حوار | سامح سعد: نسعى لوقف نمو الخلايا السرطانية في «57357».. وكورونا غير مخلق

د. سامح سعد رئيس وحدة بيولوجيا الأورام بمستشفى ٥٧٣٥٧
د. سامح سعد رئيس وحدة بيولوجيا الأورام بمستشفى ٥٧٣٥٧

كان من الممكن أن يكمل حياته وإنجازاته العلمية بالخارج، حيث قدم إسهامات عالمية وإضافة حقيقية فى أبحاث الأورام والشيخوخة، ووصل إلى مناصب مميزة فى كبرى الجامعات العالمية، لكنه رغم ذلك فضل أن يعود لبلده وينشئ معمله ويواصل أبحاثه بمستشفى 57357، بعد أن وجد فيها مؤسسة مصرية تحتضن الكفاءات العلمية وتقدم كل الدعم للباحثين الذين يسعون فى سباق مع الزمن لكشف أسرار السرطان والمساهمة فى مكافحته.. ألا وهو الدكتور سامح سعد.

الدكتور سامح سعد، الفائز بجائزة الدولة للتفوق في العلوم الأساسية، ورئيس وحدة بيولوجيا الأورام ورئيس معمل الدراسات الأيضية بمستشفى 57357، تخرج فى كلية علوم عين شمس عام 1988، وحصل على الماجستير والدكتوراه بمنحة من جامعة توهوكو باليابان، ثم حصل عام ٢٠٠٠ على منحة ما بعد الدكتوراه فى جامعة واشنطن بأمريكا، حيث تحول من دراسة الكيمياء، للعلوم الحيوية والطبية، ونشر أبحاثا مهمة فى مجلات علمية كبرى فى مجال الشيخوخة وأمراض الزهايمر والشلل الرعاش، وحصل على براءة اختراع لدواء مضاد للشلل الرعاش، وفى ٢٠٠٥ حصل على منحة تفوق بجامعة كاليفورنيا، وأنشأ معمله هناك وواصل نشر أبحاثه قبل عودته لمصر، ليعمل فى جامعة زويل عند إنشائها، ثم ينتقل منها للعمل بمستشفى 57357 ومواصلة أبحاثه بها، وله أبحاث‭ ‬مهمة‭ ‬فى‭ ‬اللوكيميا‭ ‬وأورام‭ ‬المخ‭ ‬وبراءة‭ ‬اختراع‭ ‬فى‭ ‬الشلل‭ ‬الرعاش.

- كيف كانت بداية اتجاهك للمجال العلمي؟

يقول د. سامح: منذ صغرى وأنا شغوف بالعلم وتستهوينى القراءة فى المجال العلمى، وكنت خلال مرحلة الدراسة الإعدادية أدخر نقودى القليلة وأذهب لمعرض الكتاب لشراء الكتب العلمية من الجناح الروسى لرخص سعرها.

- وكيف بدأت رحلتك بالخارج؟ 

رغم حصولى على مجموع يؤهلنى للالتحاق بالهندسة إلا أننى اخترت كلية العلوم لعشقى للكيمياء، ونحجت فى جميع السنوات بامتياز وكنت من أوائل الدفعة، ليتم تعيينى معيدا بالكلية.

بعد تخرجى كانت لدى أحلام علمية كبيرة، وبدأت أخطط للسفر للخارج لمواصلة التعلم والاستفادة من توافر الإمكانات البحثية ومتابعة أحدث الاتجاهات العلمية، وبالفعل وجدت فرصة للسفر إلى كندا وبدأت استعد للسفر، لكن حدث فى ذلك الوقت موقف أو صدفة غيرت مجرى حياتى، فقد التقيت فى أحد المؤتمرات بالقاهرة ببروفيسور يابانى يشغل منصبا علميا كبيرا، وخلال مناقشاتى معه فى محاضرته العامة بالمؤتمر، تعارفنا وتعددت لقاءاتنا ومناقشاتنا العلمية خلال فترة المؤتمر، وفوجئت به يسألنى إن كنت أفكر فى السفر لاستكمال دراساتى، فقلت له إننى أنوى السفر إلى كندا، لكنه عرض على منحة كاملة لاستكمال دراستى باليابان بجامعة توهوكو، وبالفعل سافرت وحصلت من هناك على الماجستير والدكتوراه.

مصاعب وتحديات

- شاب صغير يترك بلده لأول مرة لينتقل إلى بلد جديد يفاجأ فيه بحاجز اللغة واختلاف الثقافة والطباع وطبيعة الحياة والأشخاص، بالإضافة إلى بعد المسافة، فكيف كانت حياتك وما هى الصعوبات التى واجهتها فى البداية؟

يجيب بسرعة: لم تكن رحلتى سهلة بل واجهت بالفعل صعوبات ضخمة، أهمها حاجز اللغة، فاليابانيون لا يتحدثون إلا اليابانية، وحتى زملائى بالجامعة أيضا لا يعرفون الإنجليزية، فكانت هناك صعوبة شديدة فى التواصل مع الناس، بالإضافة للاختلاف الشديد فى الطباع والثقافة، فاليابانيون يقضون معظم يومهم فى العمل فقط، وهم عمليون جدا لا يعرفون المجاملات، وهو ما زاد من إحساسى بالغربة فى الشهور الأولى، لدرجة أننى فكرت فى العودة، ولكنى تحدثت مع أحد أساتذتى فى مصر فطلب منى الصبر والاستمرار، فقررت التحدى حتى لا تنتهى التجربة بالفشل، وبدأت بالالتحاق بكورس لتعلم اللغة اليابانية، واكتشفت أنها لغة صعبة تحتوى على 3 آلاف حرف، وتضم لهجات كثيرة، وكان الحل أن أتحرك والقاموس فى يدى لا يفارقنى، إلى أن تأقلمت قليلا وبدأت أستطيع التواصل بصعوبة مع الناس، وفوجئت بأستاذى يخبرنى بضرورة مناقشة الرسالة باليابانية، فضاعفت مجهودى وبدأت أتخلى عن خجلى وأغامر بالحديث باليابانية فى المؤتمرات رغم عدم إجادتى لها، ونجحت فى الوصول لمرحلة جيدة أتاحت لى مناقشة رسالة الماجستير باليابانى، وبتفوق كبير، لأسمع وقتها أول كلمة تشجيع من أستاذى الذى لا يعرف المجاملة أبدا، وواصلت دراسة الدكتوراه وعملى بالبحث العلمى لأنجح فى نشر خمسة أبحاث خلال دراستى للدكتوراه التى حصلت عليها بتفوق كبير أيضا.

ورغم أننى لم أحب الحياة فى اليابان، إلا أننى تعلمت منهم الجدية والعمق والاعتماد على النفس، وعشت هناك خمس سنوات، وسافرت عام 2000 وبدأت رحلة جديدة حيث انتقلت من العمل بقسم الكيمياء إلى قسم الأعصاب فى نفس الجامعة، وبدأت أدرس كيمياء العلوم الحيوية والطبية حصلت خلالها على الدكتوراه ثم عدت لمصر أحمل أملا كبيرا فى إنشاء معمل الكيمياء الضوئية والليزر بجامعتى، لكنى فشلت لارتفاع التكاليف، فقررت السفر من جديد لتحقيق أحلامى العلمية، وسافرت النمسا، ثم حصلت بعدها على منحة ما بعد الدكتوراه بجامعة واشنطن.

أبحاث وإنجازات

- وماذا عن إنجازاتك البحثية فى هذه المرحلة؟

نشرت خلال فترة وجودى فى أمريكا أبحاثا مهمة فى مجلات علمية كبرى، وركزت أبحاثى على الشيخوخة والأمراض المصاحبة لها، ودور التمثيل الغذائى فى بعض الأمراض مثل آلزهايمر والشلل الرعاش، وحصلت على براءة اختراع لدواء مضاد للشلل الرعاش، وهو أول دواء يطيل فترة العمر ويعمل على استهداف جزيئات غاية فى الدقة تسمى الشوارد الحرة، أو الشقوق الطليقة، وهى التى تسبب تلف الخلايا وتسرع بالشيخوخة.

وفى ٢٠٠٥ حصلت على منحة تفوق بجامعة كاليفورنيا، وهى منحة تخصص مهنى تغطى أبحاثى وراتبى لخمس سنوات، وعينت عام ٢٠٠٧ أستاذا مساعدا بالجامعة، وأنشأت معملى، ونشرت أبحاثا عديدة فى أهم الدوريات العلمية الأمريكية، مثل science journal، منها بحث مهم عن دور إنزيم محدد فى مرض شيزوفرينيا، وأبحاث عديدة فى مجال الشيخوخة.

- وكيف كانت عودتك لمصر؟

خلال وجودى فى أمريكا عام ٢٠١١، أرسلت للدكتور زويل رسالة موجزة عن تخصصى وإنجازاتى، فطلب لقائى فورا فى معهد كالتاك بكاليفورنيا، وطلب منى انشاء مركز لدراسات الشيخوخة بجامعة زويل، وجئت مصر وأسست المركز ونشرت ١٦ بحثا.

وبعد وفاته تركت الجامعة، وكانت أمامى عدة فرص للسفر للخارج فى مناصب مميزة، لكن وجود مستشفى ٥٧٣٥٧ دفعنى للبقاء فى مصر، فقد وجدت فى ٥٧٣٥٧ امتدادا لحلمى، ووجدت أن مجلس الأمناء ومجلس الادارة والإدارة العليا للمستشفى يؤمنون إيمانا شديدا بالبحث العلمى وأهمية دعمه، ويسعون لتوفير أحدث الإمكانيات البحثية لقناعتهم بأن أى تأثير يحدث فى العلوم الطبية لابد أن يمر ببوابة البحث العلمى، وهو مفهوم ليس شائعا إداريا، كما أن 57357 هو أكبر مستشفى لسرطان الأطفال فى العالم من حيث عدد الأسرّة، ولذلك فالعمل بها يتميز بوجود تفاعل مباشر بين الجانبين الاكلينيكى والبحثى، مما يجعل الباحث يشعر بقيمة ما يفعله، لأن عمله وانجازه يمس حياة المرضى بصورة مباشرة. وأمام هذه المنظومة المتكاملة والرؤية بعيدة المدى شعرت أننى أحب أن أنضم لهذا المكان وأننى سأستطيع تحقيق أحلامى العلمية به، وبالفعل بدأت العمل فى 57357 منذ 3 سنوات وتوليت رئاسة وحدة بيولوجيا الأورام وأسست أخيرا معمل الدراسات الأيضية بالمستشفى.

- وما المقصود ببيولوجيا الأورام؟

سلوك الخلايا السرطانية يتأثر بالعديد من العوامل المعقدة، وعلم بيولوجيا الأورام يدرس طبيعة الخلايا السرطانية وسلوكها ونقاط قوتها وضعفها، وهو ما يساعد فى فهم آليات حدوث الورم ومدى استجابته للعلاج وأسباب الاستجابة أو عدم الاستجابة للعلاج وهو ما يساعد فى النهاية على اكتشاف أساليب علاجية جديدة تنجح فى استهداف هذه الخلايا.

أورام المخ واللوكيميا

- وماذا عن أبحاثك الحالية فى 57357، وجائزة الدولة للتفوق؟

نقوم حاليا بأبحاث عديدة، منها أبحاث فى اللوكيميا، وأبحاث عن نوعين من أورام المخ الصعبة، ونحاول من خلال هذه الأبحاث، دراسة تحول الخلية الطبيعية إلى خلية سرطانية، عن طريق فهم آلية التمثيل الغذائى للخلية السرطانية، والتدخل فى طرق التمثيل الغذائى للخلية، بما يساهم فى السيطرة عليها ووقف نموها وانتشارها، وكل هذا يفتح المجال لتحسين أساليب وجودة العلاج من خلال زيادة فاعليته والحد من أعراضه الجانبية، أما عن جائزة الدولة للتفوق فقد كانت عن مجمل أعمالى وأبحاثى خلال الخمس سنوات الماضية.

كوفيد− ١٩

- وهل هناك مشاركات بحثية تبحث فى كشف أسرار فيروس كورونا أو فى وباء العصر؟

نعم، أعمل حاليا بالفعل فى بحث خاص بفيروس كوفيد ١٩ (كورونا)، حيث نسعى للتوصل لسبب وآلية حدوث تجلط الدم لمرضى الفيروس، والذى يتسبب فى ارتفاع معدلات الوفيات.

وفيروس كورونا أو كوفيد −19، هو فيروس خطير بالفعل فسلوكه مختلف عن باقى الفيروسات، وهو سريع التحور بسبب سهولة انتشاره، وسهولة دخوله للعوائل المختلفة، بما يجعل معدلات التقدم العلمى فى مواجهته بطيئة وضئيلة رغم كل الجهود المبذولة والأموال التى تنفق.

- من واقع بحثك، هل ترى أنه فيروس طبيعى أم مخلّق كما تقول بعض النظريات؟

من الناحية العلمية فإن الدراسات التى تتبعت البصمة الوراثية للفيروس قالت أنها طبعيية وليست مخلقة، وأنا أتبع العلم ولا أؤمن بنظريات المؤامرة بدون سند علمى، لأن نظريات المؤامرة تحوّل الأمم من وضع الفاعل إلى وضع المفعول به، ومن وضع الإيجابية للسلبية.

 

 
 
 

احمد جلال

محمد البهنساوي

 
 

 
 
 

ترشيحاتنا