف التنقلات تحصل عليها من المتهم الأول، ويتولون هم توصيل الضحية للمستشفى، لتصدر المحكمة حكمها  على سماسرة الأعضاء بالسجن عشر سنوات وتغريم كل منهم 100 ألف جنيه.

السيدة زينب

الواقعة الثالثة تم كشفها عن طريق المجنى عليها والتى رفضت الانصياع للمتهمين بالرغم من حاجتها للمال حيث أبلغت عن عصابة التجارة في الأرواح بعد أن استطاعت الهروب منهم، قالت "ن.ع" المجني عليها في بلاغها، أنها تعرفت على المتهم الاول "ج.ع"  بمنطقة السيدة زينب وعرض عليها توفير فرصة عمل لها نظرًا للظروف التى تمر بها وقابلها بالمتهمة الثانية "و.ف" الشهيرة بأم محمد ووعدتها الأخيرة بتوفير فرصة عمل لها بإحدى المستشفيات وطلبت منها إجراء بعض التحاليل الطبية لإثبات خلوها من الأمراض تحسبًا لإصابتها بمرض عن طريق المستشفى، فتتولى المستشفى علاجها واخذت توقيعها على سندات دين لضمان عدم استيلائها على أى ممتلكات للمستشفى، وعرضت عليها الإقامة فى مسكنها لحين الانتهاء من إجراء التحاليل الطبية، وأثناء إجراء تلك التحاليل وبرفقتها المتهمين من الرابع حتى السادس علمت من إحدى الممرضات بتلك المعامل، أن المتهمة الثانية وباقي المتهمين دائمي التردد على المعمل وبرفقتهم العديد من الحالات لعمل عمليات تبرع بالكلى، وبمواجهتها للمتهمة الثانية بذلك واعلان رفضها لإجراء العملية هددتها المتهمة الثانية بتهديدها بسندات الدين التى وقعتها سابقًا ثم احتجزت طفلتيها داخل إحدى غرف شقتها مما حدا بالمجني عليها مسايرتها والتظاهر بالموافقة حتى تمكنت من الخروج من المنزل، وتوجهت لإبلاغ الشرطة.

وبإجراء التحريات التى أيدت حدوث الواقعة، وباستصدار أذن من النيابة تم ضبط المتهمين أثناء احتجازهم نجلتي المجنى عليها بشقة المتهمة الثانية بمنطقة صقر قريش لإرغامها على استئصال كليتها لبيعها  حيث أنهم  يشكلون  تشكيلًا عصابيًا تخصص فى الإتجار بالأعضاء البشرية باستخدام شقة المتهمة الثانية كمكان لإيواء ضحاياهم عقب إجراء العمليات الجراحية لحين استقرار حالاتهم الطبية وذلك بالتحايل واستغلال عوز الضعفاء وحاجتهم للتربح، المتهمون تم تقديمهم للمحاكمة الجنائية والتى اصدرت حكمها بالسجن المشدد بمدد تتراوح مابين ست وعشر سنوات، وتغريم كل منهم 100 ألف جنيه.

سقطوا بالصدفة

في هذه الدعوى استقر فى عقيدة المحكمة استخلاصا من كافة أوراقها وما دار بشأنها بالتحقيقات حاصلة بأن حال تواجد الشاهد الأول بأحد المقاهي بمحيط سكنه، تواجد بجواره مجموعة من الاشخاص غرباء عن المنطقة من بينهم المتهمين الرابع والخامس، حيث سمعهم يتحدثون عن بيع كلية ويختلفون حول المقابل المادي، وبسؤال المتواجدين بالمقهى تبين أن المتهم الرابع اعتاد الجلوس بالمقهى ويتردد عليه العديد من الشباب بصفة مستمرة فتوجه إليهم وبسؤالهم عن سبب تواجدهم بالمنطقة وعما اذا كانوا يتاجرون في الاعضاء البشرية،طالبًا منهم أن يرفعوا ملابسهم  فتلاحظ له وجود مكان جروح فى الجانب الايسر للمتهم الرابع والشاهد الرابع ثم علم بأنهم يتاجرون فى الاعضاء البشرية فاتصل بالشرطة، كما ثبت من تقرير الطب الشرعي أن الكلية اليسرى للمجني عليه قد استئصلت.

كما ثبت من تحريات قسم مكافحة الإتجار بالبشر بالإدارة العامة لمباحث الآداب و تحريات مباحث قسم شرطة دار السلام صحة الوقائع المنسوبة للمتهمين، الذين يستدرجون الضحايا في شقق سكنية حتى ميعاد إجراء الجراحة وانهم في تلك الفترة يجروون الفحوصات الطبية وبمجرد التأكد منها تنقل الضحية الى إحدى المستشفيات الخاصة لإجراء عملية استئصال الكلى، وتبين من التحقيقات أن المتهمين استدرجوا في بداية الأمر من قبل آخرين للتبرع بالكلى وبعد ذلك قرروا العمل كسماسرة، المتهمون تم تقديمهم للمحاكمة والتى اصدرت حكمها بمعاقبتهم بالسجن من ست لعشر سنوات.

أبو النمرس

قضية تجارة الأعضاء البشربة بأبو النمرس من القضايا التى شغلت الرأي العام والتى انتهت فيها المحكمة بمعاقبة ٤ متهمين بالسجن المشدد ١٠ سنوات، ومعاقبة ٣ آخرين بالسجن المشدد 5 سنوات، وتغريمهم 100 ألف جنيه.


وقد جاء في قرار الإحالة أن كلا من عزت.خ جراح، وإبراهيم.م «طبيب تخدير»،وشريف.ع طبيب تخدير، وأكرم المصري ممرض، وس.أ ممرضة، وعصام .ك كيميائي تحاليل، محبوس، ووليد.ي، «فني صيانة»، وعبداللاه.ا «فنى تحاليل»، وع.ا «طبيب مالك المنشاة»، هارب انضموا جميعًا لجماعة إجرامية منظمة لأغراض الاتجار في البشر تستهدف نقل وزراعة الأعضاء البشرية متعاملين مع أشخاص بمختلف الصور بأن ارتكبوا سلوك الاستقبال للمجني عليه، محمد كمال وكان ذلك بواسطة استغلال حاجته المالية بغرض استئصال عضو الكلى اليمنى لديه لزراعتها لمريضة أجنبية، بالمخالفة لقواعد والأصول الطبية وفي غير المنشآت المرخص لها.


وذكر أمر الإحالة أن المتهمين الرابع والخامس اشتركا بطريقتي الاتفاق والمساعدة مع المتهمين من الأول حتى الثالث في ارتكاب الجريمة وذلك بأن اتفقا معهم على ارتكابها وساعدا في إجراء عملية نقل وزراعة كلى التي شرعوا في إجرائها للمجني عليها.


الأزبكية


لم تكن تلك هي القضايا الوحيدة بل مازالت دائرة الاتجار بالبشر تنظر قضية تجارة الأعضاء بالأزبكية، والمتهم فيها أربعة اطباء، وآخرين، حيث كشف أمر الإحالة، أن المتهمين جميعًا انضموا إلى جماعة إجرامية منظمة لأغراض الإتجار بالبشر، تستهدف ارتكاب نقل وزراعة الأعضاء البشرية متعاملين في أشخاص طبيعين بمختلف الصور وكان ذلك بواسطة استغلال حاجتهم المالية بغرض استئصال عضو الكلي لديهم لزراعتها لأشخاص مجهولين، بالمخالفة للقواعد والأصول الطبية وهو ما ترتب عليه استئصال الكلى للمجني عليهم من الأول حتى الثالث على نحو ما جاء بتقرير الطب الشرعي.


وأضاف قرار الإحالة أن المتهمين من الأول حتى الرابع بصفتهم من الأطباء، أجروا عمليات نقل وزراعة أحد الأعضاء  البشرية وهو عضو الكلى للمجنى عليهم "محمود.م"، و"حسني.م"، و"محمود.ا"، وكان ذلك باستئصاله منهم بعد شرائه مستغلين حاجاتهم المالية دون موافقة اللجنة العليا لزراعة الأعضاء البشرية، وكان ذلك نتاج اتفاق مبرم مع باقي المتهمين دون اتباع القواعد والأصول الطبية المرخص لها بإجراء عمليات نقل وزراعة الأعضاء بالمخالفة لأحكام القانون مع علمهم بعدم مشروعيتها.