إنها مصر

الأخلاق المستعملة !

كرم جبر
كرم جبر

بناء دولة متعافية، اقتصادياً، هو الذى يوفر جودة الحياة.. واجتماعياً، يشيع روح الطمأنينة فى القلوب والأمان فى النفوس، حتى نستطيع التخلص تدريجياً من الميراث النفسى السيئ، والمتراكم فى النفوس عبر سنوات طويلة.
انفراجة الحياة، تجعل المصرى يهدأ ويستريح، وإذا سافر خارج بلده لن يحمل فى حقائبه مرارة أهل وطنه، وإذا ابتسمت له الحياة، سيزداد حباً لوطنه تواقاً للعودة إليه.
نحتاج إلى إعادة ترسيم المثل والأخلاق والضمير، وتدشين قيم المنافسة الشريفة، وغلق أبواب الانهيار والفساد، وإشاعة روح العدل والطمأنينة.
كلنا بلا استثناء نشكو من «الناس السيئين»، فأين هم «الطيبون»، الذين نبحث عنهم ولا نجدهم، ولماذا نتعامل كالغرباء وكأن الدنيا ليس فيها «طيبون» إلا من يتحدثون عن أنفسهم؟
شربنا المر، حين كان بلدنا فى السبعينيات يستورد بالات الملابس القديمة، والدجاج الفاسد، وطعام القطط والكلاب لاستخدام البشر، وكان الناس يقفون طوابير عشرات الأمتار لاقتناص دجاجة مجمدة أو زجاجة زيت وعلبة سجائر.
فتأثروا نفسياً بسبب سوء الحياة وبالات الملابس القديمة.. وسافر بعضهم إلى الخليج وعادوا بمساوئه وسلبياته، ووقعوا أسرى لأنماط استهلاكية لم يستطيعوا الاستمرار فيها: الكاسيت والسجاير المارلبورو الحمراء والعباية الصوف والمروحة والساعة الجوڤيال الملونة.
فقر الحياة والرمال الساخنة هما طرفا معادلة الانهيار الأخلاقي، وجاءت 25 يناير لتدشن ما نحن فيه، فين المصرى بتاع زمان؟
>>>
لم تنطل مظاهر «الإسلام الشكلي» التى جاء بها الإخوان، على شعب يعشق بفطرته الأديان، وفوجئوا بـ«إسلام حقيقي» يتسلح به المصريون، ويتوافق مع تسامحهم وحضارتهم وثقافتهم وليس مشبعاً برمال الصحراء، ولا يمكن أن يزايد أحد عليه.
كان مستحيلاً أن ينتصر الباطل أمام وعى المواطنين البسطاء الذين اكتشفوا أن الإخوان لا يتذكرون ما يكذبون، فلبست الحقائق ثوبها وركلت الكذابين خارج قصر الحكم.
حسم المصريون منذ زمن قضية الوحدة الوطنية، وارتضوا أن تكون علاقتهم بشركاء الوطن الأقباط على قاعدة المواطنة والمساواة فى الحقوق والواجبات، وكان المسمار الذى ارتد لنعش الإخوان هو محاولتهم إشعال الصراع والانتقاص من حقوق الأقباط، وخاب سعيهم لافتعال معارك تشق وحدة الصف.
فوجئوا أن مسلمى مصر هم أول المدافعين عن الأقباط، وأن الأقباط فى وقت المحنة لم يستقووا بالخارج، وإنما بالوطن، وأصبح العدو المشترك، هو جماعة الإخوان وأهلها وعشيرتها، وكان ضروريا أن يرحلوا من على المسرح.
لم يفهم الإخوان «سر مصر»: «التعايش السلمي» الهادئ بين مكونات شعبها، وسعوا إلى الصراع والتقاتل وليس الانسجام والتناغم، ولم يفهموا أن هذا البلد الذى يعيش فيه 100 مليون مواطن، لا يستطيع أن يتحمل ضريبة أطماعهم فى الخلافة، فبادر بالتخلص منهم قبل أن يمزقوا نسيجه.