حديث الأسبوع

عن التوزيع العادل لتكلفة الأزمة

عبدالله البقالى
عبدالله البقالى

    بقلم : عبدالله البقالى

وإن أقرت كثير من توقعات الخبراء والمختصين فى عالم المال والاقتصاد بحجم الأضرار الكبيرة التى ستطال الاقتصاد العالمى من جراء تداعيات أزمة طارئة خطيرة، فى حجم ما خلفه وباء كورونا المخيف، حيث يتوقع سيادة حالة ضخمة من الكساد التى ستعم الأسواق العالمية فى كافة القطاعات، وتهاوى العديد من الشركات الصغرى والمتوسطة مما ستكون له انعكاسات قوية على سوق الشغل وسلاسل الإنتاج وعلى السياسات العمومية فى مختلف أقطارالعالم. وإن أكد خبراء فى مجالات التنمية والشئون الاجتماعية بالهزة العنيفة التى ستتعرض لها الأوضاع الاجتماعية خصوصا بالنسبة للفئات الهشة والمتوسطة، التى يرتقب أن تواجه ظروفا فى غاية الصعوبة، فإن أزمة كورونا لم تكن وبالا على الجميع، وأن هناك من يمكن أن نسميهم (بأثرياء كورونا) من المحظوظين الذين أتاحت لهم الأزمة الطارئة المستفحلة فرصا تاريخية لاستثمار المأساة فى مراكمة الأرباح المالية، التى تحققت من الظروف الاستثنائية القاسية التى يمر منها المجتمع البشرى العالمى. فإذا كانت الأزمة الطارئة خلفت ملايين الجوعى والعاطلين، وعشرات الملايين من القتلى والمصابين، فإنها أيضا عبدت المسالك أمام فئة قليلة جنت الأرباح الطائلة من معاناة البشر.

تقرير حديث صادر خلال الأسبوع الثانى من الشهر الحالى عن منظمة (أوكسفام) الدولية من مقرها فى عاصمة الضباب، لندن، يميط اللثام عن هذه القضية التى لم تغر وسائل الإعلام الدولية بتسليط الأضواء الكاشفة عنها، حيث كشفت هذه الوثيقة الهامة أن 32 شركة عالمية ستسجل فى نهاية العام الجارى زيادة مذهلة فى أرباحها الصافية بما يعادل 109 مليارات دولار، بما يعادل ميزانية دولة نامية، وهى نسبة تتجاوز بكثير متوسط النتائج المحققة خلال السنوات الأربع الماضية، ولم يكن مفاجئا ولا مذهلا أن تتقدم شركات بعينها هــذه الأوساط المستثمرة للمأساة من قبيل Microsoft و Apple و Intel وWalmart و Facebook و Google و Nestle و Roch التى ستخرج من الأزمة بغنائم ليست مسبوقة فى تاريخها الحديث، لأنها أبدعت فى استثمار ظروف العزل والحجز التى فرضتها تداعيات الفيروس اللعين، بيد أن شركات أخرى أقل وزنا لم تفوت الفرصة واقتطعت نصيبها من الكعكة، وإن كان بحجم أقل من سابقاتها، كما هو الحال بالنسبة إلى الشركة اليابانية المصنعة لسيارات Toyota، وشركة الكيماويات الألمانية العملاقة Basf، والأدهى من ذلك، أن التقرير يكشف عن حقيقة صادمة، حينما يؤكد أن أغنى 25 مليارديرا فى العالم استفادوا من الأزمة الطارئة التى كلفت البشر غاليا بزيادة ضخمة فى حجم ثروتهم، التى زادت بمقدار 255 مليار دولار فى فترة وجيزة لم تتجاوز ثلاثة أشهر، من بداية شهر مارس إلى نهاية شهر مايو، وهو ما يعادل الميزانية العامة لدولتين ذات الاقتصاد الناشئ، وتتجاوز ميزانيات أكثر من عشر دول متخلفة، واستدل التقرير بحالة السيد جيف بيزوس رئيس شركة أمازون العملاقة الذى ارتفع سهم شركته بنسبة 76 بالمائة خلال تلك الفترة الوجيزة، وهذا ما مكنه من الرفع من حجم ثروته إلى 204 مليارات دولار وفقا لمجلة (فوربيس) المتخصصة فى رصد أثرياء العالم.

هذه الحقائق الصادمة التى حولت أضرار كورونا إلى أن تصبح نافعة جدا بالنسبة لشركات تقبض بأنفاس الاقتصاد العالمى، ووصلت مرحلة الدهاء الفتاك الذى يمكنها من تحويل المآسى إلى فرص كبيرة لمراكمة الأرباح المالية، طرحت فى تقديرنا إشكالية كبرى ومستعصية تتعلق بما يمكن أن نسميه بـ∪ توزيع تكلفة الأزمة∪ لأنه لن يكون مقبولا بالمرة فى مجتمع دولى حديث، يقال إنه يستند إلى مبادئ وقيم التضامن بين الدول والشعوب فى أزمنة الأزمات الطارئة، أن يدفع عامة الناس تكلفة غالية لهذه الأزمات من حياتهم واستقرارهم وأمنهم وعيشهم اليومى، وتميل بهم الكفة نحو التدهور والتخلف وتجذير الهشاشة والفقر، وتزداد صورة مستقبلهم ومستقبل أبنائهم قتامة، بينما ينتهز أثرياء الأزمة الظروف القاسية جدا للبشر لمراكمة مزيد من الأرباح والأموال فى خزائنهم بحجم مبالغ فيه، وبما لا يحتاجونه ولا يتوقفون عليه. إننا بصدد الحديث عن السقف الأدنى فى عدالة الأزمة، حيث من المفروض أن يساهم الجميع، ولو بقسط يسير، لسداد تكلفة الأزمة الباهظـة، بما يخفف الخسائــر على الأشخاص والدول الأكثر تضررا ويحد من حجم الأرباح المحصلة من ظروف وشروط يعتريها كثير من الغموض والالتباس وحتى الشبهات.

إنها أزمة عدالة يتعايش معها المجتمع الدولى فى الأزمنة العادية، وتنفجر براكين فى أزمنة الأزمات الطارئة.

 نقيب الصحفيين المغاربة