جمال الشناوي يكتب: شوية عقل 

الكاتب الصحفي جمال الشناوي
الكاتب الصحفي جمال الشناوي

لم يكن السادات ..واسع الذمة عديم الضمير 

ولم يضبط مبارك يوما متلبسا بالإعتداء على المال العالم 

لكن يبقى نتاج حكمهما مدمرا على الشخصية المصرية .

لو وقفنا بالدرس أمام ما حدث فى بلادنا بفعل الربيع العربى، لإكتشفنا كم التشوهات الهائلة التى اصابت الشخصية المصرية ..كل منا شارك فى نشر الخراب، وكأننا قطعان من البشر تتحرك بلا عقل بريموت كنترول قابع فى بلاد بعيده ..حركتنا أسوأ ما فينا بفكره .

الغرب جرب الربيع فى براج عاصمة تشيكوسلوفاكيا ..فى العام التالى لنكسة 1967 فى الشرق الأوسط ..عبر اذاعات وإغراءات الحريات والديمقراطية والرخاء ..ولم تتوقف نسمات الربيع وقتها إلا تحت جنازير الدبابات السوفيتيه وهى تجتاح براج ..وكانت البروفه الأولى لإكتساح الشيوعية ..ثم عاود الغرب الهجوم الناجح بالثورات الملونة فى أوروبا الشرقية ..التى تساقطت الواحده تلو الأخرى أمام ألوان زاهيه جذبت أعين الشباب حتى تمرد على جمود الشيوعية وعدم التجديد الفكرى لها ..ولم تنجو دوله إشتراكية واحده من الغزو الثورى إللهم إلا اشتراكية الصين ، التى سارع مفكريها إلى التجديد والترميم ...وإلتقط حكامها الخيط وتحولت الصين إلى ما يمكن تسميه الانفتاح المحكم .

واستطاعت الصين الإفلات -إلى حين - من ألوان الثورات الغربية ، ونسمات الربيع العاصفة . قبل أشهر كنت هناك استطاع الصينيون الحكام ..فرض افكار جديدة ..بهرت الشباب والكبار ..لا قيمه تعلو فوق أهمية العمل ..ولا قدسية سوى للقانون ..وتمكنت الصين من غرس النعره القومية لدى الشباب ..فأغلب من تراه يتحدث عن عظمة الشعب وهى حقيقة ..وحقد الغرب واستهدافه المستمر لنهضته ..وهو واقع.

استطاع الصينيون بأفكار جديدة النمو والهيمنة على جانب كبير من الإقتصاد العالمى ..وترفض السياسات الصينية اسلوب المواجهات المباشرة ..لكنها لا تترك معركة ..تعلى قيمة العقل ، تستخدم القديم للسيطرة على الجديد ، وما إقتصاد الحزام والطريق إلا إحياء لتجارة الإجداد ، للسيطرة على أكثر من نصف اقتصاد العالم .

فى بلادنا واثناء موجة الربيع الحارق ..لم نكن على وعى بما يدور ابتلعنا الطعم وابطلقنا إلى الشوارع نحرق وندمر كل ما يعيق حركتنا ..وخرج منا من يحرض على الآخر ..لم يقبل السنى وجود آخر شيعى ..فتم ذبح أحدهم وسحله ميتا فى مشهد غريب على مجتمعنا ..وكأن الحرية التى قدمها لنا الغرب ..هى حرية قتل الآخر ..وديمقراطية الإقصاء ..غاب العقل وذاع فعل القوة .

رغم أن خروج آلاف من المفكرين السوفيت والادباء وعلماء الإجتماع ..إلا أن زعماء الشيوعية وحكامها إختاروا الجمود ..واستسصاغوا الشعارات التى كانت يوما تحرك الشعوب .

فمثلا يرى مكسيم جوركى أن تسليح العقل يسبق كثيرا فى الأهمية تسليح الأيدى ..إلا أن حكام السوفيت وقتها لم يبالوا كثيرا لما يقول ..والأكيد أنهم لم يفهموا رسائله وغيره من المفكرين الروس ..وفى وقت الهجوم الناعم للقوة الذكية الغربية ..تهاوت حصون الإمبراطورية السوفيته ..وتهاوت تحت قصف الوسيقى ..وطلقات الإبهار الغربى .

هل بلادنا عرضه لموجات أخرى من فرض الديمقراطية علىالطريقة الغربية ...؟ الإجابة القاطعة هى نعم ..لكن ربما تغيرت الوسائل ..فى أمريكا الإمبراطورية الجديدة مراكز للبحث والإستطلاع الفكرى المبكر ، مهمتها الأولى الحفاظ على أدوات التفوق الامريكى ، وإمداد  سكان البيت الأبيض بخطط وأساليب جديده تضمن استمرار قياده العالم من البيت الأبيض .

راهنت زملائى أمام قصر نيويورك ..قبل أسابيع من الإنتخابات الأمريكية على فوز ترامب بالرئاسة ..ثاروا فى وجههى وكأنى مجنون ..كيف تقول هذا واستطلاعات الرأى تؤكد فوز زوجه كلينتون ..وراح أحدهم ..الأمريكان سيقدمون إمرأة تحكمهم فلم يسبق للبيت الأبيض أن كان سيده إمرأة .

لكن الإنتكاسات التى حدثت للسياسات الأمريكية فى الشرق الأوسط وأوكرانيا ززومختلف مناطق نفوذها ..يستوجب على الدولة العميقه فى واشنطن أن تخرج علينا بالجديد الذى يتنصل من كل تعهدات أوباما ومحو آثار سياساته مع الصين وإيران وروسيا .

ومازلت واثقا أن ترامب نجح بقرار الدولة الأمريكية العميقة ..ولو كان هناك تأثير على التصويت أو على النتائج فهو تزوير ممنهج تم بأفكار ومباركة مراكز صنع القرار الأمريكي . 

هل مصر والعرب مستهدفون بموجة أخرى للتغيير ..الإجابة السريعه نعم ..ولكن كيف سيكون الهجوم ، وماهى دوافعه ..بعدما ضمنت اسرائيل أمنها لعقود قادمة وتأكدت امريكا من استمرار تدفقات الطاقة ، رغم مناوشات الملالى فى إيران .

بالتأكيد هناك فى الولايات المتحدة مراكز للتفكير والإبداع فى إيجاد الدوافع ودراسات دقيقة للسلوك المصرى ..لإلتقاط نقاط جديدة للدخول منها بلادنا .

ففى الهجمة الماضية ..استخدموا الطائفية والمذهبية الدينية لإشعال الفتن وتفكيك البلاد العربية ..وعمل عشرات الباحثين على نقاط الخلاف بين المذاهب ..والترويج لها لتغرس الفرقة وتنشر القتل على الهوية .

هل نقف فى انتظار  النوع الجديد والمبتكر من الهيمنه ..؟ هل لدينا مراكز للتفكير تبتكر وتقدم طرق تأمين وحماية بلادنا من الهشاشة الفكرية ؟ 

الإجابة ربما نستطيع استخلاصها مما حدث لنا فى عقود ما بعد النكسة ..فبلادنا التى سقطت سريعا أمام غزو بلا جيوش وأوشكت على الإنهيار الكامل ..بفعل التدمير الذاتى الذى اشعل فتيله غير المصريين .

ومن أهم ملامح الربيع أن طوائف دينية كانت تحرم الخروج على الحاكم ..قفرت سريعا إلى الواجهه ..وحشدت آلاف الأتباع يجوبون شوارعنا بالدمار ..ويستهدفون الكنائس بعقول لم ترى يوما بصيصا من نور .

كيف ولدينا أكبر مؤسسة دينية فى العالم الأسلامى تجاذبتها انواء المذهبيه فى سنوات سابقة ..وبها عشرات آلاف من رجال الدين ..لكن لم نسمع يوما أن مصر قدمت فكرة جديدة للقضاء التام على الكراهية المذهبية ..لم يسأل أحدهم نفسه هل كان النبى الكريم شيعيا ام سنيا .؟ 

كيف نسقط فريسه للفتن الطائفية والهجمات على الكنائس بفعل قصة حب جمعت بين شابين أحدهما مسلم والآخر مسيحيي ..ولدينا الكنيسة الأعظم للأرثوذكس فى العالم .

لم تعمل أى مراكز للتفكير فى المؤسسات الدينية فى بلادنا يوما لتجديد ..أو  لتقديم حلول لصدام الدين بالواقع .فقط كل تشبث بموقعه ومنفعته ..بل إن رجال الدين فى بلادنا تجاوز الأنبياء فى السيطرة على البسطاء .

هل حال الدين فقط ؟ الإجابه لا ..كم لدينا من أساتذة الجامعات الذين عبروا امتحانات الدكتوراه والماجستير بالفهلوة والسرقة ، مئات من رسائل البحث والترقية ليست نتاج عقل الباحث ..كيف يمكن لهذا الكم الهائل من الجامعات والأساتذة..وهذا التنوع فىمدارسنا.. ولا نجد لدينا فكرة تحلمنا إلى مقدمة الدول ..وبعض من ينبغ منا يرحل ..إما لأنه لم يجد فرصه اختطفها أبن استاذ ..أو محظوظ مسنود 

هل الصحافة و الإعلام قادرة على مواجهه الميديا التى تسدد ضرباتها كل مساء إلى صدر مصر المكشوف من أدوات الدفاع ورد الهجوم ..الإجابة  بالقطع واضحه ..ففى عصر السادات ومبارك لم يكن هناك فرص لموهوب فى بلاط صاحبة الجلاله اللهم إلا نادرا ..غاب الفكر عن الإعلام ..وبات الروتين والتجمد والتقليد هو  سيد الشاشات والصفحات الأولى .

ربما بم يكن المجتمع والمستقبل هو السيد.. فى زمن السادات بطل الحرب والسلام ..لكن كانت هناك بقايا فكر ..ومفكرين ولكن سريعا تم تجريف كل العقل المصرى فى عهد مبارك ..بات كارت التوصية أعلى من الموهبه ..وتليفون المسئول الكبير هو غايه المؤهلات المطلوبة للوظائف الهامة.

ما سبق ليس جلدا للذات بقدر ما هو محاولة للفهم ..ورغبه مخلصه فى حمايه بلادنا ونهضتها ..وأولى الخطوات التى هى اعمال العقل واحترامه ودعوات التجديد التى يطلقها الرئيس السيسى يوميا تستلزم منا تأسيس مراكز  للتفكير فى كل المجالات ..وأن يتصدى لها من يمتلك القدرات فقط ..ونضع قواعد صارمه للإختيار ..فمثلا وزير التعليم العالى عليه ان يقدم لنا رؤيته للمستقبل خطط خمسية وعشرية  وهكذا فى كل قطاع ..الزراعة مثلا ومراطز بحوثها وكلياتها عليها وضع الأسئلة الإفتراضية للمستقبل ..خطط مواجهه التصحر ..وسائل التحكم فى المناخ وهكذا 

..لا تتركوا مصر لإهواء غيرنا .


يجب أن نسلح الرأس أولًا 

 ..مكسيم جوركي