مثواه أم مأواه؟.. الإفتاء توضح صيغة الدعاء الصحيحة للمتوفى

صورة موضوعية
صورة موضوعية

تناقلت عدد من الحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي، منشور مفاده أن كلمة «مثوى» تُطلَق على مكان في النار، وأنه لا يصحّ أن ندعو بها للميت بقول: «اللهم اجعل مثواه الجنة»، والصواب أن نقول: «اللهم اجعل مأواه الجنة».


وفي هذا السياق، ورد إلى دار الإفتاء المصرية، سؤال عبر الموقع الإلكتروني، نصه: ما صحة المنشور المنتشر بين الناس في هذه الأيام على مواقع التواصل، والذي ينهى الناس عن قولهم في الدعاء للمتوفى: «اللهم اجعل مثواه الجنة»؛ بزعم أن كلمة «المثوى» مختصة بالنار فقط؛ لقوله تعالى: {أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ} [الزمر: 60]، وأن كلمة «المستقر» أو «المأوى» هي المختصة بالجنة؛ لقوله تعالى: {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا} [الفرقان: 24]، وقوله تعالى: {فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات: 41].


وأفاد مفتي الجمهورية الدكتور شوقي علام، بأن الدعاء للمتوفى مشروع مطلوب، وهو من جملة هدايا الأحياء للأموات التي تصل إليهم، وقد روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ».


وتقييد الدعاء بالولد في الحديث لا مفهوم له، فالدعاء يصل من الولد ومن غيره، وإنما خُصَّ الولدُ بالذكر في الحديث؛ تحريضًا له على الدعاء لأبيه، قائلا إن القول بأن التعبير بـ «المأوى» أو «المستقر» هو الذي يأتي مع الجنة ويختص بها، فهو الذي يصح استعماله دون «المثوى»، فكلام غلط مخالف للغة وللقرآن الكريم.


وذكر أنه في اللغة: المأوى معناه: المسكن والمنزل، والمستقر: المسكن؛ لأنه مكان القرار، وهو السكون والثبوت، وأما القرآن الكريم: فقد قال تعالى: {سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ} [آل عمران: 151]، وقال تعالى: {أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [آل عمران: 162]، وقال تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [المائدة: 72]، وقال تعالى: {فَأَمَّا مَنْ طَغَى ۞ وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ۞ فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات: 37-39]، وغير ذلك من الآيات الكريمات.

وقال إنه مثل ذلك في دعوى أن كلمة «المستقر» خاصة بالجنة؛ وقد قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا ۞ إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا} [الفرقان: 66].

وذكر أن، غاية الأمر أن المأوى أعم من المثوى، فلا يلزم من كون المكان مأوى أن يقيم فيه الإنسان ويثوي إليه، لكن كل مثوى مأوى.
وانتهى إلى بناء على ذلك، فإن الدعاء للمتوفى بأن يجعل الله مثواه الجنة صحيحٌ شرعًا، ولا وجه لاختصاص المثوى بالنار؛ لا من جانب الشرع، ولا من جانب اللغة، والقول بالمنع من ذلك منشؤه التنطع والتقعر المذمومان فضلًا عن كون مدعيه جاهلًا باللغة والشرع.