إنها مصر

نشكو ولا نحتمل البعد !

كرم جبر
كرم جبر

لا مكان يتسع للمصريين سوى أرض مصر، ومهما كانت الشكوى فلنا وطن يحتوينا، مثل البيت الذى نلوذ لجدرانه، وننام فيه مطمئنين طوال الليل.. نغلق أبوابنا علينا، بعد أن نطمئن أن الأولاد والبنات والأحفاد عادوا إلى غرفهم سالمين.
مصر ليست مستنقعاً للصراعات، وحين استحضر الإخوان فى عام حكمهم الأسود نماذج لحروب دينية، بالسيوف والجنازير والخرطوش، ونشروا الفوضى فى الشوارع والميادين، انتفض المصريون لاستعادة وطنهم، وإعادة الأمن والطمأنينة.
المصريون لا يستطيعون الهجرة إلى أى مكان آخر، فليسوا فى جلد الشعوب التى نزحت من بلادها بحثاً عن الحياة فى الخيام والمعسكرات، والمصرى الذى يترك بلاده تظل روحه معلقة بها، ويعيش حالماً بالعودة.
جيراننا من الدول الشقيقة جاءوا إلى بلادنا فرحبنا بهم أشقاء فى وطنهم الثانى، ونتمنى لهم من كل قلوبنا أن تعود بلادهم قوية متعافية، ولا يستطيعوا استقبال خمسة أو ستة ملايين إذا لا قدر الله حدث مكروه لمصر.
وغرباً ليبيا البلد الجميل الذى يصارع شعبه لاستعادة السلام والهدوء والتخلص من الميليشيات الدينية المسلحة، وليبيا الآن موجوعة ولا تستطيع أن تستقبل مهاجرين مصريين، إذا لا قدر الله حدث لمصر مكروه.
وفى الشرق حماس وإسرائيل، والاثنان أكثر شراً من بعضهما، فحماس ترد لنا الجميل من حين لآخر بالتآمر والمكيدة، وإسرائيل تعرف جيداً أن مصر هى مركز الثقل، فلا تعاديها ولا تصادقها، وظل السلام المصرى - الإسرائيلى بارداً.
وفى الشمال البحر المتوسط ومراكب الموت وقراصنة البحار، ومن ينج من الأمواج العاتية، يستقبله حراس الشواطئ الجبابرة فى الدول الأوروبية، ويعيش فى أماكن أشبه بمعسكرات الاعتقال أيام النازى.
المصريون لا يستطيعون النزوح إلى أى مكان مجاور إذا لا قدر الله حدث لبلدهم مكروه، ولنا وطن يحتوينا، ونعيش فيه أحراراً، نشكو منه ولا نطيق البعد عنه، ولا تسعنا أرض ولا سماء إلا مصر، التى يجب أن نحافظ على بقائها ونعض عليها بالنواجذ.
مصر هى التسامح والمحبة والتوافق والتعايش وقبول الآخر والانسجام، ولم تكن يوماً من الأيام بلد عتبة وشيبة وحنظلة وعمير، الذين عادوا من سفوح الجبال وعصف الرمال، إلى التحرير ومحمد محمود ورمسيس والقبة، يحملون سيوفاً وحراباً وخناجر وأعلاماً سوداء.. وكنا نتساءل: هل عادت مصر إلى زمن الغزوات وحروب الكر والفر وداحس والغبراء؟
مصر معجونة بالإبداع، إبداع الحياة التى تحتوى الجميع دون تمييز بسبب دين أو جنس أو عرق، وإبداع التعايش السلمى الآمن وكراهية العنف والدماء.. وإبداع المصريين فى حب بلدهم والدفاع عنه، فليس لهم أرض سواها ولا قبر سوى ثراها.
مصر لم تكن ولن تكون وطناً للإخوان، لن يحكمها ماليزى أو سريلانكى أو نيجيرى، ولن تتنازل عن شبر من أراضيها فى صفقات الخلافة المشبوهة، ولن يتورط هذا الشعب الطيب فى حرب أهلية، وقودها اللعب بالأديان.