إنها مصر

الحكومة بين نارين !

كرم جبر
كرم جبر

بين استعادة هيبة الدولة، والتصدى للتعديات والبناء المخالف، وبعد أن تحولت المدن والقرى المصرية إلى غابات من الفوضى والإهمال، واغتيال الأراضى الزراعية.
وبين عدم إغضاب الناس، ومنهم من بنى على أراضٍ زراعية لأولاده، أو من تعاقد بحسن نية على مسكن مخالف، وغيرها من صور المخالفات.
وشاء قدر الحكومة الحالية أن تتحمل فواتير إهمال حكومات سابقة، تمت المخالفات تحت بصرها، ولم تتحرك إلا استجابة للضغوط فى مواسم الانتخابات.
ولا تستطيع الحكومة السكوت، لأن هذا معناه أن الجهود التى تُبذل لبناء دولة جديدة، يصاحبها على التوازى هدم الدولة القديمة، وتحول المدن القائمة إلى عشوائيات.
سكتت الحكومات السابقة عن العشوائيات التى تحاصر المدن، وكنا نسميها أحزمة ديناميت القابلة للانفجار، وتغاضت عن المقابر فى قلب القاهرة التى تحولت إلى مساكن وورش ودكاكين وسكان أكثر من الأموات.
وتحققت خطوة غير مسبوقة فى تاريخ البلاد، بتفريغ المناطق العشوائية الخطرة، ونقل سكانها إلى مناطق جديدة وشقق صحية تدخلها الشمس والهواء.
وبانتهاء هذا العام تحتفل مصر بالقضاء على العشوائيات الخطرة، وتتحقق معجزة كانت مستحيلة، ولم يكن أحد يصدق أن ذلك يمكن أن يحدث.
تذكروا معنا أفلام العشوائيات والأحياء التى تنهار ويذهب سكانها إلى الخيام، ويعيشون فيها سنوات طويلة، وتحدث انتهاكات إنسانية خطيرة فى ظروف معيشية غير آدمية.
الآن أصبح فى قدرة الدولة أن تنقل خلال ساعات من تنهار منازلهم ولو كانوا بالآلاف، ويذهبون إلى مساكن نظيفة ومفروشة، وانتهت إلى الأبد مهزلة سكان الخيام.
من يسمح بعودة العشوائيات مرة أخرى يرتكب جريمة فى حق مصر والمصريين، ومن يتكاسل فى مقاومة التعديات يفتح الطريق من جديد أمام الخيام والمعسكرات وعودة الحياة التعيسة.
والحكومة بين نارين.. استعادة هيبة الدولة وكسب رضا الناس، واستطاعت أن تحقق التوازن فى المعادلة الصعبة.
فلم يكن منطقياً أن تنطلق البلدوزرات التى تهدم المبانى فى صورة استفزازية، إلا من يعتدى على أراضى الدولة، أو يلحق أضرارا بالغة بحياة الناس، ولا تشكل هذه الحالات إلا نسبة قليلة.
وعندما زادت الشكوى من ارتفاع غرامات المصالحة، وصل التخفيض إلى نسبة كبيرة، مع تخصيص المبالغ لتحسين جودة الحياة فى نفس المناطق.
رضا الناس كان الهدف الأساسى فى تحركات الدولة، فلا أحد يرضى باغتيال فرص الحياة النظيفة فى ظل غياب الدولة فى فترات سابقة، وفى نفس الوقت عدم إرهاق المخالفين بما ليس فى قدرتهم.
الدولة ليست فى عداء مع الناس، ومصر تتغير إلى الأفضل.. شوية صبر.