عدو البيئة «العائم».. خارطة مصر لحماية شواطئها من البلاستيك

عدو البيئة «العائم».. خارطة مصر لحماية شواطئها من البلاستيك
عدو البيئة «العائم».. خارطة مصر لحماية شواطئها من البلاستيك

في عمق البحر وعلى سطحه، تقف الثروة البحرية عاجزة عن إنقاذ نفسها من عدو صامت ينهي على حياتها إما خنقًا أو بتمزيق أحشائها حين تدخل القطع البلاستيكية الصغيرة في جوفها، وتتضاعف الأزمة في مصر مع تزايد الاستخدامات البلاستيكية في منتجات مختلفة.

 

الرئيس عبدالفتاح السيسي بات بدوره يسابق الزمن لتجاوز خطوة وضع حجر الأساس للتعامل مع ملف المخلفات في مصر، بعد أن صدق على القانون رقم 202 لسنة 2020 الخاص بتنظيم إدارة المخلفات.

 

ولتلحق مصر بركب التطور والتقدم تضمن القانون جزءا خاصا عن مخلفات البلاستيك فنص على تقليل ومنع استخدام وتصنيع الأكياس البلاستيك خلال مدة محددة، ووضع ضوابط لها بالتعاون مع الجهات المعنية أسوة بالعديد من الدول التي قطعت شوطا كبيرا في هذا المجال، واتخذت قرارات صارمة مدعمة بقوانين.

 

وزيرة البيئة الدكتورة ياسمين فؤاد بدورها قالت إنه خلال 6 أشهر سيتم وضع اللائحة التنفيذية الخاصة بقانون المخلفات، وتضمنين تلك المواد بها، وما سيترتب على ذلك من قرارات، خاصة الجزء الخاص بالأكياس البلاستيكية أحادية الاستخدام.

 

 

ومن أجل ذلك جرى تشكيل لجنة من عدد من الجهات المعنية بالدولة، بهدف تحديد الأدوار والمسؤوليات للخروج باستراتيجية للتعامل مع المخلفات البلاستيكية لوضع خارطة الطريق لتقليل والحد من استخدام الأكياس البلاستيكية الذي سيتم بشكل تتدريجي خلال الفترات القادمة.

 

مسؤول رفيع المستوى بوزارة البيئة، طلب عدم الإفصاح عن اسمه أكد لـ«بوابة أخبار اليوم»، أن إلقاء ملايين الأطنان من المخلفات البلاستيكية، في البحار والمحيطات، يشكل تهديدًا مباشرًا للشعاب المرجانية والسلاحف البحرية والدلافين والأسماك وغيرها.

 

اقرأ أيضًا| 100 شاب وفتاة ينظفون شاطئ الأنفوشي من المخلفات البلاستيكية 

 

ولا يختلف أحد على أن مخلفات البلاستيك تدمر حيوان المرجان الدقيق الذي يبني الشعاب المرجانية فتجعله أكثر عرضة للإصابة بالأمراض، بحسب المسؤول نفسه الذي أشار إلى أن جزيئات البلاستيك قد توفر وسيلة لعيش ميكروبات ضارة في المحيطات.

 

وتابع: «البلاستك يأخذ وقتا طويلا ليتحلل في المياه»، موضحاً أن تقارير الأمم المتحدة أكدت أن عينات بعض الأسماك أثبتت وجود الميكروبلاستك في الأسماك ما يشكل خطرا على صحة الإنسان.

 

الكيس البلاستيك

 

والعام الماضي، أعلنت لجنة الصناعة بمجلس النواب انضمام مصر إلى أكثر من 150 دولة متقدمة حول العالم في حظر الأكياس البلاستيكية ووفرت بدائل آمنة للبيئة والمواطنين.

 

بدوره، أشار الباحث المساعد في جامعة ولاية لويزيانا، قسم علوم البحار، أحمد جاد، إلى أن مصادر البلاستيك الصغير، غير المرئي بالعين المجردة (ميكروبلاستيك - Microplastics)، وهو البلاستيك أقل من 5 مليمتر تقريباً، ويأتي من مصادر كثيرة أهمها:

 

 

◄ أولا: المصادر المباشرة

 

عندما يتم تصنيع البلاستيك في أحجام صغيرة، ويدخل في صناعة أشياء كثيرة، مثل مستحضرات التجميل، ومعجون الأسنان، والدهانات.

 

◄ ثانيا: مصادر غير مباشرة


قد يأتي الـ"Microplastics" من مصادر غير مباشرة، عندما يحدث تكسير للبلاستيك الموجود في البحر بسبب الموج وعوامل التعرية، فيكثر تدريجياً إلى أحجام صغيرة.

 

هنا يقول أحمد جاد، إن مشكلة الميكروبلاستيك تتمثل في إمكانية تشكيله ضرر مباشر وغير مباشر في الوقت نفسه.

 

أضرار مباشرة

بخصوص الأضرار المباشرة فإنها تهدد الأسماك والكائنات البحرية الصغيرة وذريعة الأسماك، والمشكلة أن الكائنات تكون صغيرة، فبالتالي تكون فرائسها صغيرة جداً مثل العوالق والهائمات النباتية.

 

وتبدأ الأسماك التفكير في أن الميكروبلاستيك فريستها وتأكلها، وبالطبع يكون له ضرر؛ حيث من الممكن أن يعمل على سد الأمعاء ويؤثر على أدائها، وبالتالي يتسبب في نفوقها، خصوصًا أن الأسماك عندما تكون صغيرة تكون أكثر حساسية.

 

أضرار غير مباشرة

 

وتمثل هذه المشكلة الأكبر للميكروبلاستيك التي تحدث؛ بسبب خامته وحجمه الصغير الذي يجعل الملوثات العضوية (persistent organic pollutants POPs) تلتصق على سطح الكائنات البحرية.

 

اقرأ أيضًا| بالفيديو..شباب يواجهون مخاطر البلاستيك بتوفير بدائل صديقة للبيئة

 

وهذه الملوثات تكون ضارة جدًا لدرجة أن مركبات منها تكون سرطانية، وبالتالي قطعة الميكروبلاستيك تعمل كسطح للملوثات، وهذا يعني تكوًن مثل حبوب محملة بالملوثات للأسماك والكائنات البحرية.

 

تجربة معملية

 

الباحث جاد واصل حديثه، قائلا: «كان هناك دراسة عبارة عن تجربة معملية تمت بوضع الميكروبلاستيك وأضافوا لها مادة كيميائية ووضعوا عوالق (zooplankton) وبدأت العوالق تتغذى على الميكروبلاستيك على أساس أنها غذائهم، ثم قاموا بوضع نوع سمك يأكل هذه العوالق».

 

 

وأضاف: «بعد ذلك قاموا بتحليل السمك الذي أكل العوالق وجدوا أن الميكروبلاستيك والمادة الكيمائية اللاصقة عليه انتقلت للعوالق، ومنها للأسماك».

 

التضخم الإحيائي

 

وأمام كل ما سبق، قال جاد: «ما حدث يطلق عليه اسم التضخم الإحيائي (Biomagnification) الذي يعني أن المواد تنتقل من كائن إلى آخر عن طريق التغذية، وهنا تكون مشكلة لأنه بسبب التضخم هذا تنتقل من الأسماك وممكن توصل للإنسان لأننا نأكل السمك».

 

وتعتبر النفايات البلاستيكية من أكثر أنواع النفايات تواجدًا في البحار والمحيطات، وتعتبر البيئة البحرية الأكثر تضررًا بالنفايات البلاستيكية؛ حيث تجرف التيارات البحرية النفايات البلاستيكية من الشواطئ، وتدفعها بعيدًا جدًا في أعماق البحار والمحيطات.

 

مدن ضد البلاستيك

 

وفي 2019، بدأت محافظة البحر الأحمر فرض حظر على البلاستيك المستخدم لمرة واحدة لمكافحة التلوث، وجاء الحظر باقتراح من جمعية المحافظة على البيئة بالبحر الأحمر لحماية الحياة البرية والبحرية والحفاظ على الأنواع المهددة بالانقراض.

 

 

 

ونص قرار المحافظ، على حظر استخدام الأكياس البلاستيك بالمحال العاملة في مجال الغذاء وكذلك الصيدليات، كما يحظر حظرا نهائيا استخدام الأكياس البلاستيك والأدوات البلاستيكية، والتي تستخدم لمرة واحدة في كافة أنشطة المشروبات والأطعمة بالمطاعم، وكذلك المراكب السياحية كافة بمحافظة البحر الأحمر عدا الأكياس الثقيلة الخاصة بتجميع القمامة حفاظا على البيئة البحرية، كما نص القرار على عدم الترخيص لمصانع إنتاج الأكياس الخفيفة داخل نطاق محافظة البحر الأحمر.

 

قرار مماثل اتخذه طارق الباز، رئيس مجلس مدينة دهب، بمنع استخدام الأكياس البلاستيكية في جميع مناطق المدينة لما لها من تأثيرات سلبية علي البيئة البحرية وتعرض حياة الكائنات البحرية والشعاب المرجانية للخطر.

 

ولم يكتف مجلس مدينة دهب بذلك فحسب؛ بل سارع إلى وضع لافتات تحذيرية بمنع استخدام الأكياس البلاستيك حملت شعار (دهب بدون بلاستيك).

 

بدل نقدي وضريبة

 

كانت الدنمارك أولى الدول الأوروبية تقر قوانين تسهم في منع استخدام الأكياس البلاستيكية، والاعتماد على البدائل الصحية في 1993، ففرضت قانونا بدفع بدل نقدي للحصول على كيس بلاستيك، ما أسهم في انخفاض استهلاكها بنسبة 60%.

 

 

كما ذهبت مجموعة من الدول، هي: (أيرلندا والدنمارك وجنوب إفريقيا وتايوان وماليزيا) إلى فرض رسومٍ على أكياس البلاستيك، بينما وضعت أيرلندا ضريبة باهظة على مستخدمي الأكياس، حتى انخفض تداولها واستخدامها إلى 90%، وأعلن الاتحاد الأوروبي أن انخفاض الاستهلاك في 2019 سيصل إلى 80%.

 

وانضمت مؤخرا إندونيسيا للدول التي تفرض رسوم على استخدام البلاستيك، حيث قررت حكومة جاكرتا فرض رسوم على الأكياس البلاستيك لتقليل النفايات.

 

حينها، تمسكت المديرية العامة للجمارك والضرائب التابعة لوزارة المالية الإندونيسية بفرض رسوم قيمتها 200 روبية (4. 1 سنتا أمريكيا) على كل كيس.

 

أما وزيرة المالية الإندونيسية، سري مولياني إندراواتي، فأكدت خلال جلسة مع لجنة بمجلس النواب للإشراف على الشؤون المالية المتعلقة برسوم الأكياس البلاستيك، أن الرسوم على الأكياس البلاستيكية ستكون 30 ألف روبية لكل كيلوجرام.

 

بينما توجهت أستراليا وفرنسا إلى منع استخدام الأكياس، قبل أن تنضم لهما شيلي التي تعد أول دولة في أمريكا اللاتينية تحظر استخدام الأكياس البلاستيكية بالكامل من محلات السوبر ماركت والمتاجر الكبيرة، بعد انتهاء الفترة التجريبية في أغسطس 2018.

 

 زجاجات المياه

 

وقد أظهرت دراسة أن زجاجات المياه البلاستيكية مضرة للصحة، لكونها مصممة للاستعمال لمرة واحدة فقط، مطالبة بالانتباه على هذه النقطة جيداً.

 

كما أظهرت نتائج تحاليل أُجريت على بعض العبوات بعد استخدامها لمدة أسبوع وجود مواد كيميائية وبكتيريا قد تكون مسؤولة عن التسبب بأمراض خطيرة، كأمراض القلب، والمشاكل الهرمونية، وخطر الإصابة بسرطان الثدي.

وكانت هناك مخاوف على وجه الخصوص بشأن مادة (BPA) أو (بيسفينول A) وهي مادة كيميائية مثيرة للجدل، تُستخدم في صناعة البلاستيك ويعتقد أنها تتداخل مع الهرمونات التناسلية، إضافة إلى تأثيرها على كل الوظائف الطبيعية في الجسم.

 

كما أشارت أبحاث مخبرية إلى وجود أعداد كبيرة من البكتيريا في العبوات البلاستيكية المستخدمة قد تعادل البكتيريا الموجودة في كرسي المرحاض.

 

كان برنامج الأمم المتحدة للبيئة أطلق حملة عالمية غير مسبوقة للقضاء على المصادر الرئيسية للنفايات البحرية بحلول عام 2022، ومنها الحبيبات الدقيقة المستخدمة في مستحضرات التجميل، والاستخدام المفرط والمسرف للبلاستيك الذي يستخدم لمرة واحدة.

 

وينتهي المطاف كل عام بأكثر من 8 ملايين طن من البلاستيك في المحيطات، مما يسبب أضرارًا على الأحياء البحرية ومصائد الأسماك والسياحة، ويكبد الاقتصاد العالمي خسائر لا تقل عن 8 مليارات دولار بسبب الأضرار التي تلحق بالنظم الإيكولوجية البحرية.