الطفلة أمينة رزق..بداية التمثيل من «السرير» 

 أمينة رزق
أمينة رزق

 فتحت أمينة رزق عينيها على الدنيا في مدينة طنطا، فرأت أول ما رأت خيوط المأساة الأولى، حيث أما رائعة الجمال تعيش بين ٤ جدران، يقف عند بابها شبح أسود طويل عريض، وفي يديه كرباج، لكنه كان على العكس من هيئته، طيب القلب، نقي السريرة، أبيض الضمير، عشق والدتها بكل جوارحه وتزوجها رغم كل الفوارق الاجتماعية بينهما.

وما أن أنجب منها ابنته أمينة، كان يصاحبها إلى المدرسة، وينتظر خروجها عند الباب ويعيدها إلى المنزل، ومرت الأيام، وسنحت لأمينة أول فرصة للانطلاق، حيث استأذن خالها من أمها، واصطحبها إلى السينما.

واندفعت أمينة مع خالها لترى السينما التي تسمع عنها، ولا تعرفها، وما إن عادت إلى المنزل، وجدت الكرباج في انتظارها، حيث غضب أبوها غضبا شديدا، بسبب خروجها وهي طفلة في عمر ٧ سنوات، وأنذر خالها بعدم اصطحابه لها مرة أخرى، للذهاب إلى السينما، وتطاير الشرر من عينيه، مرددا السينما رجس من عمل الشيطان، وكاد أن يهوى بكرباجه عليها، لولا أن أمها خبأتها تحت السرير.


منذ هذه اللحظة، تمكن الرعب من قلب أمينة، وبدأت تترائى لها الكرابيج في أحلامها، وتنتفض من فوق سريرها، وتصرخ صرخات مرعبة، وتصمت صمتا رهيبا طوال النهار، خوفا من أبيها.

واستيقظت بعد ٦ أشهر على صراخ أمها فقد مات أبيها، وتركهما معرضين للرعب بالليل والنهار، وتجمعت حولهما الذئاب الطامعة في الميراث الضئيل، كان من بينها ذئب في صورة عمدة، حيث جاء يعرض خدماته لهما لتصفية التركة، وتسديد الديون، وترامت الإشاعات بأن هذا العمدة نصاب طامع في مصوغات الأم، فرحلت وابنتها إلى القاهرة.

وعاشت أمينة بالقاهرة، مأساة، شحنت كل عواطفها بالألم أيضا، حينما رأت الأحداث الدامية التي وقعت عقب ثورة ١٩١٩، ومنعها الاضطراب من الالتحاق بالمدرسة، فكانت تقضي أوقاتها حبيسة داخل جدران المنزل، بعدما بلغت ١٢ عاما، حتى أتيحت لها الفرصة للخلاص من تلك المعيشة، وأصبحت خالتها التي تكبرها بقليل، سلوتها الوحيدة، وكانت تقيم معهم بنفس المنزل، والتحقت بمدرسة ضياء الشرق.

ولمعت عين الفتاة، وشعرت بالحرية والانطلاق، تصطحبها خالتها إلى المدرسة ولكل مكان تلتمس فيه الراحة والتسلية، واعتادت الذهاب إلى دور السينما، وطافت معها مسارح روض الفرج، والريحاني، والكسار، وكانت كلما عادت إلى المنزل، أعادت مع خالتها ترديد الأغنيات، وتمثيل مشاهدها، واستخدمت السرير كمسرح، والناموسية هي الستار، والمتفرجون من أهل المنزل، والجيران.

وجاءت الفرصة، وعرضت خالتها على مدير الفرقة أن تقوم هي وأمينة، بتقديم المونولوجات، والديالوجات، بدلا من إحدى الممثلات التي تغيبت عن العرض، وما إن قام باختبارهما، أصابته حالة من الذهول،، وقدمهما للجمهور الذي صفق لهما بحرارة شديدة، وطلب منهما أن يتعاقد معهما، ب٦ جنيهات شهريا، وسكبت دمعة من عين أمينة رزق من فرط الفرح، ليس بسبب الأجر، ولكن فرحة بأول تعزية عن شجونها وهي تصفيق الجماهير، وطارت تزف الخبر إلى أمها ببداية مجدها، فصفعتها على وجهها، وعادت سجينة بتفكيرها بين ٤ جدران، لكنها تحلت بالصبر، وجمعتها الصدفة بزوجة أحمد عسكر، مدير فرقة يوسف وهبي، الذي نجح في إقناع الأم بإلحاقها، وخالتها للعمل بالفرقة، فكانت بداية نجوميتها.