حروف ثائرة 

محمد البهنساوي يكتب: نصر أكتوبر بين «أدرعي والملاك» وأوهام المصدر الذهبي

محمد البهنساوي
محمد البهنساوي

سر الأكاذيب الإسرائيلية بين ملايين الميادين.. وقسم عبد الفتاح القصري  
 
«ملحمة بطولة وطنية ستظل خالدة» .. هكذا وببساطة شديدة يمكننا وصف نصر أكتوبر العظيم.. إنها ليست معركة عسكرية قوية عبر فيها جيشنا الباسل من الهزيمة إلى النصر .. لكنها ملحمة كبرى تجسد عبقرية ومعدن الإنسان المصري مهما كان موقعه وعمله.. من مزارع أو عامل بسيط وصولا لرئيس الجمهورية وبينهما كل أطياف شعبنا الواحد.. ومن أصعب الأمور أن تفكر في الكتابة عن حرب أكتوبر.. هذه الصعوبة تكمن في سيل الأفكار التي تتزاحم في الرأس.. والعناوين الكثيرة التي تصطف بالذهن لنختار أي الأفكار نكتب.. وأيها عنوان نختار.. وتلك الصعوبة بعينها.

اليوم.. اخترت فكرتين أكتب فيهما في ذكري النصر المجيد.. ربما لأنهما يجسدان جانبا مهما من المعنى الحقيقي للنصر ولأنهما كذلك تجسيد لما نحن فيه اليوم وارتباطه بالأمس.. يوم العبور.. ليؤكد أنه ما أشبه اليوم بالبارحة في التحديات التي تواجه وطننا الغالي.  

«هذيان أدرعي.. وقسم القصري»  

الفكرة الأولي ترتبط بدولة الكيان الصهيوني الذي لازال مغتصبا.. ومجرما .. وأيضا مضلا ومضللا .. ولازال على غيه الذي يحاول به سرقة فرحتنا بالنصر.. لكنه حتى في محاولته تلك يؤكد أن نصرنا أوجعه وزلزل كيانه.. فقد خرج علينا اليوم في ذكري النصر المدعو «أفخاي أدرعي» المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي بتغريدة حملت عنوان «السادس من أكتوبر: الحرب التي فتحت أبواب السلام وحوّلت العدو إلى صديق» ليشرح كيف في مثل هذا اليوم اندلعت حرب يوم الغفران كما تسميها إسرائيل، بينما نصفها نحن وصفا دقيقا بـ«نصر أكتوبر المجيد».. وتحدث أدرعي عن المفاجأة الكبرى التي حققها الجيشان المصري والسوري وتبعها كما وصفها «بعض الإنجازات الميدانية المهمة في مراحل الحرب الأولى» وتلك أول سقطة له محاولا التقليل من الصفعة الكبرى التي حفرها جيشنا العظيم على وجه إسرائيل بعبور قناة السويس وإفقاد جيشها توازنه في 6 ساعات .. ويعود من جديد لغيه وتضليله مدعيا أن إسرائيل بعد عدة أيام قلبت الأمور رأسًا على عقب وعندها وافقت مصر وسوريا على وقف إطلاق النار ووقعت اتفاقات لفض الاشتباك.. و أنهى تغريدته قائلا: «هذه الحرب وضعت حدًا للحروب بين إسرائيل ومصر وفتحت باب السلام في المنطقة مع توقيع معاهدة السلام بين إسرائيل وأعظم دولة عربية».
 
وهنا لدينا عدة تساؤلات نوجهها للمتحدث باسم الجيش الإسرائيلي.. أهمها بالطبع.. ما معني النصر العسكري بأي معركة؟.. وإذا كان لا يعرف فإن النصر لأي جيش ودولة هو تحقيق الغرض من المعركة.. فما بالنا إذا حقق أضعاف ما أراد !! .. هذا بالطبع ما فعله جيشنا العظيم .. فإذا كان الهدف من حرب أكتوبر كما حدده الزعيم الخالد أنور السادات وضع قدم شرق القناة وتحريك المياه الراكدة.. فإذا بجيشنا يضع أقدام فوق جبهة إسرائيل ستظل أثارها تسوء وجوههم إلى يوم الدين.. وبدلا من تحريك المياه الراكدة انفجرت سيول المبادرات الدولية لوقف إطلاق النار والتهدئة انتهاء باتفاق السلام الذي ما كان ليتحقق لولا تحقيق جيشنا لنصر مؤزر في أكتوبر.. وأخيرا وإذا كان جيش إسرائيل قلب الأمور رأسا على عقب كما أدعي أدرعي.. فهل منعته أخلاقه لا سمح الله من غزو القاهرة.. أو ربما أعاقته مبادئه عن تدمير جيشنا كما شبه لهم !!.. هنا أتذكر المرحوم عبد الفتاح القصري وقسمه الشهير «وعدم شرفك ما حصل» !! 

«الفيلم الهابط» 

يرتبط بتغريدة أدرعي ما سربته وسائل إعلام إسرائيلية منسوبا لمخابراتهم كشفت عن ما ادعته سر يتعلق بضابط سابق مصري أسموه بـ«المصدر الذهبي» دون أن يفصحوا عن اسمه أو رتبته ومنصبه وأنه ساعدهم بمعلومات غيرت خطتهم بحرب أكتوبر ودفعتهم لتحقيق تقدم على الجيش المصري الذي أربك حساباتهم خلال الحرب.. وهنا يبدو أن المخابرات الإسرائيلية لم تتعلم الدرس.. فقد حاولوا في سنة من السنين أن يفسدوا احتفالنا بنصر أكتوبر كاشفين عن جاسوسهم «الملاك» وهو اللقب الذي أطلقوه علي الراحل أشرف مروان .. والذي جاء الرد المصري عليهم بليغا بالتكريم الذي لاقاه أشرف مروان في جنازته وبعد وفاته والمعني واضح أن الرجل كان ملاكا بالفعل.. لكن ملاكا لمصر بلده نارا محرقة لعدوتها إسرائيل بعدما توهمت إسرائيل أنهم أوقعوا بمروان في فح الجاسوسية بينما هو ومن وراءه صقور مصر أوقعوهم في شراك مروان الذي ساهم وبقوة في مفاجأتهم بنصر أكتوبر بما سربه لهم من معلومات مغلوطة.. ويبدو أن المصدر الذهبي أن صحت روايتهم سار على نهج الملاك مروان في خداعهم .. وإلا أين كان المصدر من معرفة موعد وخطة وتجهيزات حول أكتوبر.. وكيف يكون ذهبيا ولم تفلح معلوماته في حماية  جيش الدفاع من صفعات أبطالنا ولم يساعد جولدا مائير من أن تستنجد بواشنطن لإنقاذهم من ضربات المصريين ولم يمنع سقوط نقاطهم الحصينة ولا أسر جنودهم وقادتهم وتهاوي طائراتهم.. أي نوع من الذهب هذا ؟! 

وهنا ملاحظة.. فإن إسرائيل وكلما زادت حدة احتفالاتنا بالنصر.. زادت محاولاتهم لإفساده بأي شكل.. بدليل أن التقرير المسرب عن المصدر الذهبي قالوا إن هناك أسما أخر يحتفظوا به وسيعلنون عنه في الوقت المناسب .. بالتأكيد هذا الوقت سيأتي عندما تشتد احتفالاتنا بالنصر العظيم من جديد .. فقد جاء احتفالنا هذا العام استثنائيا وملأ المصريون الميادين قبل أيام احتفالا بعيد النصر السابع والأربعين وجاء الرد بتغريدة أدرعي وفيلم «المصدر الذهبي».
 
الفكرة الثانية تتعلق ببطل الحرب والسلام العظيم.. الزعيم خالد الذكر الشهيد محمد أنور السادات.. فقد تعرض هذا الرجل بعد توليه الرئاسة وحتى نصر أكتوبر لكم من الهجوم والأكاذيب والافتراءات والإهانات لم يكن لبشر ليتحملها إلا إذا كان بطلا وملهما وزعيما فوق العادة سابقا لزمانه.. وهذا هو السادات .. لم يتحمل فقط تلك الأكاذيب والإهانات فقط .. إنما أذكي نارها ليتصور ضعاف النفوس أنها ستحرقه .. بينما هو يستغل نارها الموقدة وبذكاء شديد في شواء ما أجمله وأروعه وأخلده .. شواء النصر المبين.. تلك الحملة كانت داخل وخارج مصر وساهم السادات في زيادة وتيرتها «برة وجوة» ليطبق واحدة من أهم خطط الخداع الاستراتيجي في التاريخ وليكتشف العالم بأثره كيف صفعهم السادات صفعة كبري استرد بها الأرض والعرض.
الآن.. مصر تتعرض لنفس الحملات المغرضة وسيعلم قريبا الذين ظلموا مصر وشعبها وانجازاتها أي منقلب ينقلبون بعد أن يتم الله نوره بالعبور الحالي لمصر إلي مستقبل يليق بها وبشعبها العظيم.