إنها مصر

كلمة السر!

كرم جبر
كرم جبر

كلمة السر هى «مصر» التى لا نعرف قيمتها إلا إذا ابتعدنا عنها، مصر الوطن وقال عنها أمير الشعراء أحمد شوقى «وطنى لو شُغلت بالخلد عنه نازعتنى إليه فى الخلد نفسى».. ومصر بالذات لها أوصاف لا توجد فى غيرها.
هى أول دولة على وجه الأرض تؤمن بالأديان ورسالة السماء، وعظمت فى كل الرسالات جوهرها الحقيقى الذى يدعو للحب والسلام، وأصبحت رسالة الإيمان هى المخزون الحقيقى الذى يواجه به المصريون أعتى الأزمات وأشد المحن.
وهى أول دولة على وجه الأرض يعرف أهلها حلاوة الاستقرار حول النهر العظيم الذى يأتى لهم كل عام بالخير، لم يكن المصريون أبداً قبائل رحل تهيم على وجهها فى الصحراء تبحث عن آبار المياه حتى تنضب، لم تكن دولة مهاجرة وراء الرزق، وإنما دولة مستقرة يبحث عنها الرزق.
ولم تكن مصر فى يوم من الأيام دولة شتات تتصارع فيها المذاهب والملل والعرقيات، بل صهرت الجميع فى بوتقتها الرائعة وأضفت عليهم جميعاً روحها المتسامحة.. وخلقت فوق أرضها نموذجاً نادراً للتعايش بين أبناء مختلف الأديان وكلهم يؤمنون بالمقولة العظيمة «الدين لله والوطن للجميع».
ولم تكن مصر فى يوم من الأيام دولة الجمود والظلام وتصلب الشرايين والتخلف الفكرى، بل كانت دائماً منبراً للعلوم والثقافات والفنون والآداب، وصاغتها فى قوالب تنبض بالوعى والفكر.. وحمل أبناؤها تلك المعانى العظيمة فى كل مكان ذهبوا إليه.
لذلك كان الفشل دائماً من نصيب التيارات الظلامية والعقول الجامدة التى جاءت إلينا فى فترات معينة ولم يستسلم هذا الوطن ولا أبناؤه لأفكار التخلف والعودة لعصور الظلام ودخل فى معارك دائمة ومستمرة مع التيارات التى ارتدت عباءة دينية زائفة تستهدف النيل من سلامته وتسامحه.
نسينا فى زحمة الأيام والمشاكل والأحداث كلمة السر التى كنا نتحدى بها أعتى المشاكل وأصعب الأزمات وهى «روح مصر».. وربما نتذكر ذلك الآن لأننا فى حاجة لاسترجاع هذه الروح التى انتصرنا بها فى كل المعارك وقهرنا الصعاب، فالمصريون يركبون الصعب ويبلعون الزلط بشرط أن نوقظ فيهم غريزة حب مصر.. هذا الحب الذى يحاول قتله «حفنة» من المجرمين الجدد، الذين هم أكثر خطورة من غربان الظلام والإرهاب.
ولأن نصر أكتوبر الذى احتفلنا بذكراه منذ أيام يذكرنا بمعانيه العظيمة وتضحياته الكبيرة.. يوم قهرنا المستحيل وركبنا الصعب.. وبينما كان العدو يراهن على أن المصريين لن يستطيعوا الحصول على قنبلة ذرية لتدمير خط بارليف الرهيب، فوجئوا بهم يدمرونه بخراطيم المياه ويصعدون عليه بسلالم من الحبال.
فى حاجة أن نسترجع روح أكتوبر التى عكست المخزون العظيم للشعب المصرى من الحضارة والوعى والانضباط وحب مصر.. حب مصر بالفعل وليس القول فقط، هم مصر والاستعداد للتضحية من أجلها.
آن الأوان أن نستدعى التجارب الناجحة وروح البطولة التى تعبر بالشعوب عنق الزجاجة، والمصريون بالذات يستطيعون أن يقهروا أية أزمة بشرط أن توقظ فيهم روح مصر.