نقطة ارتكاز

العنف فى مجتمعاتنا العربية

غسان محمد عسيلان
غسان محمد عسيلان

غسان محمد عسيلان

لا ريب أن ظاهرة العنف قد تفشَّت فى السنوات الأخيرة فى عالمنا العربى كما فى سائر أنحاء العالم، حيث أصبحنا نجد العنف غير المبرر منتشرًا فى الشوارع، والأسواق، وأماكن العمل، بل وفى المنازل والمدارس وغيرها من الأماكن، وتُطالعنا الصحف ووسائل الإعلام بصور شتى من جرائم العنف المروِّعة هنا وهناك، وبين الفينة والأخرى تهزُّ مجتمعاتنا العربية مشاهد بشعة مُفجعة تروِّع قلوبنا، وتقضُّ مضاجعنا، وتزلزل ضمائرنا، ويكاد لا يُستثنى من ذلك أيُّ بلد؛ إذ تُشير الإحصاءات والدراسات الاجتماعية إلى انتشار جرائم العنف والقتل وتصاعدها بشكلٍ متزايد!!
والله تعالى لا يُحب العنف، قال جل شأنه: ﴿وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ «البقرة: 190» وقال عزَّ اسمه: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِى حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ «الأنعام: 151» وقال صلى الله عليه وسلم: «إن الله رفيق يحب الرفق، ويُعطى على الرفق ما لا يُعطى على العنف، وما لا يعطى على ما سواه» وقال: «لا يكون الرفق فى شيءٍ إلا زانه، ولا يُنزَع من شيءٍ إلا شانه» وقال: «إذا أراد الله عزَّ وجلَّ بأهل بيتٍ خيرًا، أدخل عليهم الرفق».
ولم تكن مجتمعاتنا العربية والإسلامية مرتعًا للجريمة والعنف من قبل، ولا شك أن ما أحدثَتْه العولمة فى المجتمعات المختلفة له أثر كبير فى نزوع الناس إلى العنف لاسيما الشباب، ففى ظل الأنماط المعقَّدة للحياة المعاصرة صار الإنسان يندفع إلى ممارسة العنف لمجموعة من الأسباب كشعوره بالفشل والإحباط، وضعف ثقته بنفسه، أو ما يعتمل داخله من اضطرابات انفعالية ونفسية، أو بسبب الحرمان من العطف والتقدير والاحترام، وغياب القدرة على الحوار الهادف، والتواصل البنَّاء مع الآخرين، كما تؤدى البطالة والجهل إلى خلق شخصية عنيفة عدوانية مضادة للمجتمع!!
وبكل أسف تلعب وسائل الإعلام حاليًّا دورًا فى تنامى ظاهرة العنف لدى أبناء المجتمع، فمعظم الأفلام والمسلسلات والبرامج تقدم نماذج سلبية كثيرة من السلوكيات المنحرفة، كما تعرض جرعات من مَشاهِد العنف والجرائم المروِّعة كالقتل والسرقة والاغتصاب والضرب المبرِّح، والبلطجة، وتعاطى المخدرات، والإسراف فى إظهار سيطرة البلطجية والمنحرفين على الآخرين باستخدام العنف والقوة وغير ذلك من التصرفات الخاطئة التى ترسِّخ العنف فى نفوس الشباب كوسيلة للشعور بتحقيق الذات وبسط الهيمنة على الآخرين، وهو ما يؤسس لواقع مؤلم نعيشه بالفعل بسبب التأثير القوى لوسائل الإعلام؛ إذ أدَّت أفلام ومَشاهد العنف إلى تقوية نزعة العنف لدى الشباب، وأثَّرت تأثيرًا بالغًا فى انتشار الجريمة؛ لأن وسائل الإعلام تبالغ فيما تنشره من إثارة حول أخبار العنف، كما قد تصور المجرمين وكأنهم يقومون بأعمال بطولية، حتى تحوَّل الأمر من مجرد ترفيه وتسلية إلى إقبال الشباب على تقليد السلوكيات العنيفة؛ مما أدى إلى تعلُّم الأفراد لأساليب ارتكاب الجرائم، وترسيخ العنف فى المجتمع.
ولعلاج ظاهرة العنف والحدِّ منها يجب على مجتمعاتنا العربية والإسلامية الرجوع إلى منظومة القيم الإسلامية الراقية، وتفعيل مكوِّناتها الأخلاقيّة والتشريعية كى تحكم المجتمع وتضبط علاقات الناس مع بعضهم البعض؛ بحيث يُجرم العنف ويُحاسب مرتكبوه بكل صرامة وحزم، ولابد من إعادة النظر فيما يقدمه الإعلام لأبنائنا من مسلسلات وأفلام وبرامج، حيث يجب تقبيح العنف فى وجدان أبناء المجتمع، وتنفير الناس منه، وتقديم رسائل توجيهية وإرشادية توضح حثَّ الإسلام على الرفق واللين والرحمة والعفو والتسامح، ورفضه للعنف والترويع والإيذاء.
ولابد من تحقيق التكافل الاجتماعى فى مجتمعاتنا وترسيخ المحبة والتراحم بين جميع أبنائها ليسود الأمن والتكاتف والتعاطف ولا يلجأ أحد إلى العنف، وفى الحديث قال صلى الله عليه وسلم: «مَثل المؤمنين فى توادهم، وتراحمهم، وتعاطفهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى» فنشر التكافل بين الناس فى المجتمع، ومساعدة الفقراء والمحتاجين، يؤدى إلى تقوية أواصر الأخوة والمودة، ويزرع الحب بين أفراد المجتمع، وهذا بدوره يستأصل جذور الشر داخل أفراد المجتمع، ويقضى على القسوة والعنف، ويفتح باب الحوار والمناقشة، ويتيح الفرص للتعبير عن الرأى بحرية، وتبادل الآراء المختلفة ومناقشتها فى جوٍّ هادئ بعيد عن الانفعال والتعصب.
صفوة القول: إن مواجهة ظاهرة العنف فى مجتمعاتنا العربية تتطلب معالجتها بكل حكمة ومهارة وبشكل علمى منظم بعيدًا عن العشوائية وردَّات الفعل، وهذا يتطلب التصدى بحزم للعوامل المتشابكة التى أدت إلى انتشار العنف فيها، وحتى يتمَّ استئصال الشر من النفس البشرية ينبغى المسارعة إلى اتخاذ مجموعة من التدابير لإيقاظ الشعور الدينى فى وجدان الجميع وضبط سلوكياتهم وفق منظومة القيم الدينية والمجتمعية التى تدعو إلى الفضائل ومكارم الأخلاق.
< أكاديمى سعودى وكاتب صحفى