نبض السطور

مـن يـدفـع الثمـن؟!

خـالد مـيرى
خـالد مـيرى

التشكيلات الجديدة للمجلس الأعلى للإعلام والهيئتين الوطنيتين للصحافة والإعلام جاءت اشارة بدء لتنفيذ خطط الإصلاح، ولمواجهة آثار ديون وصلت للمليارات لأنها تراكمت منذ ستينيات القرن الماضى ولا علاقة للجيل الحالى بها.. ولمواجهة منافسة شرسة داخليا وخارجيا تستهدف وعى الشعب وعقله، إصلاح اقتصادى يواكبه إصلاح مهنى لتطوير المحتوى ومحاسبة دورية وشفافية كاملة.

قبل 7 آلاف عام عرف العالم «الطبلة» كأول وسيلة إعلامية، وحتى يومنا هذا مازالت موجودة تؤدى دورها فى الإعلام فى مناسبات مختلفة، وسائل الإعلام لا تختفى ولا تندثر.. تمر بمراحل صعود وهبوط لكنها تظل موجودة ومؤثرة.
منذ سنوات ضربت الأزمات الاقتصادية الصحافة الورقية فى عدد كبير من دول العالم، لكنها لم ولن تقضى عليها.. فى اليابان والهند وألمانيا مازالت صحف ومجلات توزع عشرات الملايين من النسخ، وفى أمريكا استعادت صحف شهيرة أرقامها المليونية.. وفى فرنسا منحت الدولة دعما ضخما للحفاظ على الصحافة الورقية خاصة الإقليمية، وفى إنجلترا تم تغيير وسائل التوزيع ليصلوا بالصحيفة إلى القارئ فى غرفة نومه فتوقف تراجع أرقام التوزيع، وتوصل الاتحاد الأوروبى إلى اتفاقية مع جوجل وكبرى شركات السوشيال ميديا ليحصل على نسبة من ضرائبها يتم ضخها لدعم الصحافة الورقية، وليس بعيدا عنا ما حدث فى تونس والمغرب بصدور قوانين تعتبر الصحافة الورقية جزءاً مهماً من الثقافة والهوية والقوى الناعمة التى يجب دعمها والحفاظ عليها.
فى مصر رأينا فى نهايات القرن الماضى الراديو يكاد يختفى لكنه عاد متألقاً مع بداية القرن الحالى، وتؤمن الدولة بأن الصحافة الورقية كانت ومازالت جزءاً أصيلا من القوى الناعمة بمصر والوطن العربى، المصدر الموثوق به للمعلومة الحقيقية.. فى وقت تلعب فيه السوشيال ميديا دورا كبيرا فى الإعلام، لكنه كان وسيظل نافذة يُطل منها أهل الشر ومروجو الشائعات ومن يستهدفون هدم الدولة.
أتذكر كلمات حاكم الشارقة الشيخ سلطان القاسمى داخل نقابة الصحفيين قبل عدة شهور.. وقتها قال الرجل: مازالت الصحافة الورقية هى الأقوى تأثيرا، وما تنشره هو المادة الأساسية التى تعتمد عليها وسائل الإعلام المسموعة والمرئية بل وحتى الوشيال ميديا.. ولننظر حولنا إلى صحيفة كـ«الواشنطن بوست» لا يصل توزيعها إلى 200 ألف نسخة ولكن خبرا صغيرا بها قادر على تغيير سياسات دول واثارة أزمات عالمية، ولو نظرنا للصحافة الورقية بمصر سنجد أى مسئول يهاجمها لا يمكنه أن يتحمل مقالاً واحداً ينتقد سياساته لأنه يعرف جيدا قدرتها على التأثير.
ولأن الدولة وضعت يدها على المشاكل، قررت السير بخطوات جادة على طريق الإصلاح.. والهدف واضح هو مواجهة الأزمات الاقتصادية واستعادة كامل الدور والتأثير للصحافة والإعلام.. الجناح المهم فى مواجهة إعلام جماعة إخوان الشر.. ويكفى أن نعلم أن خسائر قناة واحدة كالجزيرة وصلت إلى مليار دولار سنويا لكن دويلة تميم تدفعها راضية لخدمة سياسات الشر والفتنة والوقيعة.
خطط إصلاح الصحافة والإعلام تم إعدادها بعد مناقشات موسعة شاركت بها هيئات الصحافة والإعلام وأبناء المهنة ورجالها شيوخاً وشباباً والحكومة وأجهزة الدولة.. خطط ناقشت الواقع وكل السلبيات ووضعت الحلول وبرامج التنفيذ، ورغم صعوبة المهمة يظل النجاح ممكنا طالما خلصت النوايا وانطلقنا من أرضية العمل والبناء والحفاظ على مهنتنا والعاملين بها، لقد ثبت على أرض الواقع ان المستحيل ليس مصريا.. ومهنتنا بكل ما تملك من كفاءات وقدرات وبدعم ومساندة الدولة قادرة على تحقيق الأهداف.
جميعنا يعلم أن الصحف ووسائل الإعلام فى كل دول العالم يمتلكها ويديرها دول وكبار رجال الأعمال بها لتنفيذ سياسات واضحة، فكل دولة تبحث عن مصالحها وتستهدفنا نحن برسالتها وتستهدف وعينا، وتدفع الثمن مهما كان غاليا فى مقابل ضمان وصول الرسالة إلى عقولنا، وأعتقد أن قرار عودة وزارة الدولة للإعلام كان هدفه الرئيسى وضع سياسات عامة لمواجهة موجات إعلامية متتالية تستهدف الشعب وعقله ووعيه.
أما ما لا يقبله عاقل فهو ما يفعله وزير الدولة للإعلام.. منذ مجىء الهيئات الجديدة وبداية خطط الإصلاح لم يمد اليد للمساعدة، ولم يتفرغ لمهام وزارة الدولة التى كلفه بها رئيس مجلس الوزراء لرسم سياسات عامة للإعلام فى الوقت الذى تواجه فيه الدولة حربا إعلامية شعواء.
الرجل تفرغ لتصريحات تبشرنا بنهاية الصحافة الورقية وتراجع تأثير الصحافة والإعلام، مستندا إلى دراسات وهمية هو وحده من يعلم بها فلا توجد جهة أعدت هذه الدراسة العلمية أو لديها القدرات لإعدادها.. فشل فى فرض أصدقائه فى قيادة هيئات الإعلام وفشلت خطته فى الهيمنة عليها.. فاختار أسهل الطرق وهو الهجوم والانتقاد دون أن يقدم حلا واحدا لأية مشكلة، وعندما رد عليه زملاء له كبار وصغار تجاوز فى حق الجميع وأصبحت كلماته هى النجم فى قنوات إخوان الإرهاب والمادة الدسمة لبرامجها المسمومة التى لا هدف لها سوى الفتنة والشر.
وزير الدولة يجلس فى كرسى الوزارة الوثير، ويجمع معه رئاسة مدينة الإنتاج الإعلامى التابعة للهيئة الوطنية للإعلام وعضوية مجالس إدارة شركات كبرى، يتقاضى مبالغ طائلة يتمنى كل صحفى لو حصل عليها لشهر واحد، ومن القصر الذى أصبح مكتبا له يوجه تصريحاته النارية، تصريحات تضرب خطط الإصلاح.. لا تقدم حلولا لكنها تؤثر سلبا على كل الصحف ووسائل الإعلام الوطنية.
لا يوجد خلاف شخصى مع وزير الدولة ولن يكون، ومصلحة الوطن يجب أن تجمعنا تحت رايتها، لكن الاساءة للمهنة والزملاء تخدم أعداء الوطن، وتفتح أبواب الشر من حيث يظن أنه يفعل الخير.. مراجعة النفس ومحاسبتها واجب على كل منا، لأن الثمن غال تدفعه مهنة شريفة ووطن غال يجمعنا تحت رايته العالية.