إزالة أثار العدوان 

الكاتب الصحفي إيهاب فتحي رئيس تحرير أخبار الحوادث
الكاتب الصحفي إيهاب فتحي رئيس تحرير أخبار الحوادث


 إيهاب فتحي 

..تدور الآن بقوة محركات انتخابات مجلس النواب فى مرحلتها الأولى  وقبل فترة وجيزة انتهت انتخابات مجلس الشيوخ، وعندما تكتمل فعاليات انتخابات مجلس النواب يصبح فى مصر غرفتين برلمانيتين يشكلان إطارًا تشريعيًا يعتبر هو المنظم للحياة السياسية بمعناها الواسع.

 
خلال سبع سنوات منذ قيام ثورة يونيو تأتى انتخابات مجلس النواب الثانية  بعد مجلس 2015 وهذا امر يدل على انتظام الحياة السياسية داخل الدولة المصرية كدولة طبيعية وحديثة تستمد سلطاتها من منهج ديمقراطى واضح لا لبس فيه. 


بالتأكيد مايجرى من انتخابات رئاسية وبرلمانية فى مصر مماثل لكل الحراك السياسى والتشريعى الذى تتبعه الدول المستقرة التى تهدف إلى إقامة جسر من التواصل الممتد والمستمر بين شعوبها والسلطة الحاكمة وفق الأسلوب الديمقراطى الطبيعى وهو المطلوب تحقيقه من العملية الانتخابية. 


تحقق الانتخابات التى جرت خلال السبع سنوات الماضية وتجرى الآن هدفًا أكبر مما هو مطلوب من العملية الانتخابية فى حد ذاتها بإقامة هذا التواصل بين الشعب والسلطة، تقوم العملية الانتخابية بإزالة آثار العدوان على الحياة السياسية المصرية الذى امتد لأربعة عقود منذ أن عاد الإخوان الفاشيست من الظلام إلى السياسة عن طريق صفقة مريبة بداية السبعينات من القرن الماضى. 


فى لحظة خروج الفاشيست الإخوان من الظلام تعرضت الحياة السياسية المصرية إلى عدوان رهيب أدى إلى تشوهها بشكل يصعب إصلاحه ولم يعد أمام الأمة المصرية سوى التحرك فى ثورة شاملة تحققت بالفعل فى ال 30 من يونيو من أجل استعادة وامتلاك حياة سياسية طبيعية من جديد. 


استخدم الفاشيست الإخوان كل الوسائل المنحطة من أجل العدوان وتخريب الحياة السياسية المصرية, لم يكن هذا العدوان والتخريب ناتجًا عن جهل الجماعة الإرهابية فى التعامل مع منظومة السياسة بل كان عن تعمد وإدراك تام بالأغراض التى يريدون تحقيقها من وراء عدوانهم وتخريبهم. 


أدركت الجماعة الفاشية منذ لحظة الخروج من الظلام أن وجود حياة سياسية صحية وسليمة فى مصر يعنى انها ستكون خارجها بكل المقاييس فبدأت هى ومن يحركونها فى الخارج عملية تخريب منظمة لكل ماهو تنافس سياسى طبيعى. 


كان اول العدوان من الجماعة الفاشية على الحياة السياسية المصرية  أن أخرجتها من السياسة إلى الصراع باسم الدين والدين من ـفعالهم وأغراضهم براء، فمنذ تسلل الجماعة الفاشية إلى الحياة السياسية  المصرية وهى تتخفى وراء الشعارات الدينية وتقوم بعملية تقسيم طائفى منظم داخل المجتمع المصرى حتى لا يتم انتخاب المرشح على    أساس برنامجه الانتخابى السياسى ورؤيته للمستقبل  بل على أساس انتمائه الدينى. 


لم تكتف الجماعة الفاشية بهذا التقسيم الطائفى لكن قسمت المقسم فمن لا ينتمى إلى تيارها الفاشى فهو لاينتمى إلى دين الإسلام لأن الجماعة الفاشية تدعى بهتانًا أنها تمثل الإسلام وهى بكذبها ونفاقها وإرهابها أبعد ما تكون عن تعاليم الدين الحنيف. 


أرادت الجماعة الفاشية من لعبة خلط الدين بالسياسة غيرغرضها  الرئيسى من العدوان والتخريب إخفاء عدم أمتلاكها أى برنامج سياسى   أو مشروع تنموى تستطيع العمل عليه لأن مطلبها الوحيد هو السلطة ومن أجل هذه السلطة تشعل الفتن وتهيج المشاعر باسم الدين فتتحرك الأصوات المغيبة تجاه عصابة مرشحيها فى أى انتخابات. 


هناك غرض أبعد وأخطرمن تخريب الحياة السياسية كانت الجماعة الفاشية تعمل عليه من وراء لعبة الخلط تلك وهو تحويل المجتمع المصرى إلى مجتمع طائفى على كافة المستويات ليصبح مجتمعًا مفتتًا يسهل بعد ذلك السيطرة عليه ثم توجيهه إلى ماتريد من أجل خدمة مصالحها ومصالح من يحركونها من الخارج. 


انطلقت الجماعة الفاشية إلى مزيد من التخريب والعدوان على الحياة السياسية المصرية عندما استخدمت وسيلة أخرى من وسائلها المنحطة  وهى تلويث السياسة بالمال السياسى ولم يكن هذا التلويث مرتبطًا فقط بوقت عملية انتخابية ما لكنه أصبح عملا منظمًا من خلال إقامة شبكة عنكبوتية من تقديم الخدمات المغلفة بشعارات دينية زائفة للطبقات البسيطة من أجل الاستيلاء على عقولها وأصواتها باسم الدين، هذه الشبكة كان ينفق عليها من الأموال التى تتدفق على الجماعة الإرهابية من خزائن أسيادها فى الخارج. 


فتح أسياد الفاشيست أبواب خزائنهم على مصراعيها لغرض وحيد وهو مزيد من إضعاف بنية المجتمع المصرى والدولة المصرية بإقامة مجتمع موازى مضاد لوجود وسيادة الدولة فى الشارع المصرى. 


يظن البعض أن الجماعة الفاشية نفذت هذا التخريب والعدوان على الحياة السياسية المصرية والمجتمع المصرى من أجل شهوة السلطة وأنها بمجرد تسللها إلى أى نوع من السلطة يمكن أن تتوقف عن التخريب والعدوان ويمكن أن تنخرط فى حياة سياسية طبيعية. 


 الحقيقة أن من ظن ذلك عن جهل أو روج له عن عمد كان واهمًا ومحتالا فالجماعة الفاشية نظرت إلى السلطة كوسيلة لتنفيذ مخططات الخارج المتفق عليها وليست هدفًا فى حد ذاتها. 
الدليل على ذلك أن الجماعة الفاشية رفضت منذ أن خرجت من سراديب أجهزة المخابرات الغربية التحول إلى حزب سياسى طبيعى وحتى فى لحظة تسللها إلى السلطة فى العام المشئوم رفضت التخلى عن كيان الجماعة وأطلقت حزبًا صوريًا شكليًا تقف الجماعة خلفه لتدير كل السلطات التى حصلت عليها فى العام المشئوم لحسابها وحساب أسيادها  فى الخارج على حساب هذا الوطن. 


 نطرح السؤال البديهى لماذا بعد التسلل إلى السلطة فى العام المشئوم لم تتخل الجماعة عن هذا الكيان السرى الذى عملت من خلاله طوال تاريخها الدموى؟  تبدو الإجابة عن السؤال البديهى حائرة لأنه من المنطقى أن الجماعة الفاشية لم تعد تحتاج هذا الكيان السرى فكل الطرق أصبحت مفتوحة أمامها ولن تلجأ إلى سرية التنظيم بعد أن دخلت تحت مظلة العمل السياسى العلنى فى العام المشئوم. 


تزول الحيرة عندما نفهم طبيعة هذه الجماعة الفاشية والغرض من تأسيسها على يد أجهزة مخابرات الخارج فلم تكن الجماعة الفاشية فى يوم من الأيام جماعة سياسية تريد لعب دور سياسى داخل المجتمع أو تفعيل مشروع اجتماعى سياسى بل هى عصابة إجرامية منظمة لها أغراض تريد تنفيذها لصالح من أسسها وعلى رأس هذه الأغراض تفتيت المجتمع المصرى وتقسيمه إلى طوائف. 


لايستطيع علم السياسة تفسير طبيعة سلوك الجماعة الفاشية من عدوان وتخريب للحياة السياسية لكن يجب أن نلجأ إلى علم الإجرام لتفسير هذا السلوك فالجماعة الفاشية كمنظمة إجرامية مطلوب منها تنفيذ مخططات شريرة ضد هذا الوطن وهذه المخططات الشريرة يلزم فى تنفيذها السرية. 


لذلك كان لايمكن أن تتخلى الجماعة الفاشية عن الكيان السرى الذى تعمل من خلاله فدائمًا العصابات الإجرامية  تخشى العلنية حتى تنجح مخططاتها وعندما تضطر العصابات الإجرامية  للجوء إلى بعض العلنية كما فعلت فى العام المشئوم بتأسيس حزب فهو حزب صورى بلا أى وجود بالنسبة للجماعة الإرهابية. 


تحرك الجماهير فى ال 30 من يونيو كشف بوضوح الطابع الإجرامى الأصيل فى سلوك الجماعة الفاشية وأن ادعاءها السياسة ماكان إلا قشرة زائفة تخفى وراءها التنظيم الإجرامى وأغراضه فمع تحرك جماهير يونيو انكشف الوجه الإرهابى القبيح للجماعة الفاشية وبدلا من شبكة الرشاوى الخدمية انطلقت رصاصات الإرهاب الإخوانى إلى صدور المصريين وفجرت القنابل فى الشوارع الآمنة بمعنى آخر هو نفس ماقاله زعماء العصابة الإخوانية فى هذا الوقت " يا نحكمكم يانقتلكم".  


هذا الإصرار على الحكم والسلطة يعود سببه الرئيسى إلى ما اتفقت عليه الجماعة الإجرامية من تنفيذ مخططات شريرة مع أسيادها فى الخارج ضد هذا البلد الطيب وقبضت ثمنها ويعنى عدم التنفيذ رد الثمن ولا يمكن للصوص والمجرمين إعادة ما استولوا عليه لذلك حتى هذه اللحظة تستمر الجماعة الفاشية فى تنفيذ المخططات الشريرة من الخارج لصالح أسيادها بعد أن اطاحت ثورة يونيو بها فى الداخل. 


أمام هذا التاريخ الأسود من العدوان والتخريب الذى نفذته الجماعة الفاشية ضد الحياة السياسية المصرية ندرك أهمية وجود عملية انتخابية صحية وسليمة حتى لو أراد البعض المزيد من الصحة والسلامة للانتخابات والحياة السياسية وهذا حق لكل من يريد خير هذا الوطن. 


فمع كل انتخابات تجرى فى ظل تنافس سياسى طبيعى بعيدا عن الشعارات الزائفة والطائفية تزول آثار العدوان الإخوانى الفاشى عن حياتنا السياسية وتستقر العملية الديمقراطية بمفهومها الشامل فى المجتمع المصرى.