حفنة كلام

أحكام القضاء وأبوحصيرة

د. محمد أبوالفضل بدران
د. محمد أبوالفضل بدران

كم يفرح المرء ويزهو بحصن العدالة فى مصر ممثلا بقضائها الشامخ الذى كان ومازال رائدا فى المنطقة يرسى أسسا ومبادئ لدساتير العالم وقوانينها وقد حبانا الله قضاة لا يخشون فى الحق لومة لائم ولا يأبهون بمقولة اللائمين على الإطلاق، فقد صدر حُكم من محكمة القضاء الإدارى بالإسكندرية برئاسة المستشار الدكتور محمد خفاجى «آنذاك» وأيده قبل يومين حكم المحكمة الإدارية العليا الدائرة الأولى برئاسة القاضى الجليل المستشار محمد حسام الدين رئيس مجلس الدولة ورفضت المحكمة الإدارية العليا الطعن على الحكم الذى صاغه المستشار الدكتور محمد عبدالوهاب خفاجى والذى أتمنى أن يُدرَس فى الجامعات ولا سيما فى كليات الحقوق ومعاهد العدالة إذ رفض الحُكم نقل رفات الحاخام اليهودى أبو حصيرة إلى اسرائيل، وأيد الحكم منع الاحتفالات به لمخالفتها وقار قدسية الشعائر الدينية وجاء الحُكم فى ألفاظ فصيحة وجُمل بليغة وكأنه قطعة أدبية بديعة يرسى العدالة ويشبع شغف الروح بالأدب والحق والجمال متنقلا بين ثقافة القاضى الواسعة فى تاريخ الشعوب وحضارة مصر وآثارها وسماحتها التى فطُرت عليها.

وأرى أن أهمية هذا الحُكم التاريخية والأثرية للأسباب التالية:

أولا: يعد هذا الحُكم وثيقة يمتد أثرها خارج مصر لأحكام مماثلة تمنع نقل رفات الموتى لأسباب سياسية أو دينية بما يؤصل احترام أجساد ورفات الموتى على اختلاف دياناتهم ومعتقداتهم.

ثانيا: إن نص الحكم «إن آثار الشعوب ملك لتراثها» يعد قاعدة أصيلة تُبنى عليها أسس الحضارات والآثار على اختلاف حِقَبها وأزْمنتها المتعاقبة.

ثالثا: يسد هذا الحكم باب تصنيف رفات الموتى على أسس دياناتهم، فماذا لو أثبت بحث ما إن أبا حصيرة هذا كان مسلما أو كان مسيحيا أو كان ملحدا فكيف توزّع رفاته ؟

رابعا: أكّد الحُكم حقيقة تاريخية إن اليهود - مع احترامنا للدين اليهودى وايماننا به - لم يكونوا من بناة حضارة مصر وليسوا جزءا منها ولم يسهموا بلَبِنة من لبناتها الشامخة، فهى مقابر عادية لموتى عاديين مدفونين بها، وإقامتهم بمصر ووجود مقابرهم وبقاء هذه المقابر خير دليل على سماحة المصريين وتقبّلهم الآخر واحترامه حيًّا وميتا.

خامسا: أحَقَّ الحُكم قاعدة ألا يُنسب الأثر اليهودى- إنْ كان أثرا- إلى الآثار الإسلامية والمسيحية.

سادسا: سيمنع هذا الحكم نبش القبور ونقلها لأغراض سياسية أو غيرها مما يعد مبدأ أصيلا تُبنى عليه أحكام مستقبلية.
كما أننى فهمت ما وراء هذا الحكم الذى أرسى قاعدة ان من أقام بمصر فهو مصرى لا ينقل احد رفاته منها وان إسرائيل ليست ذات حق ان تدفن رفات اليهود بأرض فلسطين.

سابعا: سيذكر التاريخ أن محكمة مصرية برئاسة قاضٍ مصرى أصيل المستشار الدكتور محمد عبدالوهاب خفاجى قد أرست مبادئ عدل يستضيء بها العالم ويستهدى بها القانونيون فى دول الكون وهذا ليس بجديد على القاضى محمد خفاجى نصير الناس عدلا فأحكامه لصالح الشعب ولا سيما الطلاب وأعضاء هيئة التدريس ونساء مصر وأطفالها وحماية دور العبادة للأديان السماوية، كل هذه الأحكام تجعل الأرض أكثر اتساعا وجمالا.

- مختتم الكلام
قال محمود درويش:
على هذه الأرض ما يستحق الحياة