يوميات الأخبار

عندما تدير الحياة وجهها !

صالح الصالحى
صالح الصالحى

«عيش» الحياة.. لا تستسلم ولا تركن لها.. لا تجعل نفسك عبداً لها.. تحل بالعزيمة والصبر.. فمهما بلغت قسوتها سيأتى يوم الانتصار.

الحياة.. نعم الحياة.. لغز محير لايستطيع أحد فك رموزه.. أو معرفة شفرته.. الحياة صعبة، قاسية، تعسة، مظلمة، جميلة، مريحة، سعيدة، مشرقة كل ذلك وغيرها مفردات نستخدمها لوصف الحياة التى نعيشها قصرت أم طالت.. كل منا يستخدم اللفظ أو يختار اللفظ الذى يضيفه للحياة وفقا لما يشعر به ولظروفه المعيشية والاجتماعية والعملية.
منا من يعيش حياة قاسية صعبة.. قد تشتد قسوتها أو تقل أو تطول مدتها أو تقصر من حين إلى آخر.. ومنا من يعيش حياة رغدة، سهلة، سعيدة.
أكثر البشر يعيش حياة ممزوجة بين ذلك وتلك.. بين الحياة الصعبة القاسية والحياة السهلة المريحة.. ولكن تصنيف الحياة فى مجملها يأتى وفقا لفترة القسوة أو لفترة السعادة.. فإذا كانت فترة الصعوبة أطول من فترة السهولة تكون حياة صعبة والعكس.
ومن يحيا حياة قاسية دائمة أو حياة سعيدة على طول فهذا هو الاستثناء.. لأنه بالضرورة مهما بلغت القسوة سوف يتخللها سعادة.. ومهما طال الرغد يأتى يوم تعيس.. هذه هى شريعة الحياة التى تعودنا عليها.
ويأتى السؤال هل تدير الحياة وجهها لشخص ما؟
الإجابة عن هذا السؤال موجودة بالفعل فى السطور التى قرأتها منذ قليل.. فالحياة قد تفتح لك ذراعيها وتعطيك وجهها الجميل.. وقد تدير لك ظهرها لتريك  قسوتها.. أو تعطيك وجهها القبيح فلا يأتيك خير.. وقد تعطيك اليوم السعادة وغدا تعطيك الشقاء.. الحياة خليط بين الاثنين.
ولكن أن تعطيك الحياة ظهرها منذ أن تولد وحتى وفاتك فهو أمر غاية فى القسوة.. قسوة الحياة أن تظل لا تراك.. وهذا أصعب شئ.. فكيف تتعامل مع الحياة ومع قسوتها الدائمة؟ وكيف تظل تتعامل معك بظهرها ولاتعطيك أبدا وجهها؟.. هذا مستحيل وضد ناموس الحياة ذاته.. فالطبيعى ان الحياة تريك وجهها من حين الى آخر حتى تعرف الفارق بين القسوة والسعادة بين الشقاء والراحة.. حتى وإن اعطتك الحد الأدنى من طموحك وأحلامك.. أو جعلتك تعيش السعادة للحظات.. فهى لابد أن تريك الجانب المشرق حتى وإن كان وميض لكى تشعر بالجانب المظلم.. اما أن تعطيك ظهرها طول الوقت فهذا لايحدث.. لأنك وقتها سوف تتكيف معه فأنت لم تر  وجهها على الاطلاق..
صحيح قد يعيش الانسان حياة لحظات السعادة فيها قليل، حياة قاسية وصعبة.. ولكنه هو من يزيد من قسوتها وصعوبتها على نفسه.. فأحلامه دائماً ليست على مقاسه.. وتطلعاته أكبر من امكانياته.. فهو ينظر للآخرين الأعلى منه والأكثر منه حظا، ويحاول الوصول إليهم بشتى الطرق، وهنا تنجح الحياة فى أن تجعل مثل هذا الانسان يلهث وراءها.. ومن يلهث وراء الحياة يظل شقيا تعيسا طوال عمره.. ولايستمتع بأى شئ.
هل الحياة حظوظ؟.. نعم الحياة بها من الحظوظ الكثير.. والحظ هو المرادف عندما تعطيك الحياة وجهها الجميل وتشعر أنها قد اقبلت عليك.
صحيح قد يصاحب الانسان أمور  عديدة تجعله يشعر بأن الحياة نسيته بل وشطبته من ذاكرتها.. فمثلا عند لحظة ولادته يذهب شىئ لو استمر لتغيرت معه حياته.. ويصادف عراقيل وحواجز عالية طوال حياته يشعر معها أن الحياة تعانده، وتعطى غيره ومن هم أقل منه.. وتجعله يعيش على الهامش يعيش حياة صعبة.. فعندما تعطيه شيئا يسعده يصاحبه ما يذهب هذه السعادة.. فالسعادة دائما عنده غير مكتملة.. وعندها يقول لنفسه لماذا تفعل الحياة كل ذلك بى ؟!
صحيح تعطينى الراحة ولكنها ممزوجة بالقلق والأرق.. ووقتها قد يستسلم .. ويترك نفسه للحياة تفعل به ماتشاء.. أو يصاب بمرض نفسى كالاكتئاب والتوتر ناهيك عن السكر والضغط وأمراض القلب لا قدر الله.. أو يختار طريق انهاء حياته بنفسه. فالانتحار يصاحب أمرين إما أن تعيش فى تعاسة دائمة او سعادة دائمة..
وقد يدخل فى تحد مع الحياة.. ويتغلب على الظروف مهما بلغت من صعوبة.. ويستأنس بالقليل من السعادة حتى وإن جاءت منقوصة.. ويظل صامدا صابرا حتى يأتيه الفرج وتعطيه الحياة وجهها الجميل، حتى وإن كان قد فات الأوان.. فطول العمر يبلغ الأمل.
«عيش» الحياة ولا تستسلم لها.. ولاتركن لما ترسمه لك من عيش فى كبد.. ولاتجعل نفسك عبدا فى محرابها مهما كانت الظروف ومهما بلغت الصعاب فسيأتى اليوم الذى ستنتصر عليها.. وإن لم يأت سوف تتركها وأنت مرفوع الرأس.. لانك لم تهو فى قاعها العميق. وقاومت بكل عزيمة دوامة الحياة.
عش كما أنت، حافظ على إيمانك بالله وعلى قيمك ولاتنساق وراءها.. فهى تختبرك وان طال الاختبار.. تحاول أن تحاصرك بالهموم والمشاكل حتى تستسلم لاغرائها لتميت ضميرك وتغضب الله.. ضع فى حسابك دائما قول المولى عز وجل «فإن مع العسر يسرا، إن مع العسر يسرا».. فالحياة مهما منحت الانسان من سعادة لايأمن غدرها.. هذه هى الحياة.
أكتوبر.. نظرة مختلفة
يُكتب التاريخ ليكون ذاكرة الأمة.. نستدعيه وقت الحاجة لنتعلم من سلبياته ونتجنب اخطاءه ونبنى على ايجابياته ليكون قوة دافعة نحو التقدم.
وبمناسبة ذكرى حرب اكتوبر المجيدة، وجدتنى استدعى التاريخ.. تحديدا كتاب الكاتب الصحفى الكبير موسى صبرى والذى صدر عام 1974 بعنوان «وثائق حرب اكتوبر».. وكان الاستدعاء هذه المرة ليس لإعادة قراءة الكتاب ولكن للوقوف والتفكير بتمهل فى بعض ما جاء به.. ووجدتنى وأنا أتدبر الكتاب هذه المرة أسرح طويلا أمام بعض ما قال الزعيم الراحل أنور السادات وجدتنى أنظر لحرب أكتوبر من منظور مختلف أنظر على الزعيم السادات وكيف اتخذ قرار الحرب الصعب، فى ظل ظروف بالغة القسوة والتعقيد كانت تمر بها البلاد.
السادات كان يرى أن الشعب المصرى طيب أصيل.. شعب واع لايفوت حقه أبدا فى المحاسبة عن الخطأ، وفى الوقت نفسه لاينسى أمام الكوارث والنكبات أن الحفاظ على نظامه ومكاسبه هى أول واجباته فى التصدى للعدو.. يرى ان هذه النكسة (هزيمة ٦٧) لو ألمت بشعب آخر كان يمكن أن تشيع فيه الفوضى وأن تتسلل اليه النوازع الخبيثة.. ولكن الشعب حافظ على تماسكه الرائع وقدم الدليل على أنه الشعب الأصيل الطيب المتطلع الى الخير.
توقفت كثيرا أمام المحضر السرى لاجتماع المجلس الأعلى للقوات المسلحة فى 24 اكتوبر 1972. والذى انعقد فى مكتب السادات بالجيزة فى الساعة التاسعة من المساء، واستمر ثلاث ساعات وربع الساعة.. يقول الكاتب ان هذا الاجتماع يعتبر اجتماعا تاريخيا، اذا أردنا أن نقيم الوثائق العسكرية لحرب اكتوبر..
فى هذا الاجتماع حدد السادات الموقف بحسم، دون أن يسمح بأى تراجع أو تشكيك. الموقف هو الحرب. تحريك القضية عسكريا. وأعلن للقادة فى هذا الاجتماع أنه ليس الرجل الذى يناور لكى يحتفظ بكرسى الرياسة.. وأعلن أنه لن يستسلم وأن الموت فى سبيل الارض أشرف من هذه الحياة المهينة. وقال لأعضاء المجلس الأعلى أنه يستدعيهم ليبلغهم هذا القرار المصيرى. وانه لا مناقشة فى قرار الحرب. ولكن يجب الاستعداد بالتخطيط والدراسة، والاعتماد على ما نملك من تسليح.. وعلينا أن نعوض التفوق الاسرائيلى بروح العسكرية المصرية.. بروح المقاتل المصرى.. بشجاعة الانسان المصرى.
وفى هذا الاجتماع اتضح أن بعض القادة لايريدون الحرب. وقد كونوا تفكيرهم على أن اسرائيل ستنتصر، وتضرب فى الأعماق، وستكون النتيجة خرابا. وذلك بسبب موقف الاتحاد السوفيتى من ناحية التسليح.
ويقول الكاتب إن السادات غضب فى هذا الاجتماع.. وأصر على قرار الحرب، وأعلن أنه مؤمن بالعسكرية المصرية وأنه اذا كانت اسرائيل متفوقة فى الجو.. فلن تتفوق أبدا على الأرض. وأنه علينا ان نواجه قدرنا ومصيرنا بشجاعة.. وأن الاتحاد السوفيتى لن يحارب من أجلنا ونحن نرفض أن يحارب أحد من أجلنا. هذه معركتنا إما نكون أو لا نكون. هذا قدرنا.. ويجب أن نواجهه.. وأعلن فى هذا الأجتماع غالبية أعضاء المجلس الأعلى اصرارهم على المعركة.. وأنهم مستعدون للتضحية.
ويؤكد السادات للكاتب انه كانت أمامه عشرات الأسباب التى يمكن ان يتعلل بها  لتأجيل الحرب حتى تنتهى مدة رئاسته.. كان من الممكن أن يناور ويتفادى احتمال خسارة الحرب.. ولكنه كان يعتبر نفسه خائنا لو فعل ذلك.. قال لقد اخترت قدرى.
ويعلق الكاتب قائلا : كان من الممكن ان يستند السادات إلى آراء هؤلاء القادة الرافضين للحرب كان من الممكن ان يجد العذر ولايتخذ قرار الحرب.. ولكنه قرار زعيم مسئول عن شعبه لاقرار رئيس جمهورية يتمسك بالمقعد. وهذا هو الفارق بين الزعيم والرئيس فالزعيم من يتخذ القرار الصعب فى ظروف أكثر صعوبة دون النظر لحسابات الكرسى.
ونعود إلى السادات وهو يتحدث عن كيفية اتخاذ قرار المعركة.. قال إننى أشعر أن إرادة الله هى التى اتخذت قرار المعركة.. هذا قدر.. لم يصبح أمامنا من حل إلا أن نحمل السلاح لنحرر الأرض ونرفض الاستسلام ليس هناك حل وسط.. الشعب رفض الهزيمة وهذه هى فلسفة الشعب.
علينا أن نتحمل كل العقبات والتضحيات أو نختصر الطريق ونسلم. الكتاب ملىء بما يستحق أن يقرأ فعلا اذا أردنا ان نعرف أكثر عن حرب اكتوبر.. ولكن ما أستعرضه معكم اليوم هى أمور أرى فيها عبرا قد نستفيد ونتعلم منها فما أشبه اليوم بالبارحة.
الوثائق السرية لحكم الفاشية
صدر حديثا للكاتب الصحفى خالد حنفى رئيس تحرير مجلة الاذاعة والتليفزيون كتاب  تحت عنوان «الوثائق السرية لحكم الجماعة الفاشية». الكتاب يعتبر تسجيلا تاريخيا لأسرار حكم الجماعة الفاشية بالوثائق الرسمية.. والتى منها ماينشر لاول مرة. الكتاب يروى بأمانة وموضوعية كل أسرار الجماعة الفاشية للوصول الى الحكم.. ويستعرض الخبايا الداخلية والعربية والدولية التى صاحبت هذه المرحلة.. والتى تعتبر من أخطر المراحل فى تاريخ مصر..
أعتمد المؤلف على أسلوب التدقيق وابتعد عن الاستنتاج والاثارة ودعم ما يسوقه من وقائع بالادلة والوثائق.. ليصبح الكتاب مرجعا تاريخيا لهذه المرحلة المهمة.
الكتاب تناول تاريخ الجماعة المراوغ لاكتساب الشرعية المفقودة.. وكشف محاولاتها لالتهام الدولة والمجتمع والنظام وسرد بالوثائق مسلك الجماعة الارهابى بعد 25 يناير وتضليل الناس وخداعهم باسم الدين .. وكيف اختطفت كرسى الرئاسة.
الكتاب يدعو الى الجهاد ضد الجماعة باعتباره فرض عين... فهى لن ترضى عنا ولن تتركنا فى حالنا ولن يهدأ لها بال الا إذا أحرقت الاخضر واليابس.
كما يحذرنا منها بأن لا نأمن لها ولانغفل عنها. ولانراهن على انسانيتها فقد دفنتها منذ زمن بعيد.
الكتاب يجيب عن أسئلة عديدة دارت فى خلد معظمنا منذ ثورة 25 يناير ولم نجد لها إجابة.